عبد اللطيف مجدوب
تسويق السلع والمنتجات
عادت بعض مواقعنا الإلكترونية؛ شبه الرسمية منها خاصة؛ لتطفح بخرجات وتصريحات إعلامية مستهَلة بعبارات “قال أو صرح خبير؛ أكد البروفيسور.. أفاد خبير في اللقاحات.. خبير في السوسيولوجيا أو سوسيولوجي”، وهي صفات “أكاديمية” تناسلت بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة، وفي ضوء انتشار وباء كورونا وقضايا اللقاحات التي رافقته حينا، وجواز التلقيح حينا آخر، بعضهم يوردها كماركة أو علامة “Marque” لتسويق سلعته؛ أيا كانت؛ للترويج لخطاب السلطات الصحية أو التربوية، وقد كانت إلى حين (هذه الصفات الأكاديمية) بوابات يتخذ منها السوسيولوجيون (علماء الاجتماع) معابر للوصول إلى الجماهير والتأثير عليها في إيصال الخطاب، وبعضهم يتخذ منها الخاتم الرسمي لجلب الثقة وتوجيه انتباه المخاطَب إلى مصدر “علمي” موثوق، على شاكلة الصفات التي تقترن بأسماء أصحابها: X خبير.. وعضو في كذا..؛ y بروفيسور في جراحة كذا..
ابتذال الصفات الأكاديمية
نلح دوما على أن الخبرة Experience وما راكمه الشخص من تجارب “Experiments” لا تخول لصاحبها حمل صفة خبير “Expert” إلا إذا أجازته مؤسسة أكاديمية بوثيقة رسمية ومسجلة؛ كما هو ملحوظ لدى خبراء هيئة الأمم المتحدة “UN” والمنظمات التابعة لها، مثل اليونيسكو “UNESCO”؛ أو منظمة الصحة العالمية “WHO” أو المنظمة العالمية للأرصاد الجوية “WMO”، أو لدى مؤسسات أكاديمية دولية، بيد أنها تصبح أكثر ابتذالا وميوعة لدى بعض الجهات، للاحتماء خلف “بريقها” وتوليد قوة إقناعية لدى الأطراف المستهلكة، فالخبير في التربية؛ وفي أدبياتنا المغربية؛ هو أستاذ راكم تجارب عديدة في المجال التربوي، إما على مستوى البحث أو التأطير أو التدريس، لكن على المستوى الميداني (حتى لا نقول الأكاديمي) فقد يكون يفتقد لمقاربات ومهارات، حتى يكون مؤهلا لحمل صفة “خبير في التربية” .
أما صفة البروفيسور “Professor” فتعني أستاذا جامعيا أو أستاذ كرسي في تخصص ما “Prof”، وفي آن تعني أستاذا باحثا في عدة معاهد دولية، في ميادين التربية أو اللقاحات.. وعادة ما يكون خبيرا في مجالات عديدة. والفرق بين الخبير والبروفيسور هو أن الأول ذا دراية في جعل الموقف المعقد موقفا بسيطا والعكس صحيح، أما الثاني فله إلمام بالتدريس، ومعترف به لمراكمته بحوثا عديدة، وقلما يتميز أحدهما عن الآخر في السياقات الأدبية، بينما الأكاديمي “Academist” تذهب العديد من القواميس المختصة إلى أنه “شخص ينتمي لمؤسسة أكاديمية، عادة ما تكون ذات تخصصات علمية أو فنية وأدبية. كما تطلق على عضوية فخرية في أكاديمية”، وقد تعني؛ فضلاً عن كل هذا؛ عالما متمرسا في الخلافات الأكاديمية ذات النزعة العقلية.
تسويق المنتوج الاستهلاكي
دأبت العديد من الشركات ومؤسسات المنتجات الصناعية على “اختلاق صفة مسجلة؛ علامة” أو انتحالها بغرض التنافس وإيجاد قدم راسخة لها لدى المستهلك، وهي غالبا ما تبدأ بعبارة مصنوع في “Made in”، ولمحاربة هذا الاحتيال الاقتصادي، لجأت بعض الشركات إلى إثبات طابع لها (ماركة) بشكل غير قابل للتزوير أو الاستعمال، أو تكتفي بعبارة “ممنوع من التقليد” “Forbidden to copy”، وقد انتقلت هذه العدوى إلى مجالات الخدمات الاجتماعية، فنجد عيادة معرفة بـ “X خبير في.. وخريج جامعة..” أو “Y خبير في الأعشاب معترف به لدى..”، وفي المقابل نجد بعض مواقعنا الإلكترونية تعج بألقاب وصفات أكاديمية لا قبل لأصحابها بها على شاكلة “X الخبير..” أو البروفيسور في علم اللقاحات، وهي كلها بالكاد مجرد يافطات الاحتيال وجلب اهتمام القارئ والمستهلك عموما؛ ينسبون أقوالهم ورسائلهم إلى النكرة المطلقة فيستهلون خطبهم إلى الجمهور بعبارات فضفاضة على منوال “أكد الخبراء… أجمع الخبراء.. الخبراء يلحون على ..”.