عبد اللطيف مجدوب
هناك أرقام وإحصائيات؛ وإن كانت غير محينة؛ تفيد بأن العدد الإجمالي للمحالين على المعاش “التقاعد” يصل بالكاد إلى ثلاثة ملايين متقاعد في كل القطاعات الوظيفية والمهنية، المدنية منها والعسكرية، كما يلاحظ عدم وجود هيئة أو نقابة مخول لها بالقانون التعريف بهذا القطاع والدفاع عن حقوقه وحاجياته، إذا استثنينا بعض الجمعيات التي تشتغل في الظل، ولا تكاد أنشطتها تتجاوز الجانب الترفيهي، وتنظيم رحلات “سياحية”، هذه الجمعيات، وكما ينص عليه القانون الداخلي لوزارة الشؤون المالية والاجتماعية، أو الصندوق الوطني للتقاعد تحديدا؛ على وجود تمثيلية لها داخل جلساتها العمومية.
كما أن النقابات الأكثر تمثيلية في المجالس الإقليمية والبرلمانية ليس في “أجندتها” إشارة إلى قضايا وحقوق هذه الشريحة الوطنية التي أبلت البلاء الكبير في الدفع بعجلة تنمية البلاد، على أكثر من صعيد.
وبالنظر إلى هذا التجاهل والتعتيم المطبق على قضايا وحقوق فئة المتقاعدين، ظل ملفهم؛ بهذا الخصوص؛ منسيا أو بالأحرى متقاعدا هو الآخر، فقط هناك موقف رسمي حكومي صارم، تشهره بين الفينة والأخرى في وجه المتقاعدين كالسيف يقضي بأن “صناديق التقاعد” على حافة الإفلاس “Faillite” وترديد متلازمة بأن الحكومة “عاكفة على التفكير” في موارد مالية لإنعاش السيولة المالية لهذه الصناديق، أو إقدامها على الرفع من سن التقاعد الوظيفي.. بيد أن حاجياته وقضاياه؛ في ظل ارتفاع تكلفة العيش؛ تظل مسكوتا عنها. وللتدليل على حجم المعاناة التي يلقاها معظم المتقاعدين المغاربة، يكفي إيراد المؤشرات التالية:
– معظم المتقاعدين لا يتجاوز معاشهم الشهري من ألف إلى ألف وخمسمائة درهم؛
– رواتب التقاعد ظلت جامدة لأكثر من عقود خلت؛
– حاجيات المتقاعدين الصحية والتطبيبية “Médicament” تلتهم أكثر من %70 من معاشاتهم؛
– هناك فئة؛ وسط شريحة المتقاعدين؛ مازال معاشها لم يبارح 800,00 درهم، منذ ثلاثين سنة! جل أصحابها ينتمون إلى القطاع الخاص؛
– يلاحظ عموما أن متوسط معاش التقاعد ظل جامدا، بعد أن عايش زيادات في تكلفة العيش تقدر بنحو %400.
ويعني هذا؛ في المحصلة؛ أن الغلاف المالي لمصاريفه تضاعف خمس إلى ست مرات، عما كان عليه منذ سنوات، وبالتالي أصبح يعيش على “الفتات”، ولا يسمح له معاشه الهزيل سوى بتغطية %5 من حاجياته الضرورية.
المتقاعد لدينا ونظيره في دول مجاورة!
وحري بالإشارة إلى أن معظم المحالين على المعاش يقضي سحابة يومه مترددا بين “حلقات” لعبة “الداما/الدومينو”، وجلسات أحاديث الماضي البائد، عموما ليست هناك لا مقار ولا نوادي يختلفون إليها، إذا استثنينا تحديدا أندية خاصة برجال التعليم في بعض المدن الكبرى، وبخدمات جد بسيطة، في حين أن فئة المتقاعدين بدول أخرى تمنح لهم الدولة خدمات جلى، بما مقرات خاصة بهم، فضلا عن منحهم تخفيضات التسوق والتنقل واقتناء الأدوية والتطبيب؛ تصل في معظمها نسبة %90، ما يشي بحقيقة مرة؛ ونحن نعقد هذه المقارنة الفلكية بين فئتي المتقاعدين لدينا ونظيراتها في الدول الديمقراطية؛ أن متوسط عمر المتقاعد لدى هذه الأخيرة يصل بالتقريب إلى 80 سنة، بينما لا يتجاوز عندنا 70 سنة في أفضل الحالات.
لماذا لا نكرم هذه الشريحة؟!
عديدة هي الدول والحكومات التي تتوفر على منظومات مالية دينامية مرنة ومتكيفة مع مستجدات واقع المعيش اليومي، فكلما مست زيادة كتلة الأجور بصفة عامة انسحبت بأثر رجعي على كل القطاعات بدون استثناء، بما فيها قطاع المعاشات، وذلك حرصا على إيجاد توازن تام بين الأجور والنفقات، وحتى يظل المتقاعد في مأمن من كل الزوابع والطوارئ التي قد تهدد مساره المعيشي، فلماذا لا يسارع المغرب إلى حذو هذه الدول والحكومات في تكريم أصحاب المعاشات لديها؟!