لا يعني تغيير وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، وحلول أحمد عطاف مكانه، الكثير. كان هذا التغيير متوقعا منذ أسابيع عدة في ضوء غياب لعمامرة عن الواجهة. وكان الرجل يعاني من مرض معيّن منذ فترة طويلة ويحتاج إلى الراحة. فضلا عن ذلك، يمتلك لعمامرة شخصية قويّة لا تتماشى مع الحالة الجزائريّة القائمة التي تتميّز بزيادة سطوة المؤسسة العسكرية على كلّ مؤسسات الدولة من جهة ومحاولة الرئيس عبدالمجيد تبون الظهور في مظهر الحاكم الفعلي للبلد من جهة أخرى. بين المرض والحساسيات الشخصيّة انتهى لعمامرة في بيته.
ليست الاستعانة بسياسي متقاعد من طينة أحمد عطاف، الذي سبق له أن شغل موقع وزير الخارجية منذ مطلع العام 1996 حتى نهاية 1999، سوى دليل على رفض النظام الجزائري إحداث تغيير حقيقي في الذهنيّة التي تتحكم به. لدى عطاف ميزات كثيرة وخبرة طويلة في السياسة الخارجية. لكنّ ذلك كلّه لا يعني شيئا إذا لم يحدث التغيير المطلوب جزائريا. لن يصنع هذا التغيير رجل واحد بغض النظر عن الخبرة التي يمتلكها ومواقفه المعارضة للنظام بعد خروجه من وزارة الخارجية إثر استقالة حكومة علي بن فليس في نهاية عهد اليمين زروال. ليس مطلوبا تغيير الأشخاص بمقدار ما المطلوب تغيير الذهنيّة التي حوّلت الجزائر من بلد واعد إلى بلد أسير سعر النفط والغاز.
تكمن المشكلة التي يعاني منها النظام الجزائري في رفضه التعلّم من تجارب الماضي القريب، أقله منذ الانتفاضة الشعبيّة في خريف العام 1988.
يعكس خيار أحمد عطاف رغبة في استمرار الجمود. يرفض النظام الجزائري الخروج من الحلقة المقفلة التي يدور فيها. من هذا المنطلق، كان مطلوبا أن يخلف أحمد عطاف رمطان لعمامرة، كي يبقى النظام أسير مدرسة تأسست مع وصول هواري بومدين إلى موقع الرئاسة في العام 1965 بعد إزاحته السياسي الساذج أحمد بن بلة الذي أمضى فترة طويلة في الإقامة الجبريّة.
تغيّر العالم ولم يتغيّر النظام الجزائري المصرّ على أن يكون مجرد نظام عسكري – أمني، من أنظمة العالم الثالث، تتحكم به عقدة المغرب التي تحولت مع الوقت هاجسا. صار المغرب هاجسا للنظام الجزائري، خصوصا في ضوء ما حققته المملكة إن في مجال التنمية الداخلية… أو في مجال الاختراقات السياسية أميركيا وأوروبيا وأفريقيا. ليس سرّا أن أفريقيا عزيزة على قلب عطاف ويؤلمه من دون شكّ أن الدبلوماسيّة الجزائرية لم تعد تصول وتجول فيها كما كانت في الماضي. كان ذلك بفضل الشعارات الطنانة من نوع “حقّ تقرير المصير للشعوب”. كانت الشعارات مرفوقة بالدولار الأميركي بطبيعة الحال!
لدى وفاة بومدين في بداية العام 1979، تكرّس دور المجموعة العسكريّة الحاكمة. أصرت تلك المجموعة، بقيادة مسؤولي الأجهزة الأمنيّة، مثل الراحل قاصدي مرباح، على الإتيان بالعقيد الشاذلي بن جديد رئيسا للجمهوريّة خلفا لبومدين. كان الشاذلي بن جديد أقدم الضباط من حملة رتبة عقيد في الجيش. استبعد مسؤولو الأجهزة الأمنيّة، وقتذاك، عبدالعزيز بوتفليقة ومحمد صالح اليحياوي (الضابط المتقاعد) الذي كان مشرفا على الجهاز الحزبي (حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم).
منذ بداية 1979، إلى اليوم، لم يتغيّر شيء في الجزائر. لم يتغيّر شيء في العمق على الرغم من أن عبدالعزيز بوتفليقة والمحيطين به، من أفراد الحلقة الضيقة، حاولوا طوال عهده الطويل، من العام 1999 إلى العام 2019، تدجين المؤسسة العسكرية. جرى تدجين الرجل القوي في الأجهزة الأمنيّة الجنرال “توفيق” (محمّد مدين).
دُجّنت المؤسسة العسكريّة، نسبيا، على الرغم من الدور الذي لعبته في إيصال بوتفليقة إلى موقع الرئاسة الذي أصرّ المحيطون به على بقائه فيه. بقي بوتفليقة رئيسا على الرغم من أنه صار رئيسا مقعدا لا يقوي على الكلام منذ إصابته بجلطة في الدماغ في العام 2013.
هل يمكن أن يتغيّر النظام الجزائري على الرغم من أن الوضع الداخلي في البلد ليس على ما يرام في ضوء فشله الاقتصادي من جهة وعجزه عن متابعة سياسة شراء ولاءات الناس من جهة أخرى؟
الجواب أنّ ذلك يبدو صعبا. يعود ذلك إلى غياب من يريد الاعتراف بأنّ كلّ السياسات التي اتبعت منذ عهد بومدين كانت سياسات فاشلة. فشلت الثورة الزراعيّة. فشلت الثورة الصناعيّة. فشلت حملة التعريب. فشلت كلّ الإصلاحات التي حاول تطبيقها نظام لا يستطيع البدء بإصلاح نفسه والخروج من التبعية لسعر الغاز والنفط.
يظلّ الفشل الأكبر التخلّص من عقدة المغرب التي تحوّلت هاجسا. فبدل أن تفرح الجزائر باستعادة المغرب أقاليمه الصحراويّة من المستعمر الإسباني، إذا بالنظام فيها يشنّ على البلد الجار حرب استنزاف مستمرّة منذ خريف العام 1975.
في كلّ ما يقوم به النظام الجزائري جانب من العقدة المغربيّة التي يحتاج التخلّص منها إلى شجاعة كبيرة. إنّها شجاعة الاعتراف بالخطأ لا أكثر. من يعترف بأخطائه يستطيع أن يتقدّم وأن يتعاطى مع الواقع بدل البقاء في أسر الأوهام التي بينها وهم الدور الإقليمي المهيمن للجزائر.
هل الإتيان بأحمد عطاف خطوة في الطريق الصحيح؟ الخوف أن يكون وزير الخارجية الجديد – القديم، ينتمي إلى المدرسة التي جاء بها هواري بومدين، وهي مدرسة لا علاقة لها بما يدور في العالم ولا بالتغييرات التي تحصل فيه. إنّها مدرسة تختزلها الرغبة الجزائرية في بقاء الحدود البرّية مع المغرب مغلقة. هذه الحدود مغلقة منذ العام 1994 بسبب خشية النظام من ذهاب المواطن الجزائري إلى المملكة الجارة كي يشاهد بأمّ العين إلى أيّ حدّ تطورت الحياة فيها ومدى الحرص على تحسين الحال المعيشية للمواطن المغربي على الرغم من غياب الثروات الطبيعية في هذا البلد!
يظل الموقف من المغرب الامتحان الأول للنظام الجزائري، وهو امتحان يسقط فيه النظام يوميا.
خيرالله خيرالله
إعلامي لبناني