عبد اللطيف مجدوب
مقاربة الموضوع تضعنا أمام مداخل تربية ـ أسرية وسوسيو اقتصادية وأمنية صرفة، فظاهرة “قلة التْرابي” أصبحت مألوفة لدينا كسلوكيات اجتماعية عفنة؛ تتعارض وقيم السلوك المدني الحضاري العام، وتشكل في الآن الواحد الحلقة المفقودة بين النموذجين “السلوك الراهن” والسلوك المثالي القدوة. هذا الأخير كان، إلى عهد قريب، يتجسد في الآباء والأمهات، علاوة على الأساتذة والمربين وبعض المرافق التربوية غير المباشرة كالإعلام ودور العبادة…
فالسلوك “القدوة” تم تشييئه وغمره بنصوص تزدان بها الكتب المدرسية والتنشئة التربوية، وزاد أن نحّى أثره من الواقع اكتساح وسائط التواصل الاجتماعي لحياة كل الأسر المغربية، والتي عملت على تنميط عيشها بالركون إلى زحف هذا المارد، فانحصرت مهمة تربية النشء في تغذية أوقاته بمشاهد وصور يظل مدمنا عليها منذ نعومة أظافره، بينما الآباء والأمهات والإخوان والأخوات ألقوا بكل جوارحهم في أتون هذا الفضاء الأزرق.
السلوك الأرعن وتصدره الحياة العامة
لتقريب القارئ من هذا المبحث تكفي الإشارة إلى بعض الحوادث الاجتماعية التي جرت مؤخرا كعينة من السلوك اللاإنساني:
* حادث قطار بوقنادل وتقاطر الذئاب البشرية عليه، أملا في النهب والنشل والغصب،
* حادث نهب حافلات الأضاحي ليلة العيد وتكرارها بكل من فاس والبيضاء،
* واقعة مغادرة بعض المتعافين من كورونا مستشفى بنسليمان، محملين بإزارات وأغطية وصنابير!
* حادث 1991 وإحراق السيارات والمرافق العمومية،
* حادث تزامن مع “الربيع العربي” وإقدام عصابات على أعمال النهب والتخريب،
* حوادث القتل شبه اليومية داخل الأسر،
* ظاهرة التلوث التي تصاحب عيد الأضحى،
* ظاهرة الرعونة في السياقة.
يمكن أن نصنف مثل هذه الحوادث تحت عنوان واحد “عدم وجود كوابح” اجتماعية وأسرية مغروسة في شخصية المواطن، تجعله يميز بين البناء والتخريب، ويتورع عن الإقدام على الأعمال الإجرامية أو يتصرف بمحض نزواته وميوله، كما تؤشر، في آن واحد، على أن نظرة عموم المواطنين إلى “سلطة الأمن” بكونها ليست ضابط أمن لحماية النفوس، بل كطرف عدو كلما تم استغفاله كلما أمكن النجاح في عملية السطو.
الجانب السوسيواقتصادي وعلاقته بالسلوك الهمجي
تشير الأرقام وكذا الملاحظة الأمبريقية Empirical (العلمية) إلى أن مؤشرات الجريمة عموما والسلوكيات الخرقاء يشتد وهجها كلما توغلنا في المناطق المهمشة أو التي تعيش ظروفا صعبة، والتي تستوطن عادة هوامش المدن الكبرى، مما يعطي الانطباع بأن السلوك الهمجي الخارج عن حدود الآداب واللياقة له صلة وثيقة بالمستويات الاقتصادية الهشة، ويمكن الاستدلال على هذا بصور الكاريانات ومناطق السكن القصديري حيث تعتمل داخلها قيم أخرى خارجة عن المألوف.
نموذج لحالة انفلات أمني
حري بنا الإشارة إلى وجود فراغ مهول لتأطير المواطنين، ومنحهم “السلوك القدوة” والسلوك السوي داخل المجتمع، فالمؤسسات التي كانت تتولى هذه المهام، ولو بكيفية غير مباشرة، انحسرت أدوارها بفعل القيم الاستهلاكية المادية الجديدة، وبروز أزمة الثقة التي باتت تؤطر علاقة المواطنين بهذه المؤسسات كالأحزاب السياسية والتنظيمات النقابية ومكونات المجتمع المدني والميديا..
لكن يبقى جانب استتباب الأمن أحيانا كأولوية حيوية، في ظل تغول هذه السلوكيات السافرة وتحولها إلى قاعدة تؤثث المشهد الاجتماعي المغربي العام، فالانفلات الأمني، ولو بمدة قصيرة، يفضي إلى كوارث في ابتزاز المواطنين بالجملة، كما حدث ذات ليلة ماطرة، حينما داهمت عصابة من شبان يافعين حيا سكنيا، فجعلت سكانه أمام خيارين: دفع كل منزل إتاوة 200,00 درهم أو اقتحام المنزل وهتك الحرمات.. ولولا تدارك الجهات الأمنية الموقف لكان الحي بأكمله قد عمه الخراب.