سيارات الدولة في المغرب واهدارالمال العام..؟!

admin
2022-06-27T00:15:20+02:00
كتاب واراء
admin27 يونيو 2022آخر تحديث : منذ سنتين
سيارات الدولة في المغرب واهدارالمال العام..؟!

حسوني قدور بن موسى

المحامي بهيأة وجدة   

ان عدد سيارات الدولة الخاصة بمصالح المرافق العمومية أوالجماعات المحلية في المغرب يصل الى أزيد من 130 ألف سيارة مصلحة وهو عدد ضخم يفوق كثيرا عدد سيارات المصالح العمومية في دول عظمى مثل الولايات المتحدة الأمريكية التي تضم ( 53 ولاية) التي لا تتعدى 72000 سيارة و كندا التي لا تتوفرالا على  26000 سيارة خدمة فقط وهما دولتان متقدمتان من حيث المساحة وعدد السكان و المستوى الإقتصادي والتكنولوجي والرفاهية وهما دولتان يتفوقان على المغرب في جميع المجالات ولهما نظام فيدرالي متطور يعطي اختصاصات واسعة للجهات حيث يحتاج الموظفون فيها الى تنقلات ليس من أجل المتعة والنزهة و لكن من أجل خدمة المصلحة العامة للمواطنين تحت مراقبة صارمة لاستعمال هذه السيارات ، و لا يخطر ببال المواطنين في هذه الدول الراقية أن تستعمل سيارات المصلحة العامة التابعة للدولة لأغراض شخصية عائلية.

 وتصنف سيارات الدولة في المغرب وفق الرتب والمسؤوليات و يحدد لها رصيد مالي ضخم جدا يصل الى 450000 درهم أي 45 ألف دولار لسيارات الوزراء و 350 ألف درهم أي 35 ألف دولار لسيارات الكتاب العامين و مدراء الدواوين الوزارية و 120000 درهم أي 12 ألف دولار بالنسبة لسيارات المأموريات من حضورالاجتماعات وغيرها.

