عبد اللطيف مجدوب
ظواهر مروعة مستجدة
شهدت العقود الأخيرة من القرن العشرين تغيرات ملحوظة في التقلبات المناخية؛ تعاظمت مؤشراتها مع بداية الألفية الثالثة في صور رهيبة وفظيعة؛ أصابت مجالات حيوية تشكل المقومات الرئيسة للإنسان على سطح هذا الكوكب؛ كالتغير المناخي وما يستتبعه من احتباس حراري وتراجع نسب المحاصيل الزراعية، إلى جانب ظواهر ذات الصلة كارتفاع نسب الفقر والمجاعة، وتسونامي وتكديس الثروات، وأخيرا استفحال تفشي أوبئة جرثومية في شكل جائحات تغزو كل بقعة جغرافية تأوي الإنسان، مقابل ظاهرة تصنيع أجيال جديدة من الأسلحة القادرة على تدمير الكوكب الأزرق مرات!
أمام هذه المشاهد المروعة التي أصبحت أليفة لدينا من خلال وسائل الميديا الذكية، يرفع سؤال التحدي والذي تتحاشى طرحه كل من السياسة والاقتصاد أو بالأحرى التنكر للجواب عنه: من المسؤول المباشر وغير المباشر عن حدوث هذه الكوارث الطبيعية والبشرية التي باتت تهدد بانقراض الإنسان، ما هي الجهات التي هي وراء ارتفاع منسوب القلق عند إنسان الألفية الثالثة ؟!
المقاربات تصب في اتهام جشع الإنسان
هناك مقاربة اقتصادية شمولية تنتهي نتائجها إلى توجيه أصابع الاتهام إلى رفع حجم الاقتصاد العالمي إلى مستويات قياسية تفوق الحاجيات، وبالتالي خلق تنافسية شرسة بين الشركات الاقتصادية العملاقة على احتكار الأسواق وامتلاك الزبائن، وما يستتبعه من حرب على الموارد الطبيعية، وكل المواد التي تدخل في مجالات التصنيع، ولعل من أهم تداعياتها الرفع من وتيرة الاستهلاك لدى الإنسان، فبدلا من استعمال المستهلك السيارة لثلاث سنوات تقضي عليه “الضرورة” باستبدالها في ظرف قصير لا يتجاوز السنة أو السنتين في أفضل الأحوال، كما تدعو هذه التنافسية المحمومة إلى فلاحة الأرض لأكثر من منتوج وبأسمدة تقتل التربة على المدى البعيد، هذا علاوة على ما يخلف زخم التعليب والتخزين والتصبير من تراكم النفايات بملايين الأطنان إلى جانب انتشار مدافن النفايات النووية في العديد من بلدان الجنوب.
فالاقتصاد الجشع؛ والرأسمالية المتوحشة عموما؛ أفضيا إلى الإساءة للبيئة الطبيعية والفضاء الخارجي، من خلال عدة ظواهر بتروكيماوية، كارتفاع نسبة أكسيد الكاربون في الهواء وتلويث المياه السطحية والجوفية، وإنهاك الفرشة المائية وتحلل النفايات إلى مواد سامة؛ تبعث على انقراض بعض أنواع النباتات والحيوانات والطيور.
الحاسوب العملاق Big Data ومساحات الأخطار
لقد بات ممكنا؛ وفي ظل الطفرة الرقمية العملاقة التي يشهدها إنسان الألفية الثالثة؛ استعمال الحواسيب العملاقة ذات المدى الهائل من المعطيات وتغذيتها بمليارات من المعطيات في شكل مدخلات لتتولى علاجها وتحويلها إلى مخرجات متعددة النوافذ، إما في شكل رسوم بيانية وخرائط، أو مؤشرات رئيسية أو مساحات إنذارية أو توقعات على كل مدى. وهو ما تتكتم عنه بعض الجهات المتخصصة في الدراسات الاستراتيجية المستقبلية، من ذهاب الإنسان وبخطى حثيثة إلى الدمار الشامل أو المنطقة المظلمة وذلك من خلال الظواهر الكارثية المرعبة المستجدة:
ــ الزلازل والبراكين؛
ــ ذوبان أطراف من القطبين؛
ــ ارتفاع منسوب مياه البحر وما يستتبعه من تكون ظاهرة تسونامي؛
ــ شح المياه وتقلص المساحات الزراعية؛
ــ الاحتباس الحراري وتغير المناخ وانقراض الأنواع؛
ــ تفشي الأوبئة الفتاكة؛
ــ اتساع دائرة الفقر والمجاعة؛
ــ التهديدات النووية.
اعتقال إنسانية العقل البشري
أمام جبروت العولمة، وطغيان الليبرالية المتوحشة وسيادة القيم المادية، أضحى أمامها الجانب الإنساني مغمورا؛ تتحكم فيه أحيانا العرقية (الدينية والقومية)، من قبيل نصرة ومد يد العون والإنقاذ لكل منتسب لهذه الملة أو لهذا العنصر، والإبقاء على الآخرين في دائرة الهلاك.
كما تم لجْم ومصادرة كل لسان أو بحث علمي أو دراسة تكشف أو بالأحرى تفضح مخاطر استهلاك منتوج اقتصادي معين، كتسمم المواد الغذائية المصبرة والصيدلانية، أو قطع الغيار التي تدخل في تركيب جهاز أو آلة معينة.
وهكذا؛ وتبعا لهذا المنظور؛ أصبح العقل البشري الحالي همجيا في توجهاته الكبرى، فقط يقيم الوزن للجانب المادي الاستهلاكي الصرف، ويصرف نظره عما هو إنساني محض يتوخى الإنقاذ وسيادة قيم الإخاء والتآزر والسلام.