حسوني قدور بن موسى
المحامي بهيأة وجدة
استطاعت الشعوب المضطهدة عن طريق النضال المستمر والاحتجاجات الشعبية في كثير من الدول اقالة عدد من الرؤساء والمسؤولين الكبار من مناصبهم السياسية بسبب غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار والفساد و الرشوة في حين اضطرأخرون الى تقديم استقالاتهم طوعيا خوفا من المحاكمة ، وشهدت العديد من الدول العربية منذ السبعينيات موجة تظاهرات شعبية قوية في الشارع احتجاجا على سياسة رفع الأسعار في غالبية المواد الغذائية والمحروقات احتجاجات عارمة واجهتها الأنظمة الحاكمة المستبدة بالاعتقالات الواسعة مما أسفرعن سقوط العديد من القتلى والجرحى ، هذه هي السياسة المتبعة في الأنظمة المستبدة في البلاد العربية التي تقوم على الاستغلال والقمع، يسجن فيها المظلوم والبريء وأبناء الشرفاء و يطلق سراح الظالم، يضطهد فيها الأحرار ويكرم فيها المنافقون والمتملقون والمفسدون، تسند الى الجاهل والأمي والمرتشي أعلى المناصب في الدولة و يقصى أصحاب الكفاءات العلمية تمنح الشواهد الجامعية للفاشلين في الدراسة عن طريق الوساطة و الجاه و المال و يقصى الطلبة الباحثين المجتهدين حيث يختارون الهجرة الى الدول الغربية التي تعترف لهم بمبدأ ” تكافؤ الفرص” و تسند مهمة الوعظ و الارشاد الى الزنادقة و السفاء و تجارالدين لتنويم الشعوب و هذا ما أدى عبر العصور الى سقوط العروش و نهاية الدول…
في عهد الرئيس أنور السادات سنة 1977 اندلعت الاحتجاجات ضد ارتفاع ثمن الخبز التي وصفها السادات بكونها ” انتفاضة حرامية” و كان رد فعل الشارع السياسي عنيفا حيث خرج الناس الى الشوارع و الاستمرار في الضغط الى أن استجابت الحكومة المصرية لمطالب المحتجين و تراجعت عن قرار الزيادة في الأسعار و كعادة الحكام العرب الطغاة اتهم الرئيس السادات المظاهرات بكونها ” مخططا شيوعيا ” لاحداث البلبلة في مصر و قلب نظام الحكم،هذه ذريعة وأسلوب يلجأ اليه الحكام العرب عادة، فكلما انتفض الشعب يوما للمطالبة بحقوقه المشروعة اتهمه هؤلاء الحكام الطغاة بالخيانة للوطن، وعن أي وطن يتكلمون ؟ اذا كان هذا الوطن مجرد ضيعة ترتع فيها بقرة حلوب يستغلها المفسدون لوحدهم.
وفي المغرب يوم 18 مايو 1981 أعلن رئيس الحكومة المعطي بوعبيد عن الزيادة في المواد الغذائية الأساسية بضغط من المؤسسات المالية الدولية و على اثر ذلك دعت الكونفدرالية المغربية للشغل عن شن اضراب عام يوم 20 يونيو 1981 احتجاجا على تلك القرارات الظالمة فقامت قوات الأمن بمحاولة قمع المحتجين مما أى الى اندلاع مظاهرات شعبية في محتلف الأحياء الشعبية بمدينة الدار البيضاء تدخلت فيها عناصرالجيش بالقمع والعنف والاعتقالات بواسطة الدبابات و السيارارات العسكرية ، وصل عدد القتلى الى 1000 تم دفنهم في مقابر جماعية حسب بيانات المعارضة و بلغ عدد الجرحى الى 110 و اشتهروا باسم : ” شهداء الكوميرا ” التي أطلقها عليهم ادريس البصري استهزاء بهم بسبب مطالبهم الاجتماعية وهو ما أثار سخط عائلات الضحايا ، و رغم مطالبة المعارضة بتشكيل لجنة تقصي الحقائق امتنعت السلطات عن ذلك و تم التضييق على وسائل الاعلام الوطنية و الدولية لتغطية تلك الأحداث المؤلمة وأجبرت تلك الأحداث الحكومة على التراجع عن الزيادات التي فرضتها على الأسعار و بررت الحكومة تدخلها العنيف الى وجود عناصر متأمرة من الخارج تحاول التشويش على لقاء المغرب في مؤتمر نيروبي حول قضية الصحراء و في المقابل وصفت المعارضة تلك الأحداث بأنها” مجزرة حقيقية ” في حق المغاربة.