 و من الدول التي تتوفرعلى عدد قليل من سيارات الدولة هي اليابان و هي دولة متقدمة راقية مصنعة لا يتعدى عدد سيارات الدولة فيها 3400 سيارة فقط،، و بالرغم من ذلك فان الادارة اليابانية تعتبر من أفضل الادارات تطورا و أداء و هو الأمر الذي يدل على أن الادارات المتخلفة والأكثر بيروقراطية مثل المغرب هي التي تتوفر على أكبر عدد من سيارات الدولة التي تشكل في مثل هذه الدول مصدرا للفوضى و تبذير واهدارالمال العام في التفاهات والملذات والنزهة العائلية والتظاهر بالسلطة والتباهي بالمال والسلطة بواسطة سيارات الدولة التي هي ملك لجميع المواطنين في حين تزداد نسبة الفقر والأمراض والبطالة وانعدام السكن و ضعف الخدمات الطبية وارتفاع نسبة الأمية و الهجرة الى الخارج بحثا عن لقمة العيش بسبب سياسة التهميش والاقصاء و في هولندا فان رئيس الوزراء يذهب الى مقر عمله على متن دراجة هوائية أما في بلادنا فقد أصبحت سيارات الدولة التي تحمل العلامة الحمراء تستعمل في خدمة عائلات وأقارب و أصدقاء رؤساء المصالح العمومية لنقل أطفال الموظفين و رؤساء الجماعات الحضرية و القروية الى المدارس و الزوجات الى الأسواق التجارية و الحمامات و محلات التجميل والتزيين و الحفلات الساهرة و نقل الشيخات والنكافات الى الأعراس كما تستعمل لقضاء العطل والنزهة كل هذا في غياب أليات المراقبة الصارمة لتحديد نطاق استعمال هذا العدد الهائل من سيارات الدولة التي هي ملك للمواطنين اذ تقدر مصاريف التبذير بحوالي  21.600.000 درهم نتيجة فوضى الاستعمالات غير القانونية و الجولان بسيارات الدولة خارج أوقات العمل دون مراقبة ولا محاسبة ، فهناك جماعات صغيرة متخلفة في جميع الميادين يتوفر رؤساؤها على سيارات فخمة تقدرقيمتها بملايين الدراهم و هم أصلا لا يحتاجون الى تنقلات مهمة لخدمة المصلحة العامة ، فالعبرة ليست بعدد السيارات الفخمة بل العبرة بالانجازات التي يحققها رؤساء المصالح في الادارة و الجماعات في الوقت الذي نشاهد فيه رؤساء أكبر البلديات في أوروبا و أمريكا يتوفرون على مستوى عال من الثقافة والكفاءة والخبرة والعلم والمعرفة يفضلون استعمال سياراتهم الخاصة أوالتنقل على متن الدراجات الهوائية بكل تواضع من أجل خدمة المواطنين مع العلم أن هؤلاء الرؤساء يحققون انجازات ضخمة لمواطنيهم في حين نسمع في بلادنا كل يوم عن فضائح الرشوة واستغلال النفوذ واختلاس المال العام من طرف مسؤولين وعمليات تزويرواستغلال النفوذ أبطالها رؤساء جماعات لا يزالون جاثمين في كراسي المسؤولية منذ سنوات عديدة وهذه وصمة عارفي تاريخ بلادنا اذ تنفرد حياتنا السياسية بعدة أمورغريبة لا نجد لها مثيلا في دول أخرى على اختلاف درجاتها من الديمقراطية وهذا السلوك غير الأخلاقي يساهم في اعاقة أي جهد يهدف الى الخروج ببلادنا من الوضع المتردي الراهن الناتج عن الفساد بجميع أشكاله و احتكارالسلطة من طرف المفسدين و رجال المال والأعمال الأمرالذي نتج عنه تسيب في الادارات العمومية واهمال وفساد في جميع القطاعات حتى أصبح الهدف المنشود هو الوصول الى كرسي المسؤولية بأية وسيلة وممارسة التحكم والسلطة المطلقة على الأخرين وبهذا يترسخ الاستبداد في البلاد، أما في الدول التي تحترم ارادة المواطنين فانها لا تتسامح مع المفسدين وفي هذا الصدد قضت محكمة هندية بسنة حبسا نافذا في حق ( توتا سيتغ ) وزيرالزراعة في الحكومة المحلية لولاية البنجاب    بسبب اساءة استخدام سيارة الدولة  خلال توليه منصب وزارة التعليم و أوضحت صحيفة ” هندوستان تايمز” أن المحكمة حكمت أيضا على الوزيرالهندي بغرامة مالية قدرها 30 ألف روبية أي حوالي 600 دولار لكنها أفرجت عنه بكفالة لتمكينه من الطعن في الحكم لدى المحكمة العليا الهندية و جاء في منظوق الحكم ما يلي : ” ان المتهم كان يسيء استخدام سيارة مجلس التربية والتعليم لحكومة البنجاب مما تسبب في خسائر مالية جسيمة و عندما يتصرف شخص يكون على رأس شؤون التربية والتعليم على هذا النحو فلا بد للأخرين أن يسيروا على خطاه” وهذا تعليل سليم و حكيم وصائب لأن القائمين على تربية