أحمد إفزارن
بلادُنا بحاجةٍ إلى
استٍقرار: إنّ أكثرَ من نصفِ سُكانِ البَلد، يُعانُون خَللاً نفسيّا وعَقليّا
وعَصَبيّا، وأمراضًا أخرى بأشكالٍ وأنواعٍ ومُستَوَيات…
وهذا يعنِي أن أكثرَ من نصفِ سُكانِ البلد، هُم في حالة
شللٍ نفسي وعقلي..
ويعنِي لامُبالاةَ المَسؤولياتِ السياسيةِ والاقتصاديةِ
والصّحيةِ وغيرِها…
وعلينا بالاشتغالِ يدًا في يد، لإنقاذِ بِلادِنا من
احتِمالاتِ اللاّعَقل!
ومن مُضاعفاتِ تهميشِ العقلِ في ربوع بلدنا!
لا يجوزُ التّفرّجُ على العقلِ الوطني وهو ينهارُ في
البوادي والحَواضِر، بسبب التهميشِ والهشاشةِ والتّفقيرِ والتّجهيل واللاحَقّ
واللاّعَدل…
يجبُ التحرّك..
أين مسؤولونا؟!
هذا من أولويّاتِ الاستِقرارِ الوطني المنشُود..
– أساسٌ التّقدّمِ استِقرار..
وسَلاليمُ الاستِقرار تبدأ من الأُسرة.. عَمُودٌ فِقِريّ
لاستقرارٍ مُجتمَعِي.. وضرورةٌ قُصوَى لبناءِ الوَطنِ والمُواطن..
ولا دولةَ مُستقِرّة، نفسيّا وعقليّا وتدبيريّا، بدون
توازُنٍ شامل، وطنيّا وسياسيّا واقتصاديّا وثقافيّا واجتماعيّا وديمُوقراطيّا…
ولا غِنَى عن الأخلاق..
الأخلاقُ الخاصّةُ والعامّة، أرضيةٌ للأمنِ والأمانِ
والبِناء، وتَحصِينِ البلاد والمجتمعِ والدولة، والاستِقرارِ المُتَمَحوِرِ حولَ
حقوقِ الإنسان..
أساسٌ لتَنشئةِ مُجتمعٍ تَعدُّدِيّ تشارُكِيّ
بنّاءٍ فعّال.. وذِي بُعدٍ اقتصادِي وقضائي وتعليمِي وتأطيرِي وتشغيلِي ونفسِي
وصحّي…
أساسيّاتٌ ناضجةٌ لاستِقرارٍ سياسيّ مُؤكّد..
والاستقرارُ السياسي يَستوجِبُ توازُناتٍ اجتماعيةً
تقُومُ على تَجنيبِ البلادِ نَزعَاتٍ إثنيةٍ وعِرقيّة وانفِصالية، وعلى ضَمانِ
تكامُلٍ ثقافِي، وانسجامٍ وطَني..
– وأن يَحظَى الحُكمُ بإجمَاعٍ شعبِي، واستِقرارٍ سياسي،
وتداوُلٍ ديمُوقراطي للسلطة.. وأن يكون قادرا قادرًا على حمايةِ الحُقوقِ الفرديةِ
والجماعية، وذا استراتيجيةٍ توازُنيّةٍ تشارُكيّةٍ توافُقيّة لتنميةٍ إنسانيةٍ
مَحلّيةٍ ووَطنية..
وبهذا يَستطيعُ الاستقرارُ الأُسَري أن يُنتِجَ
الاستقرارَ الاجتماعي، وهذا يقودُ لاستقرارٍ سياسي، تَنمَوِي، ومن ثمّةَ تمتينِ
دَعائمِ “دولةِ المؤسّسات”..
وتبقى الحربُ على الفساد حربًا مُستمرّة، وبلا حدود،
لأنّ الفساد، بما فيه الرشوةُ والاحتكارُ والريعُ والممنُوعاتُ وغيرُها، يُشكّلُ
أكبرَ عرقلةٍ للاستقرارِ والتّنميةِ والدّيمُوقراطيةِ والتطوّر..
