حتى الآن ليس معروفا ما إذا كان ستيفان ديمستورا سيقابل فعلا «جميع الأطراف المعنية» بالنزاع الصحراوي «في الأيام المقبلة» مثلما وعد بذلك المتحدث الرسمي باسم الأمم المتحدة. غير أن الثابت هو أن الأضواء لم تسلط كثيرا على ثاني زيارة له الى المنطقة بوصفه مبعوثا أمميا للصحراء. وكان واضحا جدا أن التذبذب والغموض اللذين طغيا على برنامج المحادثات التي أجراها المسؤول الأممي الأسبوع قبل الماضي مع المغاربة وزيارته التي اقتصرت على العاصمة المغربية دون الانتقال الى باقي عواصم الجوار الأخرى مثلما كان الحال في جولته السابقة في المنطقة مطلع العام الجاري قد طرح عدة نقاط استفهام حول الدوافع الحقيقية من وراء تلك الزيارة وما إذا كانت تحمل جديدا خصوصا فيما يتعلق بمسار استئناف المفاوضات المجمدة منذ مدة طويلة بين أطراف النزاع الصحراوي.
وكان لافتا أنه وفي الوقت الذي خرج فيه المتحدث الرسمي باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك ليؤكد في الأول من الشهر الجاري أن المبعوث الأممي للصحراء سيزور المغرب في اليوم الموالي، وأنه «يعتزم زيارة الصحراء الغربية أيضا» و»مقابلة جميع أصحاب المصلحة في المنطقة في الأيام المقبلة» عاد دوجاريك بعدها ليقول، قبل لقاء ديمستورا بوزير الخارجية المغربي الناصر بوريطة بيوم واحد، إن المسؤول الأممي «لن يزور الصحراء الغربية خلال هذه الرحلة، لكنه يأمل أن يفعل ذلك خلال زيارته المقبلة للمنطقة»، دون أن يقدم أي تفسير أو مبرر لذلك. وفي الأثناء لم يعرف شيء عما دار بين ديمستورا وبين المسؤولين المغاربة خلال اليومين اللذين سبقا لقاءه مع وزير الخارجية المغربي الثلاثاء قبل الماضي. بل إن صيغة البيان، الذي صدر عن الخارجية المغربية في أعقاب اللقاء بين الرجلين، أعطت الانطباع على أن التيار ربما لم يمر بالشكل المطلوب بينهما وبين الوفدين الأممي والمغربي. فقد انحصرت معظم فقرات ذلك البيان على التذكير بما وصف بـ «ثوابت موقف المغرب» كما أكدها العاهل المغربي في خطابه في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي من «أجل حل سياسي قائم بشكل حصري على المبادرة المغربية للحكم الذاتي في إطار السيادة الوطنية والوحدة الترابية للمملكة». وتجديدا لـ «تشبث المغرب بالمسلسل السياسي للموائد المستديرة طبقا للقرار 2602 الذي يدعو الى التوصل الى حل سياسي واقعي وعملي ومستدام وقائم على التوافق للنزاع الإقليمي حول الصحراء المغربية» مثلما جاء في نصه. ولم يكن ذلك بالطبع شيئا جديدا أو غير مألوف، إذ اعتاد المغاربة على أن يذكروا المبعوث الأممي ومن ورائه الهيئة الأممية على أنهم يعتبرون المبادرة التي قدموها في 2007 للحكم الذاتي لما يدعونها أقاليمهم الصحراوية هي الحل النهائي والوحيد لمعضلة الصحراء مثلما فعلوا في لقائهم به في يناير/كانون الثاني الماضي خلال جولته الإقليمية الأولى في المنطقة.