و في تونس سنة 1983 وقعت الانتفاضة ضد مضاعفة ثمن الخبز في عهد الرئيس لحبيب بورقيبة الذي أمر بقمع المتظاهرين و نتيجة الضغط الجماهيري تراجع النظام الحاكم عن قرار الزيادة في ثمن الخبز و في سنة 1988 انتفض الجزائريون ابان حكم الشادلي بن جديد ضد ارتفاع المعيشة و خاصة ثمن الخبز وفي السودان في عهد الرئيس المخلوع عمر البشير سنة 2018 تسبب قرار رفع ثمن الخبز في تظاهرات عنيفة دامية عمت معظم المدن و ظهر ما يسمى ” الخبز التجاري” كان الشرارة الأولى التي أشعلت فتيل الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد و ظلت الاحتجاجات الشعبية صامدة في وجه قوات القمع الى أن سقط نظام حكم عمرالبشيرالعسكري و أكثر ما فاجأ الحزب الحاكم في السودان هو عفوية المظاهرات من خلال التنظيم والشعارات التي انطلقت من مناطق تعتبر من معاقل الحزب الحاكم وهذا يعني أنه عند تجويع الشعب وانتهاك حقوق المواطنين وعندما يشعرون بالاذلال عن طريق توجيه ألفاظ تحط من كرامتهم و قدرهم فانهم ينقلبون على الحاكم المستبد.
و في المغرب فان الانتفاضات الشعبية مستمرة ضد سياسة التجويع وارتفاع الأسعار وكلفة المعيشة والزيادة في ثمن المحروقات انخرط فيها جميع شرائح المجتمع و ما يرافق ذلك من احتقان اجتماعي
بسبب سياسة الجمع بين السلطة و المال التي يقال عنها : “ما اجتمعت السلطة و المال الا و كان الفساد ثالثهما ” و يرى البعض أن الجمع بين السلطة و المال جريمة كاملة و مكتملة الأركان فمقابل الثروة تتنازل السلطة عن أعز ما تملكه الأمانة و الشرف، فاذا أردت افساد أي مجتمع فما عليك الا فتح باب الزواج بين السلطة و المال أي تسمح لرجل الأعمال أن يكون رجل سياسة : عضوا في البرلمان أو وزيرا أو رئيس حكومة أو حتى رئيس دولة وهنا يشارك رجل الأعمال في صنع القرارات التي تخدم مصالحه المالية أولا و أخيرا لأن هدفه هوالربح السريع و لو على حساب المواطنين الفقراء والضعفاء و تظهر رغبته الجامحة و تعطشه الى المزيد من تراكم الثروة و المال في خطاباته و أن الألفاظ التي يستعملها رجل الأعمال غالبا ما تكون مصحوبة بالتهديد والوعد والوعيد لأن له رغبة جامحة و متعطش الى تراكم الثروة و المال عن طريق تخويف المواطنين بأنه الرجل القوي الذي لا يقدر على منافسته أحد معتقدا أن ثروته المالية هي التي أوصلته الى أعلى هرم في السلطة و أن المواطنين الأغبياء الذين صوتوا عليه لا يحق لهم الاحتجاج ضده لأنهم باعوا أصواتهم ، هذه هي خطورة رجل المال و الأعمال عندما تسند اليه مهمة تدبيرالشأن العام.