المغرب والجزائر: متى يضعان اليد في اليد؟

admin
كتاب واراء
admin6 فبراير 2025آخر تحديث : منذ أسبوعين
المغرب والجزائر: متى يضعان اليد في اليد؟
  • نزار بولحية

على المدى المنظور قد يبدو ذلك صعبا، لكن هل سيكون ممكنا في وقت آخر عندما يظهر الطرفان حسن نواياهما ويصممان على إزاحة الأحقاد من طريقهما؟ في كل الأحوال فإن واحدة من بين العقبات التي ما زالت تحول دون ما قد يراها البعض أمنية بعيدة المنال، هي تحديد الطريقة التي يمكن أن يثبت بها كل طرف حسن نواياه نحو الآخر، وما ينبغي عليه أن يفعله في تلك الحالة، حتى يقنعه بعزمه الراسخ والأكيد على فتح صفحة جديدة معه.
لقد دأب الجانبان وباستمرار على اتهام بعضهما بعضا بالتسبب في تواصل الجفوة الطويلة بينهما، على مدى عدة عقود، لكن هل يستحق الشعبان الجزائري والمغربي مشهدا أفضل، لا يرون فيه حدودا برية وجوية، وربما حتى بحرية مغلقة بين بلديهما، وعلاقات دبلوماسية مقطوعة بين حكوماتهم، وحملات إعلامية ملتهبة ومسعورة متبادلة بين وسائل إعلامهم وناشطيهم على منصات التواصل؟
في أحدث تصريح صحافي أدلى به الأحد الماضي إلى صحيفة «لوبنيون» الفرنسية، فضّل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، أن يرد على ذلك السؤال، من خلال إلقاء الكرة في المرمى المقابل قائلا، إن الجزائر ما زالت «حتى الآن في منطق رد الفعل، وليس الفعل مع المغرب»، مؤكدا أن البلد الجار هو «أول من اعتدى على وحدتنا الترابية تسعة شهور فقط بعد استقلالنا، وقد سقط إثر اعتدائه علينا 850 شهيدا. فالمغرب كان دوما ذا عقلية توسعية، بدليل أنه لم يعترف بموريتانيا إلا عام 1972»، مضيفا بعدها «ليتذكر الجميع أن المغرب كان أول من فرض التأشيرة على الجزائريين عام 1994. لقد منعنا الطيران المغربي عن أجوائنا لتنفيذه مناورات مشتركة مع الكيان الصهيوني بقرب مجالنا الجوي وهذا ينافي حسن الجوار». قبل أن يخلص في النهاية إلى أنه «علينا وضع حد لهذه الوضعية يوما ما… الشعب المغربي شعب شقيق يستحق الأفضل». لكن ما القصد من ذلك؟ وما الرسالة التي أراد الرئيس تبون إبلاغها إلى جاره الغربي من وراء مثل ذلك التصريح؟ هل كان يشير من خلال تلك الكلمات إلى أنه قد يمد اليد نحوه؟ أم أنه كان يعلن وبشكل قاطع لا رجعة فيه، أنه سيدير الظهر نهائيا له؟
من الواضح أن كل ما قام به هو أنه عرض ما اعتبرها مؤيدات، أو مبررات من جانبه للحال الذي وصلته العلاقات الجزائرية المغربية. غير أنه لم يعرض بالمقابل أي مقترح، أو حل ولم يقدم بالتالي أي فكرة أو وصفة قد يراها فعالة ومناسبة للخروج من المأزق الحالي. لقد تعمد بالتأكيد أن لا يقدم على ذلك، ولم يحدد أو يقدم مقترحا بالطريقة التي ينبغي أن يتم بها في يوم من الأيام مثلما جاء في تصريحه وضع حد لتلك الوضعية.

