عبد اللطيف مجدوب
باستعراضنا لكرونولوجيا “Chronology” الأحداث والوقائع التاريخية التي وسمت السياسة العامة لدى بعض البلدان؛ بداية أواخر القرن التاسع عشر وحتى بداية القرن الواحد والعشرين؛ سنقف حتما على أهوال وكوارث إنسانية وصور في منتهى الفظاعة؛ أسفر عنها تدخل القوات العسكرية، بالعديد من الدول التي كانت أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية تتجاذبها توترات واحتجاجات عارمة، تدخلات ترمي إلى محاولة اغتصاب السلطة تحت ذرائع شتى، يمكن إيجازها في تبييت نية الطمع والهيمنة على مقدرات البلاد.
وقد أكدت التحليلات السياسية جد معمقة “More deeply” أن انعدام التوافق والانسجام، وأحيانا الثقة بين الكتل السياسية؛ لا سيما المدنية منها والعسكرية، وفي آن هشاشة البناء الديمقراطي؛ يفضي حتما إلى فوضى واضطرابات وارتفاع منسوب التوتر الاجتماعي، وهي البيئة الطبيعية التي تتحرك فيها الأطماع لاغتصاب السلطة.
ولو عدنا؛ بقليل من التأمل؛ إلى الأنظمة العربية، بدءا بالسلالات الأولى الحاكمة وانتهاء بعهد الدويلات وجلاء الاستعمار عنها، لألفينا “الطابع الدموي” طاغيا على تسلسلها التاريخي السياسي، ومن ثمة، كان مفهوم السياسة من منظور الحاكم العربي؛ مرادفا للقوة والقمع والهيمنة وبسط النفوذ وقمع الحريات العامة والتصفيات الجسدية والنفي.. كان من نتائجها المباشرة توالي الانقلابات العسكرية والتي لم تنج منها بالكاد أي دولة، حتى ولو جاء انقلابها العسكري في صورة “انقلاب سياسي أبيض”.
عسكرة الاقتصاد الوطني
ترسيخا لهيمنة الجيش واقتحامه للقطاعات الاقتصادية، لجأت بعض الأنظمة العربية إلى منح الجيش/العسكر صلاحيات واسعة في خلق شركات إنتاجية وإبرام شراكات متعددة الجنسيات، سواء لتصريف السلع وطنية الإنتاج أو التصدير والاستيراد، ولها نفوذ سياسي واسع النطاق، سواء في المجالس المنتخبة أو المؤسسات التشريعية، وامتد ليشمل القطاعات المصرفية والخدماتية حتى إلى داخل الأسواق الصغرى، تحمل في ظاهر تعريفاتها صفة “مدنية”، لكن في عمقها ومصدرها عسكرية. ولعل أبرز الأمثلة؛ في هذا السياق؛ الجزائر ومصر وسوريا والسودان إلى حين؛ على المستوى العربي؛ ودول غرب إفريقيا التي يحتفظ لها التاريخ الحديث بنحو 200 محاولة انقلاب عسكرية منذ استقلالها.
الأمم المتحدة والانقلابات العسكرية
في العديد من جلسات مجلس حقوق الإنسان، صرح الأمين العام الأممي غير ما مرة “بأن الانقلابات العسكرية ليس لها مكان في عالمنا الحديث”. وأوضح معهد الولايات المتحدة للسلام؛ في وثيقة أعدها سنة 2021؛ “بأن كان هناك 8 ثمانية ملايين لاجئ ومشرد داخلين وعائدين وعديمي الجنسية في غرب إفريقيا، مالي والنيجر وتشاد وبوركينا فاسو… جراء جحيم الانقلابات العسكرية والتطاحن على السلطة”، ويلاحظ أن التنديد والشجب والرفض هي الصفة العامة التي تتسم بها مواقف معظم الدول والحكومات في أعقاب تولي العسكر زمام الأمور على أرض ملتهبة بالتطاحنات العسكرية.
الانقلابات بين الأبيض والأسود!
شهد العالم الحديث؛ كما لمحنا صورا مروعة لتدخلات الجيش؛ في محاولة الاستيلاء على السلطة، بعزل أو نفي رؤسائه بدول عديدة، منها ما يتم بشكل مفاجئ وبترتيبات محكمة للحيلولة دون إراقة دماء كانقلاب تركيا العسكري سنة 2016، وهو انقلاب يوصف “بالأبيض” لم يعمر أكثر من بضع ساعات.. وتم إفشاله من قبل الجماهير الشعبية التي رفضت الانصياع لأوامر بعض ضباط الجيش التركي، وهناك؛ في المقابل؛ انقلابات عسكرية جعلت من “استعمال السلاح” أداتها الوحيدة في عزل الرئيس أو التصفية الجسدية للمحيطين به، ولخلل في حساباتها، تتمخض عن هذه الانقلابات؛ وبهذه الصور الدموية؛ فواجع وكوارث إنسانية، تنزلق أحيانا إلى فوضى ودمار ونهب، وظهور أطراف أخرى متناحرة، بإيعاز من جهات خارجية أو خلايا لتنظيمات إرهابية كانت نائمة.