الأستاذ عبد اللطيف مجدوب يكتب : قراءة في كتاب “هل حياتك مخطَّط لها؟”..

admin
كتاب واراء
admin19 مايو 2021آخر تحديث : منذ 4 سنوات
الأستاذ عبد اللطيف مجدوب يكتب : قراءة في كتاب “هل حياتك مخطَّط لها؟”..

عبد اللطيف مجدوب

هيكلة الكتاب

صدر هذا الكتاب “Is your life mapped out?” سنة 2012؛ لمؤلفهDvid R. Hamilton صاحب كتب “كيف يستطيع تفكيرك أن يشفي جسدك؟ How your mind can heal your body?”؛ “كتاب اللطف Book of kindness”؛ “أنا أحب ذاتي I 💖me”

يقع في 266 صفحة من الحجم المتوسط؛ تتمحور مواده حول أربعة عشر فصلا؛ يمكن بسطها في ما يلي:

* الفصل الأول: علم الإحياء الزمني؛

* الفصل الثاني: مكتوب في النجوم؛

* الفصل الثالث: مكتوب في مورّثاتنا؛

* الفصل الرابع: استشعار المستقبل؛

* الفصل الخامس: مستويات الخلق الثلاثة؛

* الفصل السادس: تفاعلات الذهن والواقع؛

* الفصل السابع: عندما تكون الظروف ملائمة؛

* الفصل الثامن: الترابط الكمي؛

* الفصل التاسع: نسيج الواقع؛

* الفصل العاشر: الذهن داخل المادة؛

* الفصل الحادي عشر: الحياة قبل الحياة والحياة بعد الموت؛

* الفصل الثاني عشر: القدَر الجمعي؛

* الفصل الثالث عشر: عشرة أسرار روحية وعملية لجذب ما تريد؛

* الفصل الرابع عشر: بعض الأفكار الأخيرة.

مداخل أولية

يصدر المؤلف؛ في كل أفكاره وآرائه واستنتاجاته؛ عن فكر بارغماتي يتخذ من التجربة والملاحظة سبيله إلى تشكيل قناعاته الفكرية، وهو قبل كل هذا وذاك أستاذ متخصص في الكيمياء الحيوية والطبية.

ويتميز الكتاب بحشد وافر من المراجع والمصادر التي وثّق بها استنتاجاته، ومحاولاته لفك شفرة قدَر الإنسان؛ ما إن كان بإمكانه التحكم في أبجدياتها ونسب وقوعها.

تنوعت مراجعه من الكتب الأكاديمية المتخصصة والتجارب المختبرية أو السريرية؛ علاوة على أشرطة فيديو لمحاضرات أخصائيين في السلوك البشري ومصادره، كما تحفل صفحات الكتاب بمذكرات للمؤلف؛ يستنجد بها أحياناً للتدليل على تجربة أو نظرية؛ وقد تكون هذه المنهجية؛ في البحث العلمي؛ من المؤاخذات التي لا تتوافق مطلقاً مع الموضوعية التي تتنافى؛ بمعنى من المعاني؛ مع الذاتية.

خلاصات الكاتب

انتهى الكاتب؛ في محاولة جوابه على الإشكالية” هل حياتك مخطط لها؟”؛ إلى مجموعة من الأفكار والقناعات؛ منها أن “الكائنات الحية بما فيها الإنسان تتكيف مع الإيقاعات الزمنية لكل الأجرام السماوية؛ كالشمس والقمر والأرض… فمصير الإنسان مرهون؛ في بعض جوانبه؛ بإيقاعات أشعة الشمس وهبوب الرياح وكل من الرطوبة والحرارة، وهو ما يختص به علم الإحياء الزمني Chronobiology. وذهب به طموحه العلمي بعيدًا حينما عبر عن مقدرة الإنسان في التحكم في الدورات الكونية، أو على الأقل التنبؤ بأحداث المستقبل القريب”.

