المخابرات الجزائرية تعاني من أعلى درجات أزمة فاعِليَتها. هي مُوجِّه أساس للدبلوماسية الجزائرية، وتلك الدبلوماسية في أسوأ حالات عجزها عن مُلاحقة فعالية الدبلوماسية المغربية. يبدو أن المُخابرات حُمِّلَت مسؤولية ذلك العجز، بل الخسائر والهزائم، لأنها المعنِيّ بإنتاج المادة الخام لكل قرار: المعلومة الدقيقة والتحليل العميق، وهو ما عجزت قيادة المخابرات عن توفيره. حالة الانفعال التي تُعانيها المخابرات الجزائرية تكشَّفَت من الحملة التي يقودُها جهازها الدِّعائي ضد المغرب ومؤسساتِه. حملة هي مادة، مدرسية، جيِّدة لأسوأ ما لا ينبغي أن يقترفَه جهاز دعائي. حملة فارغة من ولو جزء من الحقيقة، ولو ذرة واحدة، ومحشوة بفقر فظيع في خيال الاخْتلاق. حملةٌ تعكس حالةَ إدمانٍ لأصحابها على أردأ نوع من الروايات البوليسية، وتعكس تذكرهم لبعض دروسٍ باليةٍ من مدرسة الدعايَة النازيَة (جوبلز) والتي كانت تعتمد الكذب وتكراره أسلوبَ عملها.
كل ذلك التمرين، المفضوح والمُضحك، رشَح من “مقال” في صحيفة “الخبر” الجزائرية، وهي التي لا تُخفي تدفُّق “مداد” النظام الجزائري في خطها التحريري. المقال مادتُه تقرير استخباراتي يعُجُّ بإسقاط جَرَيان الوضع السياسي في الجزائر على المغرب.. خيال كتابه لم يتمكن من مغادرة الوضع الجزائري، مع توابل من تمَنِّيات حاقدٍ على المغرب، يتمنى له أن يُصاب بما يُعانيه النظام الجزائري. التقريرُ (المقال) قَصْفٌ بعُبُوَات الكذب، في مُحاولة افْتعال أجْنحة تتصارع داخل الدولة المغربية، وصِراعٌ بالأسلحة النارية حتى، وما هو إلا تخيُّلٌ بوليسي لوقائع ولمُتصارعين بلا صلة مع الواقع. وهوَ ما يُمكن تصوُّر حدوثه داخل النظام الجزائري، والسجون هناك مليئَة بضَحَاياه. وكذبٌ آخر سعَى إلى اختلاق حالة غضب شعبي، في شكل مُظاهرات يومية “ضد تدهور الأوضاع المعيشية، بل وتحدث عن عجز الحكومة عن توفير الأجور للعاملين بالإدارات العمومية.. بينما الثابت، المُعلن والرسمي في المغرب هو التفاهُم التاريخي بين الحكومة والنقابات، ومن بيْن بُنوده زيادة هامّة في الأجور تشمل القطاعين العام والخاص. والتقرير يُضيف أن أجهزة الأمن عجزَت عن السيطرة على مُظاهرات الاحتجاجات الشعبية. والحال أن تلك الاحتجاجات لم تقع أصْلا، ولم يتدخل الأمن للسيطرة على ما هو مُجرد خيال عند كتَّاب التقرير.. وتلك فقط عينات من مُضحكات ذلك التقرير وهي أيضا المُفضِحات له.
ما اقترفتْه شُعبة الدعاية في المخابرات الجزائرية، عبْر تلك المادة الصحفية، أطلِق بذخيرة باردة، ارتدَّت على الصحيفة نفْسها في سقطة مِهنية أخْرى، لشبه مقال بلا طعم وبلا رائحة وبلا مفعول. إذ أن الدولة المغربية مدنية، وشفّافة بطبيعة مَدَنيَّتِها. والمغرب بلدٌ مَفتوح.. الإعلام الوطني والدولي يتحرك فيه، بكل حرية. كما أن التمثيليات الدبلوماسية في المغرب، الواسعة والمتنوعة، تتمتع بكل ما يُمكنها من تتبُّع الوقائع المغربية، وأكثرُها يَتتبع تلك الوقائع بعيْن المُعجب بنوعية التقدُّم ووتيرته في المغرب. وليس للمغرب ما يُخْفيه.. الديمقراطية في تدبير الشأن السياسي المغربي تُؤطِّر التدافُعات السياسية والاجتماعية وتُتيحُ للإعلام مُواكبتَها، بما يُشرك المغاربة في التطلُّعات التنموية ويكفل حقهم في صون التلاحم الوطني ومكتسباته.
ما هي إذن المُنَغِّصات المغربية لمِزاج النِّظام الجزائري، التي “أوحت” بذلك “المقال”، فضلا على ما يكشفُه من انْفعال لذلك النظام على فشالاته وقُصور أجهزته؟
“المقال” يُقدم المغرب في حالة اضْطرابٍ وتآكُلٍ وآيلٍ للانْهيار، دولةً ومجتمعًا، بمجرد اختلافات وادِّعاءات بلا دلائل ولا مصادر. بينما التقدم المغربي له مُؤشرات، وقائع، ملموسة واعترافٌ دوليٌ متواترٌ وشامل.
