فؤاد بوعلي
ما الذي نريده الآن؟ وهل نستوعب حقيقة دقة اللحظة؟
أسئلة كثيرة تراودني وأنا في “معتكفي” الخاص رفقة العائلة. فقد قدر لي أن تصادفني حالة الحجر في بيت تطل نوافذه على حاجز أمني يراقب فيه رجال السلطة الداخل للمدينة والخارج منها. ومن وراء الزجاج أراقب عمل الواقفين وتعبهم وتوجسهم.. وأقرأ في ملامحهم أحلامهم وانتظاراتهم التي جعلتهم يقفون من أجلنا عرضة للمطر والشمس والوباء…. وأقرأ إحساسهم بدقة اللحظة وخطورتها…. وفي نفس الوقت أتأمل في القادمين وسلوكاتهم وإثاراتهم …
وفي الصورة المقابلة أجدني أفتح الهاتف لأجد نقاشا، بعيدا عن واقع اللحظة، على أشده بين نخبة تعتقد في قرارة نفسها وإن لم تصرح بذلك أنها في إجازة وستنتهي قريبا…وإن كانت مفروضة بقرار سياسي أو صحي أو أمني فهي إجازة…أقصاها 20 ابريل وآنئذ سنخرج ونتجول ونعود إلى حياتنا الطبيعية…في 20 ابريل سيعود المغاربة إلى سابق عهدهم، إلى مطالباتهم واحتجاجاتهم وحساباتهم ونقاشاتهم السياسوية المؤدلجة… فالكل آمن ولا داعي للقلق…وبورصة الوباء الصاعدة لم تؤثر على أحلامنا ولا على نقاشاتنا.. فالكل متمترس في كانتونه الخاص: اليساري ضد اليميني، والإسلامي ضد العلماني، والقومي ضد القطري…فالكل في مكانه.. لأننا بعد 20 أبريل سنعود كما كنا …كل إلى مكانه: الفلاح إلى حقله والعامل إلى عمله والسياسي إلى وعوده والفقيه إلى مواعظه والحداثي إلى نقاشاته ووووو وكأننا كنا في كهف وخرجنا للتو. حتى الذين تنادوا إلى الحجر وطبقوه بحذافيره ينادون في الجمع الآخر: ادخلوا لكي نخرج جميعنا في 20 أبريل…. لذا ستجد البعض يخاف ضياع حقوقه في زخم الأزمة… والبعض يناقش الديمقراطية وحرية التعبير في حجر الكورونا…وآخرون يحتجون على حقهم في الترقيات والتوظيف….وآخرون يبكون وجودهم القسري بين أربع جدران تحت رحمة النساء والأبناء…. وآخرون يتفننون في جلد الحكومة والدولة لتحقيق مكاسب سياسوية ضيقة… وآخرون يسائلون قدرة الإيمان في إنقاذنا من هذه المحنة… فالكل يعيش اللحظة من باب زوالها…. هذا ملخص لمضمون النقاش الجاري بين المغاربة في هذه الأيام والتي عبرت عنه ترسانة النكت والمستملحات المتداولة والمتحدثة عن المستقبل القريب …القريب جدا… لكن لا أحد طرح السؤال الحقيقي: وماذا لو استمرت الأزمة شهورا عديدة؟ وماذا لو فقدنا بوصلة الدولة خلال هذا الوقت؟ وهل هناك ضمانة لكي نعود كما كنا؟
حين أتابع النقاشات المتداولة على صفحات التواصل الاجتماعي تخالجني الكثير من التساؤلات عن حقيقتها وعن درجة استيعاب أصحابها للأزمة التي يجتازها العالم والمغرب بشكل أكثر حدة. فنحن لسنا استثناء في هذا الكون حيث تغيرت مفاهيم الانتماء والغيرية والوطن، لكننا وحدنا سنواجه مصيرنا دون مراعاة من الآخر أو اهتمام، اللهم إلا حسرة إنسانية عادية على شعب جميل ووطن أجمل، أو عبرة على خد تسمح بفعل النسيان… فخلاصنا بأيدينا لا بأيدي غيرنا… فعندما تسمع لوزير الداخلية يحدثك عن مصيرنا المشترك فهو يعي جيدا أن الخلاص لا يمكنه أن يكون فرديا أو فئويا بل جماعيا. وحين تسمع لرئيس الحكومة يحدثك عن ضرورة التعاون مع الدولة فهو ينطق عن علم بمجريات الأمور…لذا استطاعت الدولة، بكل مكوناتها، أن تحقق عليها إجماعا قل نظيره في تاريخها المعاصر. فحتى أكثر التيارات “معارضة” دافعت عن إجراءات العزل وضرورته…لذا قد تفاجأ عندما ينبري بعض الناس لنقد الحكومة وإجراءاتها وطرق تنزيلها، بل ويعمدون إلى تبخيس عملها في هذه اللحظة المفصلية وتناسوا أن كل شيء جديد على الجماعة والفرد والدولة..فمن كان يتصور قبل أشهر قليلة أن العالم سيغلق أبوابه وينسحب إلى ذاتيته المفرطة في الانعزال…من كان يتخيل ولو للحظة أن تتوقف حركية العالم بشكل لم يعد لمفهومي الأنا والآخر معنى في الأبجدية المعرفية… من كان يتصور أن الفضاء العمومي سيستعيد دوره الحاسم ضدا على محاولات الخوصصة والتبخيس… لذا فالذين ينتقدون الحكومة أو يتلذذون بجلد حزب سياسي معين أو جلد تيار مجتمعي أو جلد السلطة أو التبخيس من قيمة الأطباء ورجال الأمن والدعاة ورجال التعليم هو شخص خارج إطار اللحظة والتعاقد المجتمعي حولها… فالظروف التي تشتغل فيها أطر الداخلية والصحة والتعليم ليست طبيعية بل هي مفاجئة لذا تكاثرت الأخطاء التي تبدو لمن هو جالس في بيته متناقلا النكت وصور أعماله البيتية أنها كارثية وصعبة التصديق… لكنها بالنسبة لجندي الميدان هي أمر عادي في زمن غير عادي… فطريقة النقاش ينبغي أن تتغير … فما كان ممكنا في الزمن العادي لم يعد كذلك في حالة “الحرب”…قد تكون أخطاء هنا وهناك لكن لا الزمن زمن المحاسبة ولا الوقت وقت الجدال… فدعونا نفكر في خلاصنا الجماعي بدل خرق السفينة…
31/03/2020