حسوني قدور بن موسى
المحامي بوجدة – المغرب
وقفت احدى الأمهات الفلسطينيات على قبر ابنها الشهيد في انتفاضة الأقصى تبكيه بدموع الحزن و الأسى، فنظر اليها رجل عجوز من المارة فقال :” لقد أحرزت هذه المرأة السبق على الحكام العرب الخونة في هذا الزمان ، زمن الاذلال والاستسلام والركوع لليهود الصهاينة ، انها ليست مثلهم ، فهي تعرف تمام المعرفة على من تبكي و من الذي سبب لها هذا الحزن الشديد انها موفقة لأنها تدرك حالها و تدرك من أجل من يجب البكاء ” انها تبكي على ابنها الشهيد و على حال العرب الذين اعتراهم الهم و الغم و قد جلسوا يكابدون الأحزان و الهزائم تلو الهزائم طوال أكثر من 70 عاما مضت على اغتصاب فلسطين فأصبحت أجسادهم واهنة و ارادتهم ضعيفة لذا وقعوا في الحيرة فتحولت حقوقهم الى تنازلات و تحول الممكن الى أمنية و ربما الى مستحيل حتى صارت الأمة العربية لا تعي أن التنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني يجرالى تنازلات أخرى و أن التنازل يدفع اسرائيل الى التشدد لتحقيق أطماع أخرى والمزيد من المكاسب و الانتصارات و قد أصيب العقل العربي بالجمود و الاضمحلال و الانحطاط ، و لعل أخطر نتائج النكبة و انعكاساتها على أرض الواقع هو استيلاء الكيان الصهيوني على نحو 78 في المائة من أرض فلسطين التاريخية متجاوزا بذلك قرارالتقسيم رقم 181 الصادرعن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1947 علاوة على اقتلاع و تهجير سكان الأرض الأصليين حيث غادر فلسطين أثناء الحرب و بعدها زهاء 940 ألف لاجئ فلسطيني و ترتب على ذلك صدور القرار رقم 194 عن الجمعية العامة للأمم المتحدة و المتضمن : ” وجوب السماح بالعودة في أقرب وقت ممكن للاجئين الفلسطينيين الى ديارهم و وجوب دفع تعويضات عن ممتلكات أولئك الذين تضرروا من التهجير و عن كل مفقود أو مصاب بأذى لكن كل هذه القرارات الأممية العديدة تبخرت و مات العديد من كانوا ينتظرون العودة الى أرض فلسطين و نشأ جيل أخر في المهجر يتطلع الى العودة لكن لا يعرف الاتجاه الذي يوصله الى ديار أبائه و أجداده و لا زال الشعب الفلسطيني يعيش النكبات و المأسي و الاضطهاد و القمع و القتل و ضم الأراضي بقوة السلاح أمام أنظار العرب و المسلمين والجامعة العربية القابعة في حفرة الضعف و الفشل منذ نشاتها ، و لا غرابة في عقد اتفاق الخيانة بين الامارات و اسرائيل التي تبرم اتفاقات منفردة مع الدول العربية المشتتة والمتقاتلة فيما بينها فمنذ اتفاق” كامب ديفد ” سنة 1978 بين مصر و اسرائيل برعاية الرئيس “جيمي كارتر” تنهال على فلسطين طعنات التطبيع العلنية و الخفية من ذوي القربى و ظل الحكام العرب الذين نصبهم الاستعمار الغربي يستعملون القضية الفلسطينية لامتصاص غضب الجماهير العربية و لم يكونوا جادين في تصديهم للعصابات الصهيونية بل كانوا مجرد منفدين لأوامر الدول الغربية و على راسها بريطانيا و أمريكا و لذلك نجد أن قرارات الجامعة العربية كانت لا تتناسب بأي حال من الأحوال مع الأحداث التي كانت تجري في فلسطين و حتى قرارالحكام العرب بارسال جيوشهم الى فلسطين لم يكن