– وهذه صورةٌ لجَلسةِ “الهواءِ الطّلق” بإحدى بوادينا.. تُبرزُ
كيف يفهمً عامّةُ الناسِ مَضامينَ سياسية لأحزابٍ تناوبت على حُكم البلد..
وفي الصورة: يسألونكَ عن الاستقرار..
ويُجيبُ أحدُهم: طبعًا، نحنُ في حالةِ استِقرارٍ تامّ!
مُستقِرّون في أنفُسِنا.. والحمدُ لله.. حالٌ أقلُّ من حال، وأحسنُ من أحوال..
وككُلّ البشَر، حينًا نبتَسم، وحينًا نَغضَب.. وعلى
العُمُومِ نحنُ أوفياءُ لمَواعيدِنا، وعاداتِنا، وحركاتِنا، وسَكناتِنا،
وضحَكاتِنا..
وحولَ الشّايِ نَستَقِرّ.. الشّايُ يَجمعُنا..
مُتعَتُنا نَتَلَمّسُها حولَ “الصّينيّة”..
الشّايُ له نُكهةٌ خاصة..
ونَحكِي لبعضِنا، عن بعضِنا، وعن أحلامِنا،
وإنجازاتِنا..
وعلى العُموم، ورغمَ نَدرةِ الإنجازاتِ المَيدانيّة،
فإنّنا نربطُ ما في أنفُسِنا بالإنجَاز.. إن كانت في أنفُسنا إيجابيّات، فهذا
منطلَقُ إنجازٍ إيجابيّ.. الحالةُ النّفسيةُ مقياسٌ لمسارنا الاجتماعي والوطني..
كلّ ما يأتِي من دَواخلِنا هو من الذاتِ إلى الذات، وإلى
كلّ البلد، سلبًا وإيجابًا..
وما دُمنا نُنجزُ بَسمَةَ الحياة، وراحةَ البال،
فالإنجازُ حالةٌ نفسية إيجابية.. حتى البَسمةُ مشروعُ إنجاز..
ونحكِي لبعضِنا ما يُحكَى، وحتى ما لا يُحكَى..
ونتّخذُ من مَجالسِ الشّاي حلقةً لتبادُلِ الأخبار، وما
أدراكَ ما الأخبار.. لقد أصبحنا، وأكثرَ من أيّ وقتٍ مضَى، نَجترُّ أَحاكِي
السياسةِ والسياسيّين.. والخَرجاتِ الاجتماعيةِ الاستِقرائيةِ الاحتِجاجيّة..
ونتبادلُ الأوديُوهاتِ والفِديُوهات، وما فيها من
تعليقاتٍ لشَبابٍ في “ابتدائياتِ السياسة”، ومن أطفالٍ قد صَنعَت منهمُ
السياسةُ عازِفين ومُطرِبين.. وبالفنُون التلقائيةِ يُعبّرون بأنفُسِهم عن
أنفُسِهم..
ويقولُ أحدُ الحُضور: هذا فيديُو جديد.. اسمَعُوا
وعُوا.. شابّةٌ من غِزلانِ جبالِ الأطلس.. تحكِي عن رغبتِها في الزواج..
وتقُول كلاما يُضحِك..
وطريقتُها في الحكيّ تُنِمّ عن شجاعةِ القول، ووُضوحِ
الرؤية..
وها هي المرأةُ تخرُجُ عن صمتِها..
وتَبُوحُ بما يُقال وما لا يُقال..
ولا يهُمّها أن يَفرحَ أحدٌ أو يَغضَبَ أحَد.. المُهمّ
أن المرأةَ لها مَوقفٌ ورأيٌ وتصوُّرٌ وحلول، ولا أحدَ بعد اليوم يَستطيعُ أن
يُوقِفَها..