لن نذهب بعيدا، في استنطاق الأحداث التي تضمّنت مُؤشرات على مكاسب دبلوماسية مغربية أو على تقدّمه في مشروعه التّنموي، والتي لا شك أزعجت وتُزعج النظام الجزائري وهو الذي يُصرّ على مُعاكسة المغرب ومُعاداته. أتصوّر أن ما أصابه المغرب من مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي الأخير، استفز النظام الجزائري إلى حد ذلك الزَّعيق “الإعلامي”.
المؤتمر تلقَّى، بالكثير من الاهتمام والتنويه رسالة الملك محمد السادس.. تضمَّنت الرسالة تصوُّرا صارما وواضحا، لقائدٍ مغربي، أفريقي، عربي وإسلامي، يمتلك رؤية شاملة للتحدِّيات التي تخترق العالم الإسلامي، وفي مرْكزِها القضية الفلسطينية، بأبعادها التحرُّرية والدينية. الملكُ كان، في رسالته، القائدَ الغاضب والواقعي ضد العُدوانية الإسرائيلية، ومن ذلك الموْقع وتلك الشرعية، الأصيلة فيه، تلقَّى المؤتمر الإضافات الملكية، والتنويرات بخصوص تفعيل دور منظمة التعاون، بالكثير من التقدير، كما هو مسجّل في البيان العام للمؤتمر.
ومن مُجمل نتائج المؤتمر، المتتبع الجزائري، المُتحسِّس لسداد الاسهام المغربي في المواقع الدوَلية، وفي هذه الحالة مؤتمر التعاون الإسلامي، لا بُد وأن يُصاب بالسُّعار، لتكرار التنويه بصَوابيَّة السياسة الملكية المغربية، وفي مُنظمةٍ دولية هامة، وليس للمغرب فيها فقط أصدقاءُ. وسيغضَب أكثر، ذلك المُتحسّس، وهو يطّلع على تنويه المؤتمر بالمبادرة الملكية الأطلسية تجاه دول الساحل الأفريقية.. المؤتمر، عبَّر عن رفضه للانفصال وتشجيعه ضد دول المنظمة، ممَّا يعزل الجزائر، التي لا اهتمام آخر لها غير دعم الانفصال ضد المغرب، ولكن تسجيل المبادرة الملكية الأطلسية في سجِل تنويهات منظمة التعاون الإسلامي، هو مباركة دولية لمسعى تنموي ملكي أفريقي، مُنطلقُه مدينة وميناء الداخلة في الأقاليم الجنوبية المغربية. هذا يعني أن الحصار يَضيق أكثر على قيادة الجزائر وأحلامِها ومطامِعها ومُناوَراتِها التوسُّعية ضد المغرب، بالعُكَّازة الانفصالية.. هزيمة دبلوماسية ثقيلة أخرى تنضاف إلى تراكم من الهزائم الدبلوماسية. وهذا يؤدي إلى ذلك الانفعال الذي يتضمَّنه “التقرير” ضد المغرب.. طلقةُ ألمٍ من وجعٍ دبلوماسي.
في الذهن أيضًا، ما يبرّر الحملة المسعورة للنظام الجزائري ضد المغرب، هي مكانة التقدير الدولي التي حازته أجهزة الأمن والمُخابَرات المغربية، لفعاليتها وجدارَتها المِهنية، والتي تُقلق “السادة” في النظام الجزائري.
ولعل التقدير الذي “أفاض” المقال “الصحفي” الحافل بالأكاذيب ضد تلك الأجهزة المغربية، هو تصريحات وزير الداخلية الفرنسي، حين زار المغرب يوم 22 أبريل الماضي، عن التنويه بأهمية التدخل الأمني المغربي، كمال قال “لولا مصالح الاستخبارات الأمنية المغربية.. لكانت في خطر أكثر مما هي عليه”، وواصل شاكرا للمغرب إسهامه في تأمين سلامة الألعاب الأولمبية في باريس. أغضبَهم ذلك التصريح، المنوه بالفعالية الأمنية المغربية وبحَمُولته السياسية، كمؤشر على التَّسريع بتحوُّل نوعي في العلاقات الفرنسية – المغربية، “فأكرموا” أجهزة الأمن المغربي بوابلٍ من افتراءات لن تنفع حتى في تسلية أطفال.
يعتري النظام الجزائري اكتئابٌ سياسي شديد من ترادُف ارتباكاته في تدبير الشأن الداخلي الجزائري مع هزائمه الدبلوماسية في سياساته العدائية ضد المغرب. فدخل في حالة هيَجان على نفسه، جراء توتر “أعصاب” سياسته. الحملة الإعلامية من مؤشراتها، أيضا، بعض المُكابرات الغاضبة في خطابات بعض السياسيين وأولهم الرئيس عبدالمجيد تبون، هي علامات على انفعال “مرضي” تُضيِّع على الجزائر السبيل السَّوي لخدمة مصلحة الشعب الجزائري.. هي مَن تضر بنفسها ويصدق عليها المثل العربي “يداك أوْكَتا وفُوكَ نَفَخْ”.
طالع السعود الأطلسي
كاتب مغربي