وشم بالكلمة..الفكر بين البصل والعسل..

admin
2019-11-22T22:38:26+01:00
كتاب واراء
admin22 نوفمبر 2019آخر تحديث : منذ 5 سنوات
وشم بالكلمة..الفكر بين البصل والعسل..

يحيى عمارة

ليس من عادتنا الأخلاقية والعلمية أن ندخل غمار النقد اللاذع وغير المناسب، لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن. حيث ساد في الأيام الماضية تصريح هجين براغماتي من لدن سفسطائي غير مفيد في الحياة السياسية المغربية، لم يفرض فكره البصلي على أنصاره أولا، وعلى أتباعه ثانيا، وعلى الجمهور العامة ثالثا. فاختار هذه المرة بجرأة الفقيه المنفعل غير المتزن، ليهجم برائحة فكره البصلي الذي لا يستطيع أنف دولة ولا مؤسسة ولا فرد أن يشتم نتانة أفكاره الهدامة، التي تشير دون محالة، إلى منهجية تربية القع الفكري عند الأصولي . لكن بالرغم من كل ذلك، لا زال ينشر أوراق فكره البصلي على العامة. وجاء اختيارنا لمصطلح الفكر البصلي انطلاقا من الخطاب السياسي الذي أصبح متداولا عند الفئة التي ينتمي إليها السفسطائي غير المفيد من جهة، وانطلاقا كذلك من مصطلح البصل الذي أصبح  المغاربة يستخدمونه في حياتهم اليومية السياسية والاجتماعية نتيجة رمزية ارتفاع الأسعار في زمن العشرية السياسية المشؤومة، وإن كانت للبصل فوائد جمة، كما يعرفها الجميع من جهة أخرئ. وللتذكير فقد أصبح معجم السوق الشعبي يفرض لغته في الخطاب الاجتماعي تعبيرا عن تراجع المستوى السياسي والاستراتيجي في تدبير الحياة العامة. حتى أصبحت الحكومة عندي شبيهة بواحدة من البصل وستقول لي بعد اطلاعها على المقال: “يا داخل بين البصلة وقشرتها ما ينوبك إلا تقطيعها”، لكن يبقى تأويلها بعيدا عن فكر العسل، قريبا جدا من فكر البصل، الذي يقترب كثيرا من دلالات بصلة الذئب المتعددة.

وهنا، علينا أن نفرق بين نوعين من البصل: البصل الطبيعي، الذي لا يخضع للشحن الأيديولوجي الأصولي ، مثل الفكر البصلي الذي يجعل العقل دامعا، حينما يسمع خرجاته المتطرفة التي تتنافى وقيم الإنسانية والعلمية والإبداعية.

الفكر البصلي فكر منغلق يقف في وجه كل مناخ يتوخى الخيال الإبداعي والنقدي حينما يريد التحليق في سماء النقد الديمقراطي  المتحرر من كل شبح قيد أو شوكة وصية، هو يعرف بأن الخيال الإبداعي قادر حقا على استيعاب وتوجيه القضايا السياسية والأخلاقية الصحيحة الملحة لجيل كامل، فقبل انتشاره يعمل الفكر البصلي على اغتياله..

ومما لا شك فيه أن التصريح، ذكرني   بتاريخ الفكر البصلي الذي كان يغتال كل فكر تنويري يسعى أصحابه إلى نشر فكر العسل بين عقول العامة وأنفسهم ، لكي تعم الإنسانية بينهم، وتسود قيم الحرية والتنوير والسلام والاختلاف. فالفكر البصلي يتميز  بالجهل المقدس على حد تعبير أولفييه أوروا ، وباللغة العدمية والإعداميه، وبالتهريج المحجب، الذي يخفي قرار الاغتيال، وبالانتشار السري السريع، وبإلغاء الآخر كأنه جحيم كما عبر الفيلسوف الفرنسي جان  بول سارتر، إلى غير ذلك من المواصفات التي يعرفها القاصي والداني. ويوجد في السياسة والأدب خاصة.

فالتضاد بين فكر البصل وفكر العسل، يشبه التضاد الكائن بين الأنوار والظلمات، يشبه ذلك الذي نجده بين الخير والشر، أو بين الحقيقة والخطأ، أو المعرفة والجهل. ومن ثم، فهو عدو حقوق الإنسان وإن كان يكتب وينظر ويفتي ويعمل. حيث كل أدلته الواهية تتنافى مع مواثيق الإنسانية.

إن أصحاب الفكر البصلي الضار ينتشرون كالفطر بسبب تكتلهم الإيديولوجي الهجين، يصفقون ولا يفكرون، يقدمون حكما دون استخدام العقل، يناصرون دون دراية منهم مقولة إن الحكم على الشيء فرع عن تصوره “وفي الوقت نفسه  يؤيدون ثقافة السفسطة ولا يحسنون الإنصات للآخر، يحولون فواكه الحرية والرأي والجمال إلى خرافات معاصرة تسود الأخيلة والأحاسيس. يتقنون الأقوال الرنانة الاعتباطية، لتكريس التفكير المكرس، ولمنع أي عسل تجديدي في الإبداع والفكر والحياة.  إذا لا جديد تحت قشرة البصل إلا رائحة الجمود واللف والدوران، فالسياق الذي يشتغل فيه صاحب فكر البصل هو سياق التقاعس عن العمل، والتشاؤم المعمم واليأس القاتل كما يقول المفكر المغربي عبدالله العروي في كتابه المترجم مؤخرا من قبل عبد السلام بنعبد العالي  “بين الفلسفة والتاريخ”  فالمرمى مكرر خلسة في الرؤى والتصورات التي تؤسس فكر البصل، إنه المرمى الذي يسعى إلى بلوغ ما بلغه السابقون دون كد ولا اجتهاد. الجعجعة خريطة طريق، وجمع الذباب هواية السالك لفكر البصل الذي يسعى دوما إلى احتجاب فكر العسل.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.