د. جمال المحافظ
يبدو أن
الإشكال المطروح بعد انتخابات الثامن من سبتمبر الجاري ليس من سيكون ضمن الائتلاف
الحكومي المقبل، لكن ما هي الهيئات السياسية التي تصدرت هذه الاستحقاقات
الانتخابية، ستلحق بصفوف المعارضة البرلمانية، بعدما عبرت الهيئات السياسية
المحتلة للصفوف الأولى، من المركز الثاني إلى السادس، ما شكّل أحد المفارقات التي
يعرفها المشهد السياسي المغربي.
ومع قرب الإعلان عن الائتلاف الحكومي، تتعدد التكهنات عن من سيحظى باختيار عزيز
أخنوش، ومن السيناريوهات المرجحة، أن تقتصر التشكيلة الحكومة المقبلة على الأحزاب
التي احتلت المراتب الثلاث الأولى، وهي فضلا عن «التجمع الوطني للأحرار» كل من
حزبي «الأصالة والمعاصرة» الذي جاء ثانيا و»الاستقلال» ثالثا، في الانتخابات.
حكومة وثلاثة أحزاب
ومما يرجح
هذا السيناريو، اتفاق الأحزاب الثلاثة، على «التعاون والعمل على تشكيل أغلبية داخل
المجالس (المحافظات) التي توجد فيها» بهدف ما اعتبرته «تقوية مؤسسات المجالس، وخلق
الانسجام والاستقرار داخلها، وتجنبا للنزاع والتطاحن، والتفرغ لمواجهة الرهانات
والتحديات التي يطرحها المواطن» حسبما دبجه كل من التجمع الوطني للأحرار والأصالة
والمعاصرة والاستقلال في بلاغ مشترك عممته على منتخبيها في هذه الهيئات الترابية
المنتشرة بمختلف جهات المملكة الاثنتي عشرة.
وكان العاهل المغربي الملك محمد السادس، قد كلف عزيز أخنوش رئيس التجمع الوطني
للأحرار بتشكيل الحكومة الجديدة، بناء على الفصل 47 من الدستور، الذي ينص على أن
الملك يعين رئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب،
وعلى أساس نتائجها. ومباشرة أجرى أخنوش الأسبوع الماضي، مشاورات مع قادة الأحزاب
السياسية، التي تصدرت انتخابات الثامن من سبتمبر، بهدف تشكيل الجهاز التنفيذي
الجديد، وضمان أغلبية برلمانية مريحة ومنسجمة؛ بعدما تمكن حزبه «التجمع الوطني
للأحرار» من الفوز بالمرتبة الأولى بحصوله على 102 مقعد بمجلس النواب البالغ مجموع
أعضائه 395 نائبا، متبوعا بـ»الأصالة والمعاصرة» 87 مقعدا وحزب «الاستقلال» 81
مقعدا و»الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية» في المرتبة الرابعة برصيد 35 نائبا، في
هذه الانتخابات التي تعد الثالثة منذ إقرار دستور 2011، بعد محطتين الأولى عام
2012 والثانية عام 2016 ، والخامسة من نوعها التي تجري في عهد الملك محمد السادس
الذي تربع سنة 1999، على عرش المملكة، بعد وفاة والده الملك الراحل الحسن الثاني.
من المرتقب حسب أكثر من مصدر أن يتم الإعلان عن التحالف الحكومي الأسبوع الحالي،
والدخول في جولة جديدة من المشاورات، بين مكونات الائتلاف حول توزيع الحقائب
الوزارية. فالجولة الثانية من المشاورات ستكشف بالملموس مكونات الائتلاف الحكومي،
وبالمقابل ستظهر التشكيلات السياسية التي ستنظم إلى العدالة والتنمية في المعارضة
البرلمانية.
سيناريو برلمان بدون معارضة وازنة
ومن أبرز المفاجآت التي أسفرت عنها هذه الانتخابات، الهزيمة الكبرى التي مني بها حزب العدالة والتنمية الحاكم، بعد أن حصل بالكاد على 13 مقعدا، وحرمانه بذلك من تشكيل فريق في البرلمان المقبل، حينما وضعه الناخبون في الصف الثامن، بعدما كان قد تصدر الانتخابات البرلمانية التي جرت عام 2016، بحصوله على 125 مقعدا. وكان الأمين العام لهذا الحزب سعد الدين العثماني، خلال الحملة الانتخابية، قد صرح، بأن العدالة والتنمية «سينافس على المراتب الأولى، وأن المواطنين لا تزال لديهم الثقة فيه» بدون أن يدخل بعين الاعتبار أن «الاتحاد ،الوطني للشغل» الذراع النقابي لحزب العدالة والتنمية، كان قد فقد التمثيلية في مجلس المستشارين (الغرفة الثانية في البرلمان) الذي سيجري انتخابه في الخامس من أكتوبر المقبل، بسبب فشل حزب «المصباح» في انتخابات أعضاء الغرف المهنية التي جرت في الخامس من أغسطس الماضي في الحصول على نسبة تضمن له الحضور بالمجلس.