من خلال الفتور الواضح الذي تعامل به المسؤولون المغاربة مع زيارة ديمستورا الأخيرة تأكد أنه لن تكون سهلة محاولة الالتفاف على ما باتوا يعتبرونها «ثوابت موقف المغرب» من النزاع الصحراوي
لكن الجديد الآن هو أنهم أرادوا أن يؤكدوا له أيضا أن ذلك لم يعد يمثل بالنسبة لهم مجرد مقترح قابل للنقاش بل صار يعد واحدا من «ثوابت موقف المغرب» أي من المسلمات التي لا تخضع للتفاوض. كما أن تجديدهم وبالمثل لتشبثهم بصيغة الموائد المستديرة التي بدأها سلف ديمستورا بحضور الأطراف الأربعة أي المغرب والبوليزاريو والجزائر وموريتانيا بات يدل وبوضوح على أنهم يرفضون أي صيغة أخرى بديلة عنه قد تعرض عليهم للعودة للمفاوضات بما فيها المقترح الجزائري بأن تجرى حوارات أو لقاءات ثنائية مباشرة بينهم وبين جبهة البوليزاريو. وربما استطاعت العبارات الدبلوماسية، والى حد ما، أن تخفي ما قد يبدو الآن مجرد سحابة قد تكون عابرة أو قد تؤشر الى بداية تصدع في علاقة ديمستورا بالرباط. لكن المظهر الأكثر تعبيرا عنها هو الإعلان المفاجئ عن إلغاء تحول المبعوث الأممي الى «العيون» التي يعتبرها المغرب عاصمة لأقاليمه الجنوبية، فيما تعدها البوليزاريو عاصمة لدولتها المعلنة من جانب واحد. فإذا كان المبعوث الأممي قد اصطدم بالفعل برفض مغربي بأن يقوم بجولة في تلك المدينة وأرادت السلطات المغربية وبشكل خاص «فرض شروط غير مقبولة بهدف منعه التواصل بحرية مع المجتمع المدني الصحراوي «مثلما صرح بذلك عمار بلاني مسؤول الخارجية الجزائرية الى إحدى الصحف المحلية فهل أن قرار التحول الى العيون أخذ بشكل اعتباطي ودون أي تنسيق أو اتفاق مسبق مع السلطات أم أن المغاربة أعطوا موافقتهم على الزيارة لكن الطرف الأممي حاول الالتفاف على البرنامج الذي ضبط معهم وسعى لتعديله بشكل منفرد؟
في كل الأحوال فإن الرسالة التي أبلغتها الرباط الى ديمستورا من خلال تعبير بيان خارجتيها عن ثوابت الموقف من الصحراء، كانت لا تحتمل أي لبس أو تأويل مزدوج، فحتى وإنْ بقي الملف الصحراوي مفتوحا، منذ أكثر من أربعة عقود في الأمم المتحدة، فإن ذلك لم يكن ليخول أي مبعوث أممي أن يتنقل الى أي منطقة يشاء تقع تحت السيادة المغربية من دون أن يحصل على إذن من السلطات أو موافقتها على ذلك. والسؤال الحقيقي، الذي قد يطرح هنا، هو ما الذي جعل ديمستورا يقرر أصلا أن تكون زيارته الثانية للمنطقة على النحو الذي تمت به، أي أن تقتصر فقط على المغرب؟ من البديهي أن الرجل كان يعرف جيدا موقف الرباط ومواقف باقي الأطراف المعنية بالنزاع الصحراوي، ويعلم جيدا مقدار التعقيدات والصعوبات التي تحيط بالملف، وكان أكبر إنجاز أمامه هو أن لا يتوصل الآن بالطبع الى إقناعهم بالاتفاق على حل توافقي ونهائي للمشكل الذي عجز أسلافه على مر السنوات عن حله، بل أن يجعلهم يقبلون الجلوس مجددا معا الى طاولة المفاوضات. وهذا هو بيت القصيد. فهل استطاع ديمستورا، وبعد اقل من ستة شهور فقط من جولته الاستكشافية الأولى كما وصفت في ذلك الوقت، أن يتلمس أخيرا طريقه الى نهاية النفق ويقدم مقترحات عملية قد تساعد في حلحلة الوضع وإعادة وضع قطار المفاوضات على السكة؟ إن اختياره المغرب كمحطة أولى في جولة لم يعرف برنامجها بدقة ولم يتأكد الى الآن موعد انتهائها يعني أنه عرض على المغاربة بالدرجة الأولى وقبل غيرهم مقترحا ما. لقد استطاع الاستماع جيدا اليهم في المرة الأولى في يناير/كانون الثاني الماضي ولم يكن هناك من سبب لأن يعيد الاستماع اليهم الآن من جديد وهو يعلم أنهم لم يغيروا موقفهم. لكن ما الذي يمكن أن يكون قد طرحه عليهم؟ إن الأرجح هو أن يكون قد سعى لجس نبضهم ومعرفة مدى استعدادهم للبدء ولو في مفاوضات تمهيدية ثنائية قد تجمعهم لا مع الجزائريين كما يفضلون بل مع جبهة البوليزاريو مثلما ترغب الجزائر بذلك. ومن الواضح أنه تأكد من خلال الفتور الواضح الذي تعامل به المسؤولون المغاربة مع زيارته الأخيرة أنه لن تكون سهلة محاولة الالتفاف على ما باتوا يعتبرونها «ثوابت موقف المغرب» من النزاع الصحراوي. أما هل إنه سيكرر المحاولة مرة أخرى أم سيرمي المنديل فذلك هو ما سنراه حقا في الأيام المقبلة.
كاتب وصحافي من تونس