الأستاذ حسوني قدور بن موسى
المحامي بهيأة وجدة
قرأت الكثيرعن المحامي نيلسون مانديلا زعيم شعب جنوب افريقيا الذي قضى 27 سنة في سجون النظام العنصري من أجل تحرير شعبه من العبودية والاضطهاد والقمع وأشهرالمؤلفات التي تناولت سيرة هذا الزعيم السياسي العظيم هو كتاب”أنطوني سامبسون” يعرض فيه الحقائق القاسية لحياة مانديلا الطويلة والمحفوفة بالمخاطر تظهرتعاظم صورة هذا الزعيم الافريقي المتألقة عندما كان سجينا والتي اكتسبت تأثيرها و قوتها الخاصة في شتى أنحاء المعمورة وعندما أصبح مانديلا رئيسا لجنوب افريقيا كان دائما يتذكرنصيحة أحد الحكماء التي تقول أن القائد يجب أن يكون كالراعي يقود قطيعه من الخلف بالاقناع الماهر بمعنى اذا شردت دابة أو اثنان أسرع وأعادها الى القطيع و لا يمكنك فعل شيء دون دعم الأخرين .
لا تكاد الانسانية تجتمع حول اكبار واجلال زعيم كما فعلت مع نيلسون مانديلا بطل الكفاح ضد التمييز العنصري في جنوب افريقيا فمهما اختلفت معه في الدين و الثقافة و اللون أصرعلى التسامح و على البناء المشترك واستعلى على مشاعر التأر و الانتقام اذ أن مانديلا عفى عن زعيم دولة التمييز العنصري السابق “دوكلارك” واتخذه نائبا له في رئاسة الدولة و عندما انتصر على التمييز العنصري لم يهدد ب ” اعادة تربية البيض ” نظرا لعظمة هذا الزعيم السياسي الذي أحبه العالم بأكمله.
و أعطى ” نيلسون مانديلا ” صفعة لرؤساء الدول الجاثمين على صدورشعوبهم لسنوات عديدة بالاعلان عن عدم اعتزامه الترشح مرة ثانية لمنصب رئيس الجمهورية بعد انتهاء فترة ولايته الأولى في عام 1999 في حين تراجع الكثير من الحكام العرب عن وعودهم بعدم ترشحهم وهذا يؤكد أن الشعوب العربية لم تستطع التخلص من تأثير مفهوم البطل المنقذ في وجدانها والتحكم في سلوكها اذ أن الزعماء العرب ظلوا متمسكين بكراسي الحكم وهم في حالة اعاقة جسدية أوعقلية الى أن ماتوا أو تم أعدامهم على يد الثوار أو فروا من البلاد هاربين الى الخارج خوفا من القتل و ظلت فكرة اقامة النظام الديمقراطي حلما عربيا بعيد المنال…
ان الدول الديمقراطية الحديثة لا تبنى على استعراض القوة و استعمال الأسلحة لقمع ارادة الشعوب بل على التعاون و تحقيق العدالة الاجتماعية و توزيع ثروات البلاد توزيعا عادلا لأن الطريقة التقليدية التي تقوم على عقاب الشعب و اضطهاده و قمعه لا يمكن أن تؤتي ثمراتها بل تدفع المجتمع كله الى الفوضى و الثأر و الحرب الأهلية التي لا نهاية لها كما يحصل الأن في بعض الدول العربية بسبب التركيبة الاجتماعية والفساد وأشهرها الحرب اللبنانية منذ عام 1958 ، فالمؤشرات العالمية لمقاولة الفساد تكشف أن شخصا واحدا من بين اثنين في لبنان على سبيل المثال يتعرض للرشوة مقابل الحصول على صوته بينما يتلقى واحد من كل أربع تهديدات اذا لم يصوت بطريقة معينة، فالفساد يبدأ من الانتخابات التي تغيب عنها الشفافية في مراقية العملية الانتخابية وفي التصرف في الأموال من قيل الأحزاب و التنظيمات المشاركة فيها و في غياب الشفافية يظل المفسدون في صدارة المسؤولية السياسية.
و ظهرت ثورات ما يسمى ” الربيع العربي ” التي بدأت شرارتها في تونس عام 2011 والتي أسقطت عددا من الحكام الطغاة العرب و كان أولهم زين العابدين بن علي الذي حكم تونس منذ 1987 و بدأت التظاهرات و الاحتجاجات المناهضة للبطالة و تردي الأوضاع المعيشية وعنف قوات الشرطة التي أعتدت على الشاب البوعزيزي في السادسة و العشرين من العمر الذي أحرق نفسه بعد أن صادرت الشرطة عربته التي كان يبيع عليها الخصر و الفواكه في السوق و على اثر ذلك انتشرت المظاهرات العارمة في جميع أنحاء تونس و قمعتها الشرطة بعنف مفرط لمدة أربعة أسابيع و في النهاية تدخل الجيش و تخلى الرئيس بن علي عن السلطة و فر هاربا الى السعودية.
و في المغرب فان الفساد و الرشوة و اقتصاد الريع منتشر بين الموظفين في القطاع العمومي في الصحة و الأمن و السلطة المحلية و في قطاع الصفقات العمومية و في جميع القطاعات وهو يكلف الكثيرعلى المستوى الاقتصادي و الاجتماعي تحت أنظار المجلس الأعلى للحسابات الذي أصبح بلا فائدة ما دام أن المحكوم عليهم باختلاس أموال عمومية عادوا من جديد الى كراسي المسؤولية، فمن يتحمل مسؤولية هذه الأوضاع الفاسدة مع العلم أن محدودية المتابعات القضائية ضد بعض الموظفين الكبارأصبحت تساهم في تمادي المفسدين في سرقة و نهب الأموال العمومية.
ان التاريخ شاهد على أن عظمة الزعيم السياسي ليست في حدة سيفه و شراسة و قوة رجاله و قطع رؤوس معارضيه بل في عدله و انصافه و انصاته لأصوات رعيته .