تشكيل الحكومة، بخيارات متعددة
وإذا كان عزيز أخنوش، قد استقبل كذلك كلا من رئيسي حزب «الحركة الشعبية» (29 مقعدا) محند العنصر و»الاتحاد الدستوري» محمد ساجد (18 مقعدا) اللذين عبّرا بدورهما، عن دعمهما له، من أي موقع يكونان فيه، فإن نبيل بنعبد الله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، على خلاف ذلك، صرّح بأن مسألة مشاركة الحزب في الحكومة المقبلة «لم تشكل احتمالا مطروحا للنقاش» سواء من جانبه أو من لدن رئيس الحكومة المكلف خلال لقائهما. وعلى هذا الأساس يبدو أن حزب «التقدم والاشتراكية» اليساري الذي حصل على 22 مقعدا، قد اختار بشكل نهائي الاصطفاف في المعارضة، التي تعتبر في البلدان الديمقراطية، الإطار المؤسساتي الأمثل لنقل المطالب الاجتماعية، والتعبير عن مطالب المواطنين من الحكومة. غير أن من السيناريوهات المطروحة، كذلك في ما يتعلق بخصوص تشكيل الائتلاف الحكومي الجديد، هناك من يرى أن يلتحق «الأصالة والمعاصرة» أو «الاستقلال» بصفوف المعارضة لتقويتها، مقابل أن يعوض أحدهما كلا من الأحزاب التي تعتبر المقربة من «التجمع الوطني للأحرار» وهي «الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية» (35) و»الحركة الشعبية» (29 مقعدا) و»الاتحاد الدستوري» (18 مقعدا) وبالتالي ضمان أغلبية مريحة ومنسجمة. وإن كانت أمام عزيز أخنوش عدة خيارات لتشكيل ائتلافه الحكومي، فإن عليه أن يختار كذلك من يعارض حكومته أولا، سواء كان ذلك بالاكتفاء بمد يديه للحزبين الثاني والثالث، أو بإخراج أحدهما من حساباته، مع ضم هيئات سياسية أخرى تقاسم حزبه التوجهات نفسها. بيد أن أكبر التساؤلات التي تشد أنظار المراقبين للشأن الانتخابي بالمغرب، هو ما هي الهيئات السياسية، التي ستلتحق بحزبي «العدالة والتنمية» و»التقدم والاشتراكية» بالمعارضة، التي منحها دستور 2011 ، ضمانات وامتيازات قانونية في مجال التشريع والرقابة، مع تعزيز دورها في التأثير في صناعة القرار البرلماني.
تحديات متعددة في ظل رهان تنقية الأجواء
النتائج التي
أسفرت عنها الانتخابات التشريعية، جعلت رئيس الحكومة المكلف، في وضع مريح، بخصوص
اختيار الأغلبية الحكومية، على خلاف ما عرفته التجربة السابقة، إبان تشكيل حكومة
كل من عبد الإله بن كيران، الذي فشل في تكوين الحكومة سنة 2016، كما كان ذلك صعبا
على خلفه سعد الدين العثماني المنتمي إلى الحزب ذاته، بسبب تعدد مشارب مكوناتها.
وإن كان المغرب قد ربح رهان، المشاركة في الانتخابات التي بلغت نسبة المشاركين
50.18%، فإن هناك تحديات متعددة، ستظل مطروحة، منها إيجاد حلول واقعية، لبعض
الإشكاليات في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، مواجهة الخصاص في مجالات الصحة
والتعليم والتشغيل، فضلا عن إعادة الثقة للمواطنات والمواطنين في العمل السياسي،
وهو من بين الرهانات التي يتعين أن تتصدى لها الحكومة المقبلة المطالبة كذلك
بتصفية الأجواء، ووضع حد لحالات الاحتقان في بعض الملفات التي تكتسي طابعا
استعجاليا، حتى تمكن من خلق بيئة مساعدة ومناسبة لتنزيل برامجها خلال السنوات
المقبلة، مع العلم أنها ستكون مطوقة بمسؤولية ترجمة مضامين مشروع «النموذج التنموي
الجديد» على أرض الواقع.
وإذا كان عدد من المراقبين يعتبرون أن استحقاقات الثامن من سبتمبر، فتحت أفقا
جديدا في المشهد السياسي المغربي، فإن هذه الانتخابات» ليست غاية، وإنما وسيلة
لإقامة مؤسسات ذات مصداقية تخدم مصالح المواطنين، وتدافع عن قضايا الوطن.. وأن
الدولة تكون قوية بمؤسساتها، وبوحدة وتلاحم مكوناتها الوطنية» كما قال العاهل
المغربي الملك محمد السادس في خطاب ألقاه، بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب في 20
أغسطس الماضي.
كاتب مغربي