- عبد اللطيف مجدوب
شهدت عودة دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي، إلى البيت الأبيض، وتوقيعه عددا من المراسيم، ردود فعل عاصفة في أنحاء العالم بما فيها دول الجوار والتحالف، وحلف الناتو.. كانت؛ في معظمها؛ فرض رسوم جمركية جديدة أو إضافية على كل السلع والخدمات التي تلج الأسواق الأمريكية، لا مجال للتمييز بينها، إن كانت لدول صديقة أو حليفة، هذا فضلا عن إعلانه الانسحاب من مؤتمر المناخ وتقليصه لنفقات حلف الناتو، بنسبة أشعرت دولها بتخلي أمريكا؛ بمعنى من المعاني؛ عن حماية حلفائها وانسحابها الجزئي من غمار تمويلها لحرب أوكرانيا ضد روسيا، بل ذهب الجشع الاقتصادي بالبيت الأبيض إلى أبعد الحدود، حينما طالب بضم قناة بنما وكندا إلى حضيرة الخريطة السياسية الأمريكية…
شريعة الغاب تعاود الظهور
كل قواميس فقه القانون تؤكد على أن شريعة الغاب هي التي كانت السائدة عند الإنسان البدائي؛ قامت على استخدام “القوة والنفوذ” معيارا للتمييز والظفر بمقدرة الخصم، لكن؛ وبعد أن أخذت التجمعات البشرية تحتك ببعضها، وتشعبت قنوات تبادل مصالحها؛ تولدت الحاجة إلى سن قوانين قبلية، اعتمدت الدم والعرق في تحالفها، قبل أن تتطور إلى قوانين وشرائع مكتوبة؛ تحفظ للإنسان مجموعة قيم ومبادئ أخلاقية؛ تنتفي عنها معايير اللون والعرق والدين والبأس والقوة..
المحكمة الجنائية الدولية (ICC)
تأسست سنة 2002، بموجب “نظام روما الأساسي متعدد الأطراف”، وهي جهاز تابع للأمم المتحدة ومستقلة عنها في اتخاذ القرارات، ومختصة في النزاعات ذات الصبغة القضائية الدولية، لمحاكمة الأفراد عن الجرائم الدولية المتمثلة في الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، تضم عضوية 125 دولة، مع وجود دول أخرى ليست موقعة؛ على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.
أمريكا تلوح بعودة شريعة الغاب!
أقدمت رئاسة البيت الأبيض؛ كخطوات أولى لها؛ على فك أسر العديد من “المشاغبين” الذين تورطوا في اقتحام مبني الكابيتول والكونغرس الأمريكي غداة الانتخابات الرئاسية سنة 2020 ، فضلا عن إصدار أوامر تنفيذية بملاحقة القضاة الذين لاحقوا الرئيس ترامب؛ بموجب عدة تهم؛ لكن الوجه الفظيع في كل هذه الأوامر والمراسيم الترامبية التنفيذية، فرض عقوبات على أعضاء المحكمة الجنائية الدولية، وقطع مساعداتها عنها، وكل الدول التي لاحقت المجازر الجماعية في حرب إسرائيل على غزة، بما فيها دولة جنوب إفريقيا، أو بالأحرى كل الدول التي أعلنت استنكارها لما يجري ضد الفلسطينيين، أو ما تسميه إسرائيل بالمواقف “المعادية للسامية”.
هذه المواقف الأمريكية؛ كما يراها العديد من المراقبين والاستراتيجيين “Strategists” تؤسس لعودة شريعة الغاب؛ من بابه الواسع؛ وضرب كل القيم وحقوق الإنسان عرض الحائط، والاحتكام فقط “لقوانين” القوة والمال والنفوذ الاقتصادي، وهي؛ في مجمل أبعادها؛ قد تفضي إلى فوضى عارمة في العلاقات الدولية وحروب مدمرة!