كما توقف عند ما أسماه بالساعة الوراثية Genometic Hour والتي تتواجد في أغلب أجهزة تكوين الإنسان؛ في الكبد؛ الرئتين؛ الطحال؛ البنكرياس؛ المرئ… وهي تتحكم عادة في أمزجة الأشخاص، في حالات الانفعال والغضب والفرح والاكتئاب… ويعني هذا أن الإنسان؛ في تكوينه العام؛ جزء من الطبيعة والتي هي من منظور الكاتب الكون كله.

ومن الخلاصات الرئيسة الواردة في الكتاب قطب الوراثة البشرية؛ وأن الإنسان يرث بنسب مئوية منتظمة ميولات وأفكار أسلافه وأجداده وآبائه، لكن مع وجود إمكانية تعديل نتائجها وتشذيبها من العيوب بواسطة بيداغوجيا التعلم؛ فالمرأة الحامل؛ لا سيما في بداية حملها؛ سيكون جنينها معرضا للعديد من التشوهات الخلْقية والعقلية، إذا كانت تعاني أثناء حملها بنقص في التغذية أو حرمانها من مادة عضوية أساسية، على أن هذا النقص لا يمكن بنظر الكاتب اعتباره قدَرا للوليد سيرافقه مدى العمر، بل إن هناك هامشا للتدخل المبكر.

كما يحتل جانب “الحدس” برأي الكاتب موضوعا حيويا؛ لعل من أبرز ما اهتمت به أبحاث الجهاز العصبي اللاإرادي، وهي ترد بصيغ متعددة؛ تارة “بالإشارات السمعية البصرية”، وتارة أخرى “بالأذهان المترابطة”، وأخرى “بالشعور المسبق”؛ تسمح لبعض الأشخاص من “التكهن بوقوع حادث”؛ أو “إرسال إشارات عن بعد”.. لكن السؤال هل كل إنسان مؤهل لامتلاك هذه المقدرة/الخاصية؟ قياسا مع بعض الحيوانات التي تتكهن بوقوع الكوارث الطبيعية قبل حدوثها بأقل من ساعة زمنية.

كما يلاحظ أن الكاتب من المقتنعين بنظرية “الانفجار العظيم” الذي نشأ عنه الكون، وفي هذا السياق يعرض لمفهوم “الإله” الذي زعم أنه يتنافى مع “الانطباع التقليدي” الذي يقول إنه “رجل ذو لحية بيضاء جالس على غيمة يستجيب لصلواتنا ويملي أحكامه علينا”، ويعتقد أن هذه نظرة متحجرة إلى التعاليم الدينية؛ زاد أن عمقت من الشعور بالإلحاد كما نراه اليوم…”.

لكنه؛ وبمعنى ما؛ يعود ليخلُص إلى أننا “جميعا الإله” ما دام هو الجزء الأعمق من ذواتنا حينما تتناغم مع قيم الحب والتعاطف والشفقة والتسامح والاحترام…”، وأن الإله بالنسبة إلى الكاتب هو “وعي مطلق”، وكلنا نشكل تعبيرات عنه، مثلما يعتقد أن الجسيمات الأولية التقليدية هي تعبيرات عن العقل الكمي..”.

وبعد أن ذيل كتابه بمجموعة من “القواعد” التي أسماها بالأسس الروحية لخلق حوافز العطاء والإبداع داخل الإنسان؛ سيخلص إلى خلاصة عامة يمكن تسطيرها في ما يلي: “إننا لا نستطيع فصل ذهننا عن الواقع، ولكننا لسنا مستقلين عن القوى التي تحكمنا أيضا؛ فالحياة تشبه التواجد على متن قارب صغير في نهر مع تيارات متدفقة باستمرار ورياح عاصفة، لدينا مجداف جيد، وقد ولدنا مع القدرة عـلى التجديف […] ولكننا في الواقع ننجرف قليلا مع كل تيار نجدف عبره ونختار دوما الوجهة المطلوبة”.

