عبد اللطيف مجدوب
القول باصطدام الأجيال وتنكر الجيل الماضي لقيم الجيل الحاضر واقع لا مراء فيه ويزداد حدة حينما تنعدم بالكاد الحلقة التربوية الرابطة بين جيلين متتاليين؛ فالشعوب المتحضرة تحرص على تحاشي هذا الصدام، من خلال ربطها بقيم الموروث الحضاري ومناهج التفكير من الجيل الماضي إلى الجيل الحاضر… فكلما اختفت هذه الحلقة أو بالأحرى اللحمة الرابطة بينها كلما توسعت هوة الاتصال والتوافق بين الجيلين؛ لكن حينما تفتقر الأجيال إلى هذه الحلقات اللاحمة، آنئذ تختل آليات التواصل بينها.. فما يراه جيل الأمس استمرارية للحفاظ على الموروث الحضاري ينظر إليه جيل اليوم تكريسا “للرجعية” والماضوية وعقما في التفكير.
ولعل عوامل الأسرة والمدرسة والميديا والمجتمع بشكل عام تعد أبرز القنوات التي يتم من خلالها تمرير القيم والموروثات والعادات، من جيل إلى جيل موالٍ؛ فإذا انعدمت أدوارها أو بالأحرى تخلت إحداها أو بعضها عن أدوارها الحيوية في تشكيل شخصية الجيل الجديد نشأت هذه الأخيرة مهتزة بلا ضوابط ولا قيم، وتكاد سلوكياتها أن تكون غرائزية تنحصر في إشباع حاجياتها البيولوجية، وفي أحيان كثيرة تنعدم لديها بالكاد القيم المجتمعية، من أناة واحترام وإيثار وتعاون وقواعد الانضباط..
والشخصية بهذه الخصوصيات وفي سن العشرينيات حتى الثلاثينيات يصعب على الجيل الماضي إطاقتها وتحمل سلوكياتها التي هي أقرب إلى الاستفزازية والصدامية Confrontational منها إلى الشخصية السوية التي قد تكون غرفت من القيم والموروثات الحضارية، على امتداد جيلين أو أكثر…
وبعبارة، هل يمكن لشخص ستيني نشأ في وسط مشبع بالقيم والانفتاح أن يتحمل أو يتوافق في الرأي والرؤى مع شخص عشريني لا حظ له من التربية والتعليم؟
الجيل الحالي
غير خاف أن مفهوم الجيل من المنظور السوسيولوجي يتمثل في متوسط العمر بين الأب والابن، ويكاد ينحصر في سن العشرين إلى الثلاثين، أو بالأحرى فئة من مواليد 1990 إلى 2000.. هذه الفئة العمرية من المجتمع المغربي نشأت في واقع تميز بتدهور خطير لأدوار الأسرة والمدرسة، جراء تراجع الدور التربوي والقيمي في تنشئة الأطفال من جهة، وحصر دور الأمومة فقط في الجانب البيولوجي، من تغذية وكساء وسكن وتلبية حاجيات الطفل… وحتى خروجها لمزاولة عمل ما لم يكن ليسمح لها بمراقبة ولا مساءلة أبنائها، هذا ودون أن نغفل هيمنة وسائل التواصل الاجتماعي على اهتمامات الأبوين، لتقتص من الاهتمام بزمن الأبناء، وأحيانا يبقيان الحبل على غارب الأطفال وبحرية مطلقة دون وجود روادع أو قيود، فينشأ الطفل بشخصية أنانية تتحول مع مضي الزمن والفراغ المدرسي إلى همجية ممقوتة: إذا أكل لا يعرف للأكل قواعد، وإذا ذهب إلى قضاء حاجة لا يحسن استعمال المرحاض، وإذا تواجد داخل قطع أثاث سعى في تخريبها، وإذا استعمل السيارة استهتر بقانون السير، لا يعرف للصبر معنى سوى إشباع حاجياته، إذا وقف في طابور لا يحتمل الانتظار، فسعى في تقويض العرف، إذا ضحك قهقه أشبه بثور هائج، إذا قعد يدخن فثمة كارثة بيئية، إذا ابتاع شيئا سعى في الاختلاس، إذا اشتغل ركن إلى الكسل، إذا نام لا يستيقظ إلا إذا نهش الجوع أمعاءه.. عدوه اللدود من خلال هذه المفارقات أن يشير إليه أحد بأصبع النقد والانضباط، وصديقه الوفي كل من جاراه في سلوكياته العدوانية والهمجية.
أمثلة حية..!
ما زال المغاربة قاطبة يتذكرون وبكثير من الأسى والحسرة الأحداث المأساوية التي كان المركب الرياضي الأمير مولاي عبد الله بالرباط مسرحا لها، تختصرها جملة واحدة “جيل نزّاع إلى العدوانية والهمجية”. كما توجد أحداث ووقائع عديدة يمكن أن تقف شاهدا قويا على السلوك العدواني والهمجي في أبشع صوره؛ منها أحداث سوق أسبوعي بضواحي القنيطرة، حيث هجمت عصابة على الباعة، ومن ثم وجدتها الحشود الحاضرة مناسبة للنهب والسرقة والإتلاف والتخريب. كما لا يمكن بحال أن تغرب عنا واقعة القطار المأساوية منذ ثلاث سنوات، الذي طوقته جحافل من قطاع الطرق، فأخذت في نهب ونشل وسرقة متاع موتى وجرحى من تحت عجلات القطار!
وهناك قوى إرهابية منتشرة عبر شبكات واسعة، تبحث عن ذوي شخصيات مهزوزة بهذه السلوكيات الهمجية لتوظيفها كوقود في عملياتها ومساعيها الإرهابية؛ إنها آفة اللاتربية (non-educational).