سوى مجرد مسرحية من وحي الحكومة البريطانية و الأمريكية لتغطية خططهما الشيطانية في زرع الكيان الصهيوني الغريب في قلب الوطن العربي و بسط السيطرة على المنطقة العربية و على منابع النفط و اقامة قاعدة متقدمة للامبريالية و سيفا مسلطا على رقاب الشعوب العربية ، و منذ بداية النكبة كانت خيانة القضية الفلسطينية ظاهرة للعيان حيث أن الجيش الأردني كان يقوده الجنرال البريطاني ” كلوب باشا” و بريطانيا هي التي سلمت أرض فلسطين للصهاينة لكن الحكام العرب تراجعوا عن معارضتهم للجنرال البريطاني بضغط من بريطانيا و تسلم” كلوب باشا” قيادة الجيوش العربية و كان ملك الاردن عبد الله يغتنم كل فرصة لكي يؤمن لنفسه الاستفتادة مما ستؤول اليه الأمور و كان يجري اتصالاته السرية مع ” حاييم وايزمان” أشهر شخصية صهيونية بعد ” تيودور هرتزل ” الذي لعب الدور الأساسي في استصدار وعد بلفور عام 1917 و سلم الملك عبد الله مدينتي ” اللد ” و ” الرملة ” للصهاينة دون قتال و نال الملك عبد الله ثقة الصهاينة بعد أن أمر القوات العربية التي وصلت الى أبواب تل أبيب بالتراجع الى الوراء و العودة الى مراكزها متيحا الفرصة للصهاينة لتنظيم صفوفهم و جلب الأسلحة و المعدات للتصدي للقوات العربية و كانت حرب 1948 من أكبر العوامل التي أدت الى سخط و غضب الجماهيرالعربية بسبب الجريمة التي ارتكبها النظام المصري الحاكم أنذاك و على رأسه الملك فاروق عندما أرسلوا جيش مصرالى الحرب بسلاح فاسد و بلا ذخيرة و معدات لكي يلقى الهزيمة على يد الصهاينة، لم تكن مواقف الدول العربية متفقة حول القضية الفلسطينية منذ مؤتمرأنشاص في مصر في 27 ماي 1646 و في مؤتمر الخرطوم في 1 شتمبر 1967 تم الاعلان عن مبدأ: “لا صلح لا اعتراف لا تفاوض” مع اسرائيل و كانت هي الكلمات القوية لا تعبر فعلا عن ارادة عربية جماعية بل كانت تستعمل من أجل الاستهلاك السياسي لتخديرالشعوب العربية و خداعها الى أن وصلنا الى مؤتمر القمة المنعقد في الرباط سنة 1971 فكانت نقطة تحول جدرية خطيرة على القضية الفلسطينية يمكن اعتبارها بداية النكبة السياسية التي وصلت بها الى حضيض منحدر التنازلات عن حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة ، في هذا المؤتمر كان الاعلان عن تراجع سياسي كبير و خطير في تاريخ القضية الفلطينية و هو اعتبارمنظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي و الوحيد للشعب الفلسطيني بدلا من اعتبار القضية الفلسطينية هي قضية العرب جميعا و كان ذلك يهدف الى تجريدها من جدورها و ابعادها العربية و الاسلامية و اعتبارها قضية الفلسطينيين على وجه التخصيص ليتحول الصراع من صراع عربي – اسرائيلي الى صراع ثنائي بين اسرائيل و الشعب الفلسطيني و كأن العرب لا شأن لهم بهذه القضية ، كانت “جولدا مايير” تدرك جيدا أن العرب متفرقين مشتتين لا يقدرون على فعل شيء فقالت سنة 1967:” عندما أحرقت القدس لم أنم طوال الليل كنت أعتقد أن العرب سينزحون الى اسرائيل من المحيط الى الخليج لرمينا في البحر و في الصباح لم يقع أيشيء فتأكدت حينئذ أن العرب نائمون لا يستطيعون فعل شيء “.