بقلم
د. سالم الكتبي
منذ تقلده مشيخة الأزهر قبل عشر سنوات، وتحديداً في التاسع من مارس عام 2010، نجح الامام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف رئيس مجلس حكماء المسلمين، في استعادة مكانة هذه المؤسسة الدينية العريقة، وقادها إلى استئناف مسيرتها التنويرية والحضارية، وأعاد لها دورها العالمي من أجل خدمة الاسلام والمسلمين.
وقد كان وجود الامام الطيب على رأس الأزهر في هذه الحقبة التاريخية المهمة من الأمور التي مكنّت الأزهر من لعب دور تاريخي في التصدي للتطرف والارهاب الذي حاول اختطاف الدولة المصرية لمصلحة حكم “الجماعة الارهابية”، حيث كانت مساندة الأزهر للثورة الشعبية ضد “الإخوان” في 30 يونيو 2013 بمنزلة موقف تاريخي في سجل الازهر المشرف في مواجهة الأخطار والتهديدات التي استهدفت الاسلام والمسلمين، وقد شاءت حكمة الله أن يكون الامام الطيب هو رجل هذه المرحلة والشاهد عليها ليسهم في توجيه بوصلة أكبر بلد عربي سكاناً إلى وجهتها الصحيحة وينقذها مما اٌريد لها من تدبير وتدمير.
نجح الامام الطيب طيلة السنوات العشر الماضية في اعادة فتح قنوات الحوار بين الأديان والحضارات وأسهم في نشر السلام وإبراز الوجه الحضاري للإسلام والتصدي لمروجي الصراع بين الأمم على خلفيات دينية وحضارية، بوسطيته واعتداله وإيمانه العميق بقيم التسامح والعيش المشترك والأخوة الانسانية باعتبارها السبيل الوحيد لنزع فتيل التوترات والصراعات الدينية وتفويت الفرصة على الارهابيين والمتطرفين من دعاة العنف وسفك الدماء بحجج واهية لا علاقة لها بالدين الاسلامي الحنيف أو بغيره من الأديان السماوية، حيث استأنف الامام الطيب الحوار بين الأزهر الشريف والفاتيكان بعد توتر وقطيعة امتدت لنحو 10 سنوات، وبادر بزيارة تاريخية للمقر البابوى بروما فى 25 مايو 2016م وبحث مع البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، تعديل اتفاقية الحوار المبرمة بين الطرفين عام 1989، بما يتناسب مع مستجدات العلاقة بين الاسلام والمسيحية ويحول دون القطيعة بينهما ويسمح بانطلاق الحوار مجدداً والتصدي للتطرف والارهاب من خلال عمل وجهد مشترك.
ومن يقرأ بنود وثيقة الأخوة الانسانية التي وقعها فضيلة الامام الطيب وقداسة البابا فرانسيس، بابا الفاتيكان في أبوظبي، يدرك دور فضيلته في ترسيخ المشتركات وبناء روابط قوية تعكس اتساع مساحة التفاهم والحوار بين الأزهر الشريف وحاضرة الفاتيكان، حيث تعد هذه الوثيقة التاريخية غير المسبوقة، التي وقعت بحضور صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، من أهم الوثائق في تاريخ العلاقة بين الإسلام والمسيحية.
لعب الإمام الطيب أيضاً دوراً رئيسياً في استعادة مكانة الأزهر العالمية ودوره المؤثر كاحد ركائز القوة الناعمة المصرية، حيث عقد الأزهر خلال السنوات القلائل الماضي ندوات عدة حول العلاقة بين الاسلام والغرب، من بينها ندوة “الاسلام والغرب.. تنوع وتكامل”، و”مؤتمر الازهر العالمي للسلام”، الذي شارك فيه قداسة البابا فرانسيس،
وقد خاض الامام الطيب معارك فكرية شرسة ضد أعداء الدين الاسلامي من المتطرفين والارهابيين وكان حريصاً على تبرئة ساحة الاسلام الحنيف من العنف وسفك الدماء، وكشف زيف التنظيمات والجماعات التي تتاجر بالدين، وتتخذ منه ستاراً لتحقيق مصالحها الذاتية، حيث كشفت مؤتمرات الأزهر التي استهدفت الاسهام في مكافحة التطرف والارهاب قوة الأزهر في تحركه لإعلان موقف الاسلام من الارهاب، حيث صدر البيان الختامي لمؤتمر الأزهر المنعقد في عام 2014 معلناً أن “كل الجماعات المسلحة التي استعملت العنف والإرهاب هي جماعات آثمة فكراً وعاصية سلوكاً، وليست من الإسلام الصحيحِ في شيءٍ”، وشدد على أن “المسلمين والمسيحيين في الشرق هم إخوة، ينتمون معا إلى حضارة واحدة وأمة واحدة”، ولم ينزلق الأزهر للاستجابة إلى دعوات تكفير تنظيمات الارهاب التي طالبه بها البعض كي لا يقع فيما وقعت فيه “داعش وأخواتها من اتباع لمنهج التكفير الذي يتنافى مع وسطية الأزهر، ودعا إلى قتال هؤلاء المفسدون في الأرض والقضاء عليهم، كما تصدى الامام الطيب لفوضى الفتاوى الصادرة عن غير المؤهلين لذلك باعتبارها أحد الأسباب المؤدية للارهاب والتطرف، كما لن ينسى التاريخ له وقوفه موقفاً شجاعاً في مواجهة الارهاب عقب جريمة مسجد الروضة في شمال سيناء عام 2017، حيث تسبب تفجير ارهابي للمسجد في وفاة العشرات من الابرياء، حيث اعلن بقوة أن القتلة الذين سفكوا الدماء في بيت من بيوت الله هم خوارج وبغاة مفسدون في الأرض.
وأقولها بصدق، ولست هنا متملقاً لقامة يعرفها كل باحث موضوعي جاد، أن الأزهر قد عاد في ظل رئاسة الامام الطيب صرحاً من صروح العلوم الشرعية والدينية ومنارة للفكر والاعتدال والوسطية الاسلامية في العالم، كما عاد الأزهر لاعباً مؤثراً في تاريخ مصر المعاصر حين ساند الدولة المصرية في أشرس وأصعب تحدياتها، ووقف بجانب إرادة الشعب المصري في مواجهة حكم المرشد وجماعته التي أرادت اختطاف مقدرات مصر الشقيقة عبر شعارات دينية خادعة.
والحقيقة أن تاريخ الأزهر الشريف زاخر بقامات عظيمة من شيوخه الاجلاء، الذين أسهموا في تاريخ مصر والأمة العربية والاسلامية لاسيما خلال الحقبة الاستعمارية في النصف الأول من القرن العشرين، ولعل فضيلة الامام الدكتور أحمد الطيب، بما حققه من انجازات مهمة طيلة السنوات العشر الماضية، قد أسهم في استعادة هذه المؤسسة الاسلامية العريقة بريقها وتأثيرها ودورها الحيوي، ويكفيه التصدي لمحاولات جماعة الاخوان المسلمين توجيه ضربة قاضية لمؤسسة الأزهر الشريف، الجامع والجامعة والمنارة، حتى بقى الأزهر بوسطيته واعتداله، قوة ناعمة مضافة لقوة مصر والعالمين العربي والاسلامي.