أحمد عصيد
إلى إخواني المغاربة الذين بذلوا جهدا كبيرا لكي يصنعوا لي صورة أخرى غير صورتي الحقيقية:
لا تحاولوا أبدا الكذب على شخص يُجري 18 حوارا إعلاميا في خمسة أيام، ويكتب 120 مقالا في السنة، ويشارك فيما بين 70 إلى 80 ندوة ومحاضرة في بضعة أشهر، ويُقدّم برامج إذاعية وتلفزية طوال العام، دون ذكر المؤلفات، ودون الحديث عن التواصل اليومي مع الشباب والهيئات المدنية والسياسية المختلفة، وكذا الاتصال مع المسؤولين في القطاعات المختلفة.
أتعبتم أنفسكم في غير طائل، وسأرشدكم الآن إلى الطريقة المثلى للقضاء عليّ: أن تعملوا على مناقشة أفكاري ونقدها باعتماد حُجج وبراهين مُضادة وصحيحة، فالأفكار تظلّ حية إن لم يتم دحضها وبيان خطئها، ومن لم يستطع فعل ذلك فليعانق الحكمة القديمة “الصمت حكمة”، لعله يستر جهله.
********
أمام مقهى “باليما” العريق بالرباط، حياني شخص وبادرني بالكلام قائلا: “أنا لا أتفق معك في أفكارك، قلت :”مثلا ؟” قال :” أودي هاديك العربية ديالك ما كا نفهمو فيها والو”، ضحكت وقلت : “إذن، إذا فهمتُ كلامك، أنت تختلف معي لأنك لم تفهم شيئا، وهذا مفهوم جديد للاختلاف”.
يُعبر هذا المواطن عن رغبة في “المشاركة”، لكنه لا يقرأ ولا يسمع ما يقال، إنه غير مهتم بالمعنى، كما لا يتوفر على المعارف الضرورية وعلى مهارات الفهم والتحليل والنقد، لكنه رغم ذلك يريد تحقيق ذاته بـ”المشاركة”، وبما أنه لا يستطيع بناء موقفه الخاص، ينضمّ إلى الأغلبية حيث يشعر بدفء “الجماعة”، معتقدا أنه سيكون في أمان من الخطأ.
********
مرة أخرى يستعمل البعض القضية الفلسطينية للتشهير بمن يخالفهم الرأي في أمور وقضايا أخرى، وهو أسلوب غير شريف لأن من يقومون به يعرفون موقفي من القضية ومن حق الشعب الفلسطيني، والذي هو موقف جميع الحقوقيين، وقد عبرت عنه عشرات المرات للصحافة، لكن إيديولوجيي “القومية العربية” و”الإسلام السياسي” لا يقبلون إلا أن “تتضامن” مع فلسطين من تحت عباءتهم، وبأسلوبهم، وهو أمر غير ممكن، لأنني أعتبر هاتين الإيديولوجيتين وبالا على قضية الشعب الفلسطيني وعلى كل القضايا التي قامروا بها.
*******
يبدو أن الناس متحمسون لقتل مجرم طنجة فقط لأنه أضاف إلى جريمة الاغتصاب جريمة القتل، بينما يدافعون بكل التبريرات الواهية عن أئمة المساجد الذين ما فتئوا يغتصبون الأطفال وفضائحهم في المحاكم تزكم الأنوف طوال السنة، يُفسر هذا لماذا يهربون من مناقشة الظاهرة وأسبابها وأبعادها، ويريدون فقط التعجيل بقتل القاتل.
إن الاغتصاب في حدّ ذاته لا يُحركهم، ولهذا علينا أن نكون قد وصلنا إلى نقطة اللاعودة في هذا الموضوع: فحتى لا يكون هناك قتلة للأطفال، علينا أن نجتثّ اغتصاب الأطفال من مجتمعنا.