الأجيال الصاعدة يفترض فيهم أن يكونوا القدوة الحسنة للأخرين و مثلا لهم في النزاهة والاخلاص والمواطنة والديمقراطية و حقوق الانسان، و كان مكتب التحقيقات في البنجاب قد اعتقل وزير التربية الوطنية ” سينغ” عام 2002 بتهم التزوير وحيازة أصول و ممتلكات لا تتناسب مع مصادره المعروفة للدخل تصل قيمتها الى حوالي مليون دولار لأن المسؤولية في الهند مقرونة بالمحاسبة والعقاب و كما هو معروف فان الهند دولة مصنعة و عدد سكانها و مساحتها الجغرافية يفوق المغرب و مع ذلك فانها تفرض قيودا صارمة و مراقبة شديدة على استعمال سيارات الدولة و الحفاظ على المال العام عكس ما يقع في المغرب حيث نشاهد ظواهر التسييب والاهمال و اهدار و تبذيرالمال العام بشكل واسع . و في هذا الصدد يبدي الأستاذ محمد الغلوسي رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام امتعاضه من ظاهرة تبذير المال العام و قال : ” في وقت تعيش فيه مدينة مراكش ركودا اقتصاديا وتعاني فئات اجتماعية كثيرة من تداعيات جائحة كورونا لا يتردد المسؤولون عن هدر و تبديد المال العام في شراء سيارات أو كرائها بأثمنة مرتفعة في وقت يفترض فيه أن يوجه ذلك الى مشاريع تعود بالنفع على المواطن وأضاف قائلا بأن السيارة الواحدة يصل ثمنها الى 208.800 درهم ما يوازي 21.467 دولارا و هو ما يثير أكثر من علامة استفهام حول دواعي الأمر في ظل امتلاك مجلس الجماعة الحضرية لمراكش لأسطول مهم من السيارات ما زال قيد الخدمة. وكلنا يتذكرالضجة الاعلامية التي تناولت اقتناء وزيرالأوقاف لسيارة فخمة أخر صيحات السيارات الألمانية والتي يفوق ثمنها 90 مليون سنتيم وهناك بعض المسؤولين سجلوا سيارات الدولة بأسماءهم و أصبحت تحمل أرقاما عادية ، فهذه الاختلالات في استعمال سيارات الدولة و اخلاس المال العام هي التي أحدثت ثقبا كبيرا في خزينة الدولة المغربية التي هي ملك للمواطنين . و يستفيد رجال السلطة و رؤساء الجماعات والموظفون من مجموعة من الامتيازات و التعويضات هذا فضلا عن سيارات الدولة التي يسمونها سيارات المصلحة يعني مصلحتهم الخاصة و تتحمل خزينة الدولة نفقات هذه السيارات التي تثيرانتقادات حادة في ظل اتهامات بتبذيرالمال العام ، وبشأن التبذيرعلى مستوى رواتب و معاشات البرلمانيين في المغرب يتصدر رئيس الحكومة السابق عبد الاله بنكيران أعلى الرواتب اذ يصل راتب المعاش الذي يحصل عليه الى 70.000 درهم بينما يبلغ راتب رئيس الجمهورية الفرنسية 8500 يورو، هذا مع العلم أن الفارق شاسع جدا بين المردودية السياسية لكل من المسؤولين، و لا زلنا نتذكر وضعية بنكيران قبل توليه رئاسة الحكومة عندما كان يملك سيارة “رونو ” بسيطة جدا الى أن تحول كليا و بدل ثوبه فأصبح يمتطي سيارة فارهة من مرسديس قيمتها 80 مليون سنتيم وسيارات رباعية الدفع أمام منزله من نوع “تويوتا ” لا يقل سعرها عن 50 مليون سنتيم ،هذا هوالتغييرالذي يناضل من أجله زعماء الأحزاب السياسية في المغرب الذين يسعون الى تحقيق أرباح  بدون محاسبة و لا أداء ضرائب كباقي المواطنين في هذه البلاد حيث تتراكم الثروة في أيدي قلة من الأشخاص فينعكس التناقض الأساسي في الرأسمالية بين الطبيعة الاجتماعية والشكل الرأسالي الخاص للتملك في التطاحن بين طبقتين أساسيتين في المجتمع هما الطبقة المضطهدة التي تتحمل الواجبات مثل أداء الضرائب والتي تناضل من أجل العيش الكريم و الطبقة المسيطرة التي لا تؤدي أي شيء و تمثل رجال المال والأعمال و المحظوظين من الموالين للسلطة الحاكمة الذين يمتصون دماء المواطنين دون رحمة و لا شفقة و هنا يكمن خطرانهيارالدولة.

و رغم مطالبة العديد من المركزيات النقابية و الجمعيات الحقوقية و هيأة حماية المال العام بوقف التبذير في الادارات العمومية و التجاوزات التي يشهدها استعمال سيارات الدولة معتبرين أنه من الضروري وضع أليات للمراقبة تضمن استعمالها بشكل ملائم مع جاجيات الادارة و كذلك منع من ليس لهم الحق في استعمال هذه السيارات ، يتواصل العبث و الاستهتاربالمال العام.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.