عبد اللطيف مجدوب
دماء ودموع ودخان مليارات تحترق!
يكاد المشهد العام (Panorama) في أوكرانيا ومحيطها؛ وتبعا لمعظم وسائل الميديا العالمية؛ يُختزل في صورة مأساوية؛ ما زالت وقائعها تستشري، ولا أحد حتى الآن، يستطيع أن يتكهن بمآلها وأبعادها ووقعها على مسار التجارة العالمية ولا على العلاقات الدولية، بيد أن الباحث الرصين لا يملك سوى التصدي لها بتساؤلات استراتيجية، من قبيل: مآل التحركات العسكرية الروسية باتجاه أوكرانيا؛ آفاق المفاوضات السياسية الروسية الأوكرانية حينا والروسية مع دول الغرب حينا آخر؛ مستقبل الاقتصاد العالمي في ظل العقوبات المفروضة على روسيا؛ نزوح الساكنة الأوكرانية إلى أين..؟
العقوبات والإصرار العسكري الروسي
سارعت الدول الغربية بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية إلى فرض حزمة عقوبات اقتصادية على روسيا؛ يتفاوت وقعها بين المالي والتجاري والسياسي والسيبيراني؛ اعتقادا أنها الكفيلة للجم جموح الآلية السياسية الروسية، وتقزيم دورها على الساحة الدولية، في اتجاه تراجعها عن طموحاتها السياسية والعسكرية، بيد أن الواقع الميداني؛ حتى الآن وبعد مرور قرابة الشهر على اندلاع الأعمال العسكرية بين الجانبين؛ تشهد على مواصلة الزحف الروسي واحتلاله لعدة بلدات أوكرانية، عدى أعمال الدمار التي ألحقها بعدة مرافق حيوية، أو السيطرة عليها، مما حدا ببعض الدول الغربية ؛ وخشية التوسع الروسي وتداعياته على الاتحاد الأوروبي تحديدا؛ إلى تعزيز آلية العقوبات بإمداداتها من الأسلحة إلى أوكرانيا، وكأن هذه الأخيرة أصبحت تحارب بالوكالة عن الاتحاد الأوروبي، إلا أن هذا النهج الاستراتيجي؛ حتى الآن لم يشهد له العالم كبير مضاعفات تذكر على المخطط العسكري الروسي الذي يسعى إلى تجريد أوكرانيا من الأسلحة وإرغامها على اعترافها بالأمر الواقع بما فيه جزيرة القرم.
وساطات لاحتواء النزاع (إسرائيل على الخط)
هناك قنوات مفتوحة بين موسكو وعدة عواصم غربية وشرق أوسطية؛ بما فيها إسرائيل التي تمتلك أوراقا مهمة للعبها على مستوى السياسة الدولية، فضلاً عن هيمنتها على الأسواق المالية، مما يمنح لخطابها الفعالية القصوى، ويجعل من تدخلها كوسيط مكشوف الأثر البالغ، في محاولة لردم الهوة بين موسكو وبقية العواصم الغربية بما فيها كييف، لكن هذه الوساطة ما زالت لم تنضج بعد، ولا يمكن التكهن بنتائجها، وإن كان سيكون لها دورها الحيوي أولاً في ضمان ممرات إنسانية آمنة للنازحين الأوكرانيين والحد من حدة المعارك العسكرية.
الاقتصاد العالمي في مرمى الصواريخ والعقوبات
كل الخبراء الاقتصاد باتوا ينظرون بسوداوية كبيرة إلى ما ستؤول إليه أسواق المال والتجارة العالمية في ظل التعنت العسكري الروسي، لا سيما عقب فرض عقوبات وخيمة، يرون أنها ستزيد في تأجيج حدة الصراع وتداعياته على مستويات العيش البشري! كتصاعد وتيرة الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة، والرفع من اشتداد الخناق الاقتصادي واتساع الهوة بين الطبقات الاجتماعية إلى مؤشرات قد تنذر بتفكك الدول ونظمها الاجتماعية.
مدى الاستجابة لمطالب الدب الروسي؟!
حتى الآن؛ وقرابة الشهر؛ على اندلاع الهجوم العسكري الروسي على أوكرانيا، لا تلوح في أفق المدى القريب ليونة ما في الموقف الروسي تجاه أكرانيا، على الرغم من جولات المفاوضات، إذا استثنينا التوافق على الممرات الإنسانية، فاحتلاله لجزيرة القرم وإلحاحه على نزع السلاح الأوكراني وتلويحه بقطع إمدادات غازه إلى أوروبا، وتهديده باللجوء إلى استعمال السلاح النووي.. كل هذه الخصوصيات في الموقف الروسي المتصلب قد تدفع الغرب إلى البحث عن سيناريوهات لتفجير روسيا من الداخل، وبالتالي النفوذ إلى مركز قراراتها أو بالأحرى تطويق سلطة رئيسها فلاديمير بوتين الذي أصبح ينظر إليه الغرب كديكتاتوري؛ استيقظ فيه فجأة الحنين إلى عهد لينين وستالين.