لكن ماذا كانت تعني إشاراته إلى بعض الأحداث التاريخية؟ إنها كانت تدل على شيء واحد وهو أنه لا يرى أن هناك أملا في المستقبل في حدوث تقارب بين النظامين المغربي والجزائري. لقد وجه اتهاما واضحا ومباشرا للرباط بأنها هي من تسببت في ما عرفت بحرب الرمال، التي نشبت في الستينيات بين البلدين، معتبرا أن لديها أطماعا توسعية بدليل اعترافها المتأخر باستقلال موريتانيا، كما رأى أنها المسؤولة الأولى والوحيدة عن غلق الحدود البرية بين الجزائر والمغرب، لأنها بادرت لفرض التأشيرة على الجزائريين، بعد اتهامها لبعض رعاياهم بالوقوف وراء تفجير استهدف أحد الفنادق في مراكش منتصف التسعينيات، كما أشار إلى أنها هي التي تسببت أيضا في قرار الجزائر حظر عبور الطيران المغربي الأجواء الجزائرية، لأنها قامت بمناورات جوية مع الإسرائيليين على مقربة من الحدود الجزائرية، على حد اعتباره. لكن هل يبدو من المفيد أن يوضع المغرب وحده في قفص الاتهام، وأن يلقى بالمسؤولية كاملة على طرف دون الآخر؟ وهل سيساعد ذلك على سد الفجوة بين البلدين؟ أم أنه يزيد في توسيعها وتعميقها؟ وإن لم يكن للجزائريين مشكل مع الشعب المغربي، فمع من ينبغي عليهم أن يتحاوروا ويتصالحوا إذن؟ أليس مع ذلك النظام الذي اعتبره الرئيس تبون مسؤولا وحيدا عن ماضي وحاضر العلاقات المغربية الجزائرية؟ لقد كان مفاجئا لكثيرين تأكيد الرئيس الجزائري، في المقابلة نفسها، على أن «الجزائر ستكون على استعداد لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل في اليوم الذي ستكون فيه دولة فلسطينية كاملة»، رغم كل ما حفل به التاريخ من مجازر وانتهاكات صارخة للإسرائيليين في حق فلسطين وشعبها، ورغم الرفض الجزائري القاطع للتعامل مع نتنياهو وباقي القادة الإسرائيليين.
وليس معروفا إن كانت الواقعية، أم الحسابات السياسية هي التي قادت الجزائريين لذلك أم لا؟ غير أن المؤكد هو أن إظهار الاستعداد لتطبيع علاقاتهم مع المغاربة، ولو بشروط معينة كان سيعني الكثير لا للطرفين فقط، بل للمنطقة كلها. لقد مد المغاربة أيديهم للجزائريين أكثر من مرة. وقال العاهل المغربي محمد السادس قبل ما يقرب من أربع سنوات في أحد خطاباته أنه «لا فخامة الرئيس الجزائري الحالي ولا حتى الرئيس السابق ولا أنا مسؤولين عن قرار الإغلاق»، أي إغلاق الحدود البرية بين البلدين. لكننا «مسؤولون سياسيا وأخلاقيا على استمراره أمام الله وأمام التاريخ وأمام مواطنينا». مؤكدا أنه ليس هناك أي منطق معقول «يمكن أن يفسر الوضع الحالي» للحدود بين البلدين ومطمئنا الجزائريين بأن «الشر والمشاكل لن تأتيكم أبدا من المغرب، كما لن يأتيكم منه أي خطر أو تهديد، لأن ما يمسكم يمسنا وما يصيبكم يضرنا، لذلك نعتبر أن أمن الجزائر واستقرارها وطمأنينة شعبها من أمن المغرب واستقراره، والعكس صحيح فما يمس المغرب سيؤثر أيضا على الجزائر لأنهما كالجسد الواحد «واصفا البلدين بأنهما» أكثر من دولتين جارتين فهما توأمان متكاملان»، على حد تعبيره. وقد يقول قائل بعدها، وما الذي عطل التواصل بين الجانبين إذن؟ ولماذا لم تمنح الفرصة كاملة لاختبار مثل تلك الوعود والتعهدات على الأرض؟ ألم يكن جلوس الطرفين إلى طاولة حوار مفتوح وغير مشروط، كما وصفه الملك المغربي، يطرحان فيه كل القضايا والمسائل الحساسة، التي لا تزال عالقة بينهما للتفاوض محكا حقيقيا وفارقا بالنسبة لكل واحد منهما، وحتى بالنسبة للدول المجاورة لهما حتى تعرف رغبة كل طرف من الطرفين في الخروج من الوضع الحالي وتقيم الحجة والدليل على الجهة التي ماطلت أو عطلت التوصل إلى أي اتفاقيات أو تسويات تؤدي إلى إنهاء الخلافات والنزاعات بينهما؟ لا شك أن كثيرين يعملون لا داخل الدولتين فقط، بل حتى خارجهما على وأد أي محاولة من ذلك النوع وعلى سد الباب نهائيا أمام أي فرصة أو بريق أمل قد يلوح بقرب التوصل إلى انفراج بين الجزائر والمغرب. لكن إن نجح هؤلاء أمس واليوم في مساعيهم فمن يضمن نجاحهم غدا؟ قطعا لا أحد.
كاتب وصحافي من تونس

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.