ملاحظات أولية

حاول الكاتب؛ من خلال منظور فلسفي قائم على التجربة والاختبار؛ أن يبحث في إشكالية الإرادة البشرية، ما إن كان بمقدورها صنع الفارق والتحكم في جميع العناصر المكونة للواقع.

ولشدة هوسه بالمنهج التجريبي زعم أن كل شيء قابل للقياس بما فيها المشاعر والقيم والتنبؤ واستشعار الحوادث عن قرب، هذه النظرة الموغلة في التطرف العلمي “الأعمى” جلبت عليه نقمة العديد من طلابه أنفسهم؛ فلم يستسيغوها كما كان يأمل أستاذهم فأضربوا عن حضور محاضراته، ما جعله يصاب بنوبة اكتئاب عرضت له أكثر من مرة.

مقاربته للمواضيع ومنهجه الصارم في اعتماد التجربة، جعلت أفكاره أحيانا تبدو هلامية وشطحات فلسفية؛ كمن يتلاعب بالألفاظ، سيما في معرض مناقشته لمسألة الحدس؛ ومقدرته على استشعار المستقبل، فهو؛ وإن سلّم بوقوعها صدفة؛ يرى أن هذه الصدفة نفسها قابلة لإدخالها المختبر والبحث عن سبل التحكم فيها ولو بنسبة مئوية تقارب أقل من جزء واحد من المليار % 0،000000009.

في معرض حديثه عن الوراثة ودورها في تشكيل جوانب من شخصية الإنسان؛ يرى أننا قادرون على تعديل شخصية الإنسان وبالتالي تحاشي الآثار السلبية لعوامل الوراثة، لكن من الوجهة الواقعية؛ كيف لهذا الإنسان أن يعدل من نسب وراثته؟ هل سيكون دوما ملازما للاختبارات وفي جميع الظروف؟ فتركيبة الإنسان الأوروبي هي غيرها لدى الإنسان الإفريقي أو الآسيوي، كما أن الإنسان القزم في آسيا؛ وتبعا لسنة الوراثة؛ هل سيصبح ممكناً تعديل قامته حتى لا يبدو قزما أو سمينا أو نحيفا؟

وانطلاقا من مفهومه للإله وأنه “يأوي بين جوانحنا”؛ جعل من “الدعاء” الذي يجأر به الإنسان إلى خالقه “افتراضا سلبياً” وهو ما يعني عدم قدرة الإنسان على تحقيق مبتغاه وتسليم أموره “للعجز” وهو إلحاد وكفر ونفي قاطع لوجود مدبر لهذا الكون؛ يسمو على كل الحسابات والعقائد والتأويلات.

كما يعرض لمسألة الموت فيعتبرها مجرد هلوسات درج عليها الكثيرون؛ مستقيا دليله من تجارب ومصادفات ضيقة في الزمان، ولا يمكن بحال القياس عليها أو محاولة استحضارها مختبريا.

خلاصة عامة

منهج البحث العلمي حتى الآن؛ ما زال عاجزا عن تناول الظواهر البشرية في علاقاتها بالواقع، ومن ثم وجود كم هائل قد لا يشمله الحصر من عناصر دقيقة وعوامل خفية وغامضة ومعقدة ذات التأثير النسبي على الإنسان؛ كمغناطيسية الكواكب وتقلبات المد والجزر والتفاعلات الجانبية التي يخلفها وجود الإنسان داخل المجتمعات والبيئات المتعددة وما لها من ردود أفعال على شخصيته.

قد تكون لبعض نظرياته صدى واسعا في بيئة جغرافية معينة، ولكنها تنتفي في بيئة أخرى، وإلا لزم افتراض وجود لإنسان في بيئة مغلقة وبمعزل عن كل مكونات الواقع المحيط، وهذا في حد ذاته يعتبر أمرا محالا في حق الإنسان.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.