كيف كان يجب أن يتعامل حزب العدالة في نازلة ماء العينين؟

admin
2019-01-20T00:15:05+01:00
كتاب واراء
admin20 يناير 2019آخر تحديث : منذ 6 سنوات
كيف كان يجب أن يتعامل حزب العدالة في نازلة ماء العينين؟
 - رسبريس - Respress

من الغرور بما كان، أن يُنَصِّب المرء نفسه أستاذا أمام حزب يتصدر المشهد السياسي، فيُفْتي له بما يجب عليه أن يقوم به، كما لو أن الحزب يُعدم من المفكرين والسياسيين والأصوليين؛لكن، وبما أن الحزب يستقي مبادئه من المرجعية الإسلامية السمحة، التي تؤمن بالقاعدة الذهبية التي كان الشيخ الريسوني لا يمل من ترديدها على مسامعنا يوم كان رئيسا لحركتنا الدعوية: “رحم الله عبدا أهداني عيوبي”، فمن الواجب علينا أن نسدي له النصح، في إطار تفعيل مبدئ التناصح بين المسلمين، الذي يحث عليه الشرع ويُرَغّب فيه، فالحكمة ضالة المؤمن، حيث وجدها فهو أحق بها، حتى ولو وجدها عند شخص يراه أبناء الحزب مجرد حاقد، أو متحامل على “المشروع الإسلامي”.

إن التسرع في تشبيه السيدة ماء العينين بأمنا عائشة لم يكن موفقا، لأنه تشبيه بفارق وبفوارق، فماء العينين رمز لحزب معين، مهما علا شأنه سياسيا أو انتخابيا فهو مجرد حزب، قد يكون في القمة يوما ثم بعدها يهوي إلى السفح، كما أنه يضم في ثناياه بضعة آلاف من المناضلين على اختلاف مستوياتهم الفكرية والثقافية والأخلاقية وحتى الدينية، مثلما صرح السيد لحسن الداودي يوما، بأن من حق اليهود المغاربة أن ينخرطوا في حزب العدالة والتنمية، وهو أمر لا نجد فيه أية غضاضة.

أما عائشة رضي الله عنها، فهي أم المؤمنين جميعا، وليس فقط مؤمني حزب العدالة والتنمية، وهي قدوة لأمة تضم مليار ونصف المليار، عمرت خمسة عشر قرنا، وليست قدوة لبضعة آلاف أسسوا حزبهم قبل عقدين من الزمن، لذا كان من الواجب النأي عن هذا الخلط العجيب، الذي يُعَرّض التاريخ المشترك بين مختلف أطياف الأمة من شرقها إلى غربها، للمساءلة التاريخية والأخلاقية إرضاء لنزوة حزب سياسي يروم الإفلات بجلده مهما كلفه ذلك من ثمن، حتى ولو كان على حساب الدين نفسه.

قد يقول قائل بأن التشبيه لا يطال الأشخاص أنفسهم، بل النازلة لما تحويه من تشهير بلا دليل في كلتا الواقعتين، وهي مغالطة خطيرة، واحتيال كبير، تمكن دهاة العدالة والتنمية من ترسيخه في المجتمع؛ لأن تشبيه نازلة ماء العينين بنازلة أم المؤمنين تقتضي ضمنيا أن يكون للنازلتين نفس المآل، وبما أن نازلة عائشة رضي الله عنها قد انتهت بتبرئتها، فمن الطبيعي أن تنتهي نازلة صاحبتنا بنفس الحكم، وهو ما لا يستسيغه منطق أو عقل أو أخلاق، بل هو مكر وخديعة، وضرب من الخبل والجنون، مادامه أمر سابق لأوانه.

على افتراض أن شيوخ العدالة والتنمية، عن حسن نية وقلة عقل، قد ارتأوا في النازلة ما يفيد تطابقها مع نازلة أم المؤمنين، فمن المفروض إذن، على دعاة “المشروع الإسلامي” الذين ينهلون من المعين الصافي للكتاب والسنة، أن ينظروا كيف تعامل النبي صلى الله وسلم مع النازلة، حتى يحذوا حذوه، ويقتدوا بسنته.

حينما بلغ النبي خبر حادثة الإفك التي اتُّهمت فيها أمنا عائشة بالزنا، لم يبادر بالثناء عليها والقول بأن الشجرة التي لا تثمر لا تلقى بالحجارة، ولم يقم بمواساتها بكون ما تتعرض له من تشهير ومن أذى، إنما هو فقط من لدن المنافقين الذين في قلوبهم مرض، ولم يطمئنها بأنه ثمرة النضال الذي تناضله، والحق الذي تصدح به في وجه المنافقين والمفسدين، كما أنه لم يحثها بالاستمرار في نفس الطريق، وعلى نفس الشاكلة، مخافة أن يستغل المنافقون الحادثة، فيطعنوا الإسلام طعنة قاتلة لن تقوم له بعدها قائمة، وكل ما فعله صلى الله عليه وسلم وهو الموحى إليه من السماء، أن حزن وسكت، وانتظر أن يظهر الحق، حتى إن عائشة أحست منه بالجفاء وهي مريضة، ولم يكن ذلك من عادته، فطلبت منه أن ترجع عند أمها، إلى أن جاءها النبي بعد شهر، يبشرها بأنه قد نزل من القرآن ما يبرؤها، فقالت له: براءة بفضل الله وليس بفضلك.

لقد اختلف العلماء في تأويل ما قالته عائشة، بين من يرى أن قولها إساءة أدب مع رسول الله، وبين من يرى أنها إنما أفردت الفضل لصاحبه، أما أصحابنا الذين ابتلينا بهم في ساحة السياسة النتنة، فيبدو أنهم لا يأخذون من تشبيه نازلة أم المؤمنين بنازلتهم المقززة إلا الجانب المفرح، الذي ينقذ صناديق الاقتراع من نزيف الأصوات، وينقذ مقاعد البرلمان من داء التسمم والتآكل.

نورالدين زاوش

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.