جرسيف بين هويةِ مجالٍ ومكامنِ تراثٍ ورهانِ نماءٍ محلي..

admin
2021-04-20T18:26:29+02:00
متابعات
admin20 أبريل 2021آخر تحديث : منذ 3 سنوات
جرسيف بين هويةِ مجالٍ ومكامنِ تراثٍ ورهانِ نماءٍ محلي..

عبد السلام انويكًة

ليس التراث سوى فعل وتفاعل انسان في مكان ما وزمن ما حتى الآن، وليس أيضاً سوى ذلك الذي بدأ منذ أزل يكاد يكون بأول مجهول. علما أن في كل فترة من الفترات هناك بقايا ومعالم مادية ولامادية ومن ثمة تراث، بقدر ما يحتويه من هوية وخصوصية بقدر ما بقتضي من بحث ودراسة وحماية ووعي وتحسيس وحس استثمار، إغناءً لعيش وتعايش وحاضر ومستقبل انسان. وكم هو مفيد نبيل ما يُعقد حول الموضوع من لقاء علمي هنا لتدارس وترتيب ما هو بحاجة لإلتفات وانصات، ولعل مِن اللقاء مَن يتوجه بالعناية لمواقع ضاربة في القدم لابراز موارد زمنها وتثمينها، وتحديد ما من شأنه جعل تراثها داعماً لتنمية محلية عبر ما يحضر من طرح ورأي ومقترح.

في علاقة بتراث شرق المغرب ولعله واسع وبتباين ذخيرةٍ ومكامن، كانت منطقة جرسيف وعاءَ تفاعلٍ بشري عبر فترات تاريخ البلاد، لِما هناك من حفريات ومعالم أزمنة غابرة وآثار لا تزال بحاجة لعمل علمي من أجل الكشف عنها وابراز مكامنها واستثمار رمزيتها. ولاشك أن الماء بالمنطقة كان ولا يزال مكوناً بيئياً معبراً وعنصراً فاعلاً موجهاً، جعل تراث جرسيف ومحيطها بخاصيةٍ بيئيةٍ وتفرد من خلال التقاء مجريين مائيين شهيرين فيها ضمن مشهد مورفولوجي طبغرافي ملفت للنظر، ومن ثمة ما طبع المنطقة من هوية مجالية منذ القدم فكانت بأثر فيما هي عليه من تراث غني متعدد في أوجهه وتجلياته. علماً أن جرسيف “أجرسيف”، ربما اسم بجدلِ بنيةِ بيئةٍ وعلاقة بطبيعةِ موقعٍ ونقطة تلاقي وادين “ملوية” و”مللو”..

وإذا كانت منطقة جرسيف بمثابة وعاء لإرثٍ انساني واسع يجمع بين شاهدِ عُمران ورمزية زمن، فلا شك أنه كأثاث أصيل في شموليته هو بوجدان وتمَثل واعتقاد ورواية وشأن وامتداد في الذاكرة المحلية. وبقدر ما يطبع المنطقة من تراث لامادي يجمع بين نمط عيش وتقاليد وعمارة وتعمير ولباس وغذاء وخبرات واحتفالية وفرجةٍ وتعبير، تقول اليونسكو أنه كل ممارسة و تصوّر وتعبير ومعارف ومهارات، كذا ما يرتبط بهذا وذاك من نِتاجِ حرفٍ وأمكنةٍ ثقافيّة وغيرها، وأن ما هو متوارث رمزي من جيل لجيل هو ما يبدعه الانسان فرداً وجماعة معاً من جديد بشكل مستمر ووفق ما ينسجم مع بيئة ما وزمن ما، بقدر ما تزخر بتراث مادي على قدرٍ عالٍ من القيمة التاريخية الانسانية لِما كانت عليه المنطقة من أدوار ووقعٍْ في زمن البلاد والعباد.

ولعل جرسيف بقدر ما هي بموقع فسيح متميز واستقرار بشري قديم ارتبط الماء أساساً ووادَيْ “ملوية” و”مللو” خاصة، بقدر ما عُرف في زمن المغرب الوسيط بالقصبة التي اختارها بنو مرين استراتيجياً كما في علم المهتمين والباحثين لتخزين وتأمين موارد عيشهم، قبل أن تتحول جرسيف القصبة الى دار إمارة على عهد السلطان أبي عنان المريني أواسط القرن الثامن الهجري. وكان من تَميُّز المنطقة خلال هذه الفترة من تاريخ البلاد في علاقة بمياه الوادين، انتشار بساتين أشجار مثمرة عدة لدرجة تذكر المصادر أنها كانت تبدو كأنها جنة آدم لِما يحيط بها من جفاف.

