العربية وأهلها.. ماض مشرق وحاضر حالك
العربية وأهلها.. ماض مشرق وحاضر حالك
إسماعيل علالي*
لا مراء إن قلنا: لولا الرسالة المحمدية، ونزول الوحي بلسان عربي لما احتلت العربية المكانة التي احتلتها عبر التاريخ، ولما تم لأهلها -على اختلاف أعراقهم –المساهمة في البناء الحضاري ونشر العلوم عبرها في مختلف الأرجاء، وإحياء الأفئدة والألباب.
وبما أن المناسبة شرط-مناسبة الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية الموافق لـ18 دجنبر من كل سنة كما أقرته اليونسكو- اخترت أن أسرد ها هنا بعض الأقوال التي خلدها التاريخ المشيدة بفضل الضاد وعبقريتها، قصد عقد مقارنة بين ماضي الضاد المشرق وحاضرها الحالك وموقع الناطقين بها في مختلف مناشط حياتنا المعاصرة.
قال أبو حاتم الرازي: “أفضل ألسنة الأمم كلها أربعة: العربية، والعبرانية، والسريانية، والفارسية؛ لأن الله عز وجل أنزل كتبه على أنبياء عليهم السلام آدم ونوح وإبراهيم، ومن بعدهم من أنبياء بني إسرائيل بالسريانية والعبرانية، وأنزل القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم بالعربية، وذكر أن المجوس كان لهم نبي وكتاب، وأن كتابه بالفارسية، هذا ما اتفق عليه أصحاب الشرائع”.
وقال أبو عبيدة : إنما أنزل القرآن بلسان عربي مبين، وتصديق ذلك في آية من القرآن “بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ” [الشعراء: 195] وفي آية أخرى “وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ” [ إبراهيم: 4 ]، قال: ولم يحتج السلف ولا الذين أدركوا وحيه إلى أن يسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن معانيه؛ لأنهم كانوا عرب الألسن، فاستغنوا بعلمهم عن معانيه، وعما فيه مما في كلام العرب مثله من الوجوه والتخليص، قال الزهري: إنما أخطأ الناس في كثير من تأويل القرآن لجهلهم بلغة العرب. قال أبوعبيد: سمعت الأصمعي يقول: سمعت الخليل بن أحمد يقول: سمعت أبا أيوب السختياني يقول: عامة من تزندق بالعراق لقلة علمهم بالعربية”.
أما الفاروق عمر بن الخطاب فقد نص على وجوب تعلم الضاد حين قال: “تعلموا العربية فإنها تزيد في المروءة”.
وقد جعل ابن فارس: “العلم بلغة العرب واجبا على كل متعلق من العلم بالقرآن والسنة والفتيا بسبب، حتى لا غناء بأحد منهم عنه، وذلك أن القرآن نازل بلغة العرب، ورسول الله صلى الله عليه وسلم عربي، فمن أراد معرفة ما في كتاب الله جل وعز وما في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من كل كلم غريب، أو نظم عجيب، لم يجد من العلم باللغة بدا”.
وقد روي أن أبا عمرو بن العلاء كان يقول العلم بالعربية هو الدين بعينه، فبلغ ذلك عبد الله بن المبارك، فقال: صدق؛ لأني رأيت النصارى قد عبدوا المسيح لجهلهم بذلك، قال الله تعالى: “أنا ولدتك من مريم وأنت نبيي”، فحسبوه يقول: “أنا ولدتك وأنت بنيي”، فبتخفيف اللام وتقديم الباء، وتعويض الضمة بالفتحة كفروا”.
وفي الضاد قال الرافعي: “إن هذه العربية، لغة دين قائم على أصل خالد، هو القرآن الكريم، وقد أجمع الأولون والآخرون على إعجازه بفصاحته، إلا من حفل به من زنديق يتجاهل، أو جاهل يتزندق”.
وقال أيضا: “إن هذه العربية بنيت على أصل سحري يجعل شبابها خالدا عليها، فلا تهرم ولا تموت؛ لأنها أعدت من الأزل فلكا دائرا للنيرين الأرضيين العظيمين: كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن ثم كانت فيها قوة عجيبة من الاستهواء، كأنها أخذة السحر، لا يملك معها البليغ أن يأخذ أو يدع”.
هذا فضلا عن أقوال عدد من العلماء والشعراء الذين تغنوا بشعرية الضاد واعترفوا بسحرها وفضلها على البشرية جمعاء.
وعلى الإجمال، ينبغي لنا في هذه المناسبة العظيمة، قبل الاحتفال باليوم العالمي الذي سنّته اليونسكو، أن نغتم الفرصة ونسائل أنفسنا عما قدمناه، نحن –الأحفاد- للضاد ولهذا الإرث المعرفي الرصين الذي خلفه علماؤها على مر العصور على اختلاف أعراقهم وأقطارهم، وأن نردد مع محمد المختار السوسي قولته الشهيرة في معسوله: “ليت شعري لما كنا نحرص على الاستقلال، إن لم تكن أهدافنا المحافظة على مثلنا، والمحافظة على هذه اللغة التي استمات المغاربة كلهم-عربهم وبربرهم- في جعلها اللغة الوحيدة في البلاد حتى يوم عممت تركيا لغتها في جميع أنحاء بلاد العرب منذ أوائل القرن العاشر”.