وحتى الأطفالُ لا يُشبِهُون أطفالَ الأمس..
أطفالُ اليوم أكثرُ وعيًا ونُضجا وصرامة..
يَعرفُون في السياسةِ والفُنون والحُقوقِ والواجبات..
– ثم نَستقِرُّ من جديد حولَ “الصّينيّة”..
والحياةُ بين الوديانِ والسفوحِ والجبالِ تُملِي علينا
ما قد يكون، وتُنبّهُنا إلى ما قد لا يكون..
– هل نحنُ بلدٌ مُستقِرّ؟
إنهُ طفلٌ يُباغِتُنا بهذا التساؤلِ ذي الخلفيّةِ
السياسية..
ونغوصُ جميعًا في السياسة..
وتلميذٌ “يَنفجر”: “أنا لا أثقُ فيهِم..
كلّ السياسيّين كذّابون.. منذ الاستقلالِ وهم علينا يكذِبُون”..
وصارت “حلقةُ الصّينيّة” قَصَصًا تتَوالَى بين
الحُضور..
وطفلٌ آخرُ يَسأل: “لماذا السياسيّون يكذبُون؟”..
أجابَ كبيرُ الحَلقة: “لقد كذبُوا علينا كثيرا، وها
هُم يَكذبُون حتى عليكُم أنتُم أحفادُنا”..
– وما مصلحَتُهم؟ لماذا؟
أجاب الرجُل: هُم يَكذبُون حتى على أنفُسِهم!
وبهذا تَنتهِي “حلقةُ الصّينيّة”..
ثم تَفرّق الجَمع، واختَلى الكبارُ إلى بعضِهم..
وقال شيخُهم: “علينا أن نتوقّف عن سُوءِ توجيهِ
الأجيالِ الصاعدة.. الصورةُ السياسيّة التي نُقدّمُها لهُم ليست كلّها صحيحة..
عندنا سياسيّون فاسِدون، هذا مؤكّد.. ولكن عندنا أيضا عُقلاءُ وحُكماء.. وهؤلاء
يجبُ تقديرُهم والإعلاءُ من شأنِهم..
وأضاف: “بقريتِنا هذه، كما في كلّ مكان، يُوجدُ
صالحون وطالحون.. أجل، في كل مكانٍ جيّدٌ وردئ.. الناسُ أنواع.. وليسُوا كلُّهُم
على شاكلةٍ واحدة”..
– وما العملُ يا شيخَنا؟
أجاب: علينا بتعليمِ بناتِنا وأبنائِنا كيف يُمارسُون
السياسةَ بمسؤولية، لا بطريقةٍ عابِثة.. ونستطيعُ أن نُنشئ جيلاً في كامل قِواه
العقليةِ والتّدبيرية.. هذا هو الحلّ.. إنه تعليمُ الأجيالِ الصاعدة أن السياسةَ
تَفتَحُ أبوابَ انتخاباتٍ مسؤولة، وديمُوقراطيةٍ قِوامُها حُسنُ التّسيِير.. إننا
بحاجةٍ ماسّة إلى مسؤولين نُزهاء، يَخدُمون البلد، بصِدقٍ وجِدّ! وعندها، نكونُ قد
بنَينَا الأساسَ الضّروري لقيامِ دولةِ الديمُوقراطية والاستِقرارِ التّنمويّ
البنّاء..
إنّ التغييرَ في بلدِنا يتحرّك.. ولن تُثنينا لا أمريكا
ولا أوربا ولا أيٌّ كان، عن استقلاليةِ القرار.. تغييرُ المسار أمرٌ حتمي.. لا
مفرّ منه..
يجبُ أن تكُون السياسةُ – ومعها الاقتصادُ – في خدمة
المُواطن، لكي يَتحقّقَ الاستقرارُ الوطني المنشُود، على أساس العدالةِ
الاجتماعيّة، بدءًا من الجِذعِ المشترَك:
– الأُسرة المُتوازِنة!
ifzahmed66@gmail.com