ضمن هذا الغنى الذي يطبع جرسيف ومحيطها تراثياً، ارتأينا بمختصر مفيد اطلالة حول ما هو رمزي في علاقة بالماء هذه المادة الحيوية ومن ثمة حديث عن مكونين مجالين أساسيين وادَيْ”ملوية” و”مللو”. علماً أن ما هو رمزي تراثي محلي مُرتبط بأشرطة مياه تتقاسم المجال وتحكُمه منذ القدم حتى الآن، هو إرث انساني وذاكرة وكيان وهوية حاملة لتميزٍ وثقافة وحضارة معاً. مع أهمية الاشارة الى أن مساحة هامة من معالم تراث المنطقة اندثرت مع مرور الزمن وما تبقى يوجد على ايقاع ضغوط عدة ومتداخلة. وعليه، ما هناك من حاجة ليس فقط لإلتفات وإنصات وانقاذ بل لبحث وتنقيب ودراسة وورش عمل في أفق ما هو إنماء ونماء رافع.

وغير خاف أن منطقة جرسيف لا تزال بغير ما هو شاف من أبحاث تراثية علمية ومن ثمة من نصوص أكثر تجاوباً مع زمنِ مكانٍ ومكامنِ تراث منطقةٍ واسع، ومن هنا أهمية تكاثف جهود وفعل وتفاعل الجميع كل من موقعه من أجل ما هو داعم مساهم في حماية تراث المنطقة وتثمينه وجعله بدور لفائدة حاضرٍ ومستقبلٍ معاً، فضلاً عما ينبغي من وعي بقيمة إرث حضاري وبسبل دمجه كثراء وثروة في النماء المحلي.

 ولا شك أن سَلَف جرسيف عبر تلاقح الأجيال هنا وهناك بين وادَيْ “ملوية” و”مللو”، كان بدور في حماية تراث المنطقة عامة والرمزي خاصة من ثقافة عيش وتعايش وتقاليد وقيم حياة وتعبير وسبل تدبير بيئة وعلاقات وغيرها. ولولا هذا السلف وحفاظه على ما طبع المنطقة من هوية وتراث لمَا تعرف عليه الخلَف ولمَا ظل حاضراً حياً عابراً للزمن. إن سبل وثقافة وتجليات استغلال مياه وادَيْ “ملوية” و”مللو”، ومن ثمة ما هناك من مياه جارية على ضفافهما ومن ونُظم حياة وطبيعة تنظيم مجالي وسواقي وتدبير وتقاسم ومنظر زراعة وأغراس وغيرها، تشكل بحق خصوصية منطقة وهوية مكان وشواهد انسانية انسان ضاربة في الزمن.

من هنا ما ينبغي من تثمين وحماية لإرث محلي واسع وتحف انسانية ثقافية حضارية متفردة، من خلال لِما لا متحف خاص برؤى وأرشيف وأثاث محلي ما، من شأنه حضن وجمع وتجميع وابراز وتسويق ما هي عليه المنطقة من هوية بيئة وغنى وتنوع تراث. كذا أيضاً ما ينبغي الاشتغال عليه من أجل لِما لا دليل جامع لمعالم وعلامات تراث المنطقة في شقه المادي واللامادي، فضلاً عن مركز بحث في التراث المحلى لإثارة ما هو بعلاقة من جهة، وجمع ما ينبغي من معطيات ووثائق وأرشيف يخص المجال من جهة ثانية. ناهيك عما يمكن أن يسجل من قيمة مضافة رافعة للتنمية المحلية، من خلال الترافع لتصنيف إرث ضفاف وادَيْ “ملوية” و”مللو” على مستوى مجال مدينة جرسيف وجوارها مثلاً كتراث وطني ولِما لا انساني.

إن تراث جرسيف في مستواه المادي واللامادي معاً، بقدر ما يشكل عنصراً من عناصر تاريخ المنطقة وهويتها واستمراريتها وتطورها وتفاعلها ضمن أزمنةٍ ومكان، بقدر ما هو بمثابة ذاكرة جماعية ونِتاج تلاقح أجيال وسلفٍ عبر قرون من الزمن ومن ثمة سبيلاً لتموضع وتموقع خلفٍ في كل هذا وذاك. ولا شك أن جرسيف حيث وادَيْ”ملوية” و”مللو” هو وعاء تراث بأصول متعددة، لِما كانت عليه المنطقة من علاقات وانفتاح على شرق البلاد وغربها خاصة، من خلال سبل عبور ورحلةٍ وترحالٍ وقوافل تجارية ورعي وثقافةِ مياه.

من هنا بُعد وأهمية تراث منطقة جرسيف الأصيل الذي من المفيد احياءه وحمايته واغناءه، كذا استثماره والتفكير في جميع ما من شأنه ابراز مكونه ومكامنه وتجلياته وتميزه أكثر ضمن ورش تشاركي لمعنيين محلياً جهوياً ووطنياً. وليس جدل آفاق تراث جرسيف بما في ذلك من رمزية لوادَيْ”ملوية” و”مللو” حلماً ولا مستحيلاً، فقط ما ينبغي من رؤية واضحة وظيفية وعزيمة وإرادة قوية وقناعة وعمل تنسيق وتعاون وما ذلك على الله بعزيز.

مركز ابن بري للدراسات والأبحاث وحماية التراث     

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.