عبد اللطيف مجدوب
سلسلة أطفالنا انتظاراتنا (2) : الطفل المدلل
دلال الطفل ظاهرة تربوية قديمة؛ لها جذورها وتمظهراتها وأبعادها السيكوسوسيولوجيةPsycholociological ، ويمكن القول إن ظهور الدلال لدى الطفل كان دائما مرتبطا بوضعية الأسرة من حيث عدد أفرادها ومحيطها الاجتماعي.
تجمع القواميس التربوية؛ بالكاد؛ على تعريف الطفل المدللSpoiled child بأنه “… تعبير ازدرائي يستهدف الأولاد الذين يعانون مشاكل سلوكية، ويمكن النظر إليهم بأنهم “منغمسون في الملذات” أو متكبرون أو نرجسيون أو منكفئون على ذواتهم ، أنانيون ..”
وفي بيئتنا المغربية؛ أو بالأحرى في ثقافتنا وبشكل عام؛ ينظر إلى الطفل المدلل “ولد لفشوش”، “ولد أبّاه أومو” الذي تلبى له جميع حاجياته، ولا يمكن بحال أن تكون محل اعتراض أو انتقاد أحد أفراد العائلة وخاصة الأبوان.
بيئة الدلال (Spoiling Environment)
هناك جملة من المداخل ذات علاقة ببروز ظاهرة الدلال؛ يأتي على رأسها البذخ واليسار الاقتصادي الذي يفتح فيه الطفل عينيه، فحاجياته تلقى تلبية وترحيبا من لدن الأبوين؛ لا سيما إذا كان الأول (البكري) في ترتيب الأبناء أو ذكرا وسط إناث.. على أن بحبوحة العيش لم تكن لتفصل بين دلال أسرة ثرية ودلال أسرة متوسطة، فالدلال يتماشى مع القدرات الاقتصادية لكل أسرة؛ فبينما يمكن للأولى تلبية حاجة ابن مدلل لها باقتناء سيارة، يمكن للثانية أقل ثراء اقتناء دراجة.
ولهذه الظاهرة جذور يمكن التماسها في شخصية أحد الأبوين، فكم من أب يتحاشى أن تسلك تربية ابنه نفس المسيرة الشاقة التي عانى منها في صغره والتي كانت مطبوعة بشظف العيش وقلة ذات اليد.. فيسعى حينئذ إلى الاستجابة لحاجياته مهما عز ثمنها.
كما أن للمجتمع ومحيط الجوار خاصة أثره في تكريس سلوك الدلال لدى الطفل؛ سواء عبر الميديا ووسائط التواصل الاجتماعي، أو من لدن أبناء الحي، علاوة على قضية تناقص زمن الاهتمام بتربية الطفل، والذي غالبا ما يوكل للخادمة أو الجدة أمر الاضطلاع بها؛ في ظل اتساع رقعة الحاجيات الاقتصادية واضطرار خروج الأبوين لمزاولة أنشطة مدرة للدخل خارج المنزل.
تمظهرات السلوكيات المدلّلة
تنمو شخصية الطفل المدلل بلامبالاة تكون مماثلة للقول المأثور “ترك الحبل على الغارب”؛ سلوكياته ومواقفه ليس واردا أن تكون محل مناقشات أو انتقادات داخل المنزل، ومن ثم تنحو به شخصيته إلى النرجسية والانكفاء على الذات، وتصبح له نظرة عدائية تجاه كل من توجهت إليه سبابته بنقد أو قدح، وهي شخصية تحمل صاحبها؛ في مساره الاجتماعي وعلاقاته؛ على الاصطدام بالآخرين لأنهم ـ برأيه ـ كلهم خطاؤون وهو الوحيد الذي على صواب، حتى وإن خرق قانونا أو اغتصب حقا، فهو ميال إلى النصب والاحتيال لإرضاء أنانيته ونزواته، وكثيرا ما يشعر؛ ضمن معترك الحياة؛ بفقدانه القدرة على المواجهة والدفاع، وبالتالي يلجأ إلى أساليب التختل واختلاق الأسباب الواهية لتحاشي الصدام.
هذه السلوكيات الهوجاء هي ما بات مجتمعنا يعج بها؛ لا سيما في العشر سنوات الأخيرة؛ وهي الظاهرة التي يطلق عليها المغاربة مثل “أوْلد أوطلق” وهو ما يعني ترك الحبل على غارب الطفل ومواجهته الضياع منذ طفولته المبكرة.
حقنة تربوية للعلاج
ليس واردا قط علاج ظاهرة الطفل المدلل إلا في حالتها المبكرة، بين سني (4 إلى 6)؛ وفي ما يلي بعض التدابير التي يمكن أن تلازم تعاطينا مع الطفل:
* إشراكه في معرفة وتقدير قيمة الأشياء؛
* الترفع عن إجابة حاجياته إلا لظروف اضطرارية، وحتى موقف “دعه يبكي ويصرخ حتى ينتهي” ليس بأسلوب تربوي سليم، بقدر ما هو أسلوب عناد وعنف ومبادلة الألم بالألم؛
* إشعاره بأن لعبته إذا ما أصابها عطب فسيحرم منها ولا يمكن تعويضها؛
* ابن الجيران ليس مقياسا عادلا لتلبية رغبات أبنائنا، فاقتناء دراجة يمكن تحويله إلى اقتناء دراجة أخرى أقل كلفة وأفضل جودة، أو تكون مرهونة بإنجاز عمل ما كحصوله على درجات دراسية متفوقة؛
* إشراك الأبناء؛ منذ وقت مبكر؛ في الاستماع لآرائهم ومواقفهم تجاه قضايا عديدة، تجري داخل المنزل أو خارجه، والعمل بها إذا اقتضته الضرورة؛
* إسناد مهام حيوية داخل المنزل كتوضيب غرفة النوم وترتيب الأدوات والبحث عن أشياء طالها النسيان أو اقتراح ديكور لغرفته ؛
* انخراط الطفل مبكرا في مزاولة الأنشطة الرياضية أمر حيوي جدا لتنمية شخصيته وتفاعلها بنجاح مع آخرين، وانفتاحها داخل فريق أو زمرة من الأصدقاء أو المجتمع ككل؛
* مراقبة سلوك الأطفال أمر حيوي لا مندوحة عنه، لكن ليس باتباع الأسلوب البوليسي القائم على أسلوب المباغتة والقمع والعنف.