اللقاءات الصحفية التي يتاح للسيد الرئيس تبون أن يعقدها مع الصحافة الجزائرية… تسري فيها ذبذبات كاهرومغناطيسية متصاعدة القوة… تبدأ ضعيفة حين حديثه عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية وعلاقتها بهزال القدرة الشرائية للمواطن الجزائري… وترتفع حدتها عند الحديث عن الديمقراطية وحرية التعبير في الجزائر… ويشتد وجيبها وتتسارع وتتراقص خطوط بياناتها كلما طلب منه أن يطلق الكلام حول المغرب… ولا بد أن يحضر المغرب في لقاءات السيد الرئيس مع صحافته… المغرب مبرر رئاسته… والمغرب متعته في ممارسته “تكاليف” مهامه.
على نفس خط سوابقها… كان لقاء الرئيس تبون مع صحافته، الثلاثاء الماضي… وكما “ينبغي” وكما اعتاد عليه… حضر المغرب… مثل تلك الحديقة الشهيرة في تلك الطرفة حول “عادات تلميذ في تمارينه الإنشائية”… كان تحدث عن قرب صدور قانون جديد للإعلام للتصدي للفوضى في الممارسة الإعلامية الجزائرية… واستنكر تطاول بعض الصحفيين الجزائريين على اختصاصات العلماء والباحثين في مراكز الدراسات الإستراتيجية والاجتماعية… وتوعدهم بقساوة الرد والحد، خاصة عند المس بمعنويات الجيش وزعزعة الأمن العام… وهو يعلم، علم اليقين بأن المنتج الأول للضرر، المادي والمعنوي، لكل الجزائر… هو جنرالات النظام العسكري… ويوجهون بعض فائض انتاجهم نحو المغرب، في محاولات فاشلة للإساءة له…
فجأة، تنتاب “الرئيس” قشعريرة بادية على نبرات صوته، هي مابين التلعثم والانتشاء… لينطق بأن “نظام المخزن” هو المنتج لكل الدعاية الموجهة ضد الجزائر وخاصة المعنية بالإيقاع بين الرئاسة وقيادة الجيش… “نظام المخزن”، يقولها بحماس من يستظهر أمام معلمه، شعارا ملغزا، والشك يسكنه في صحة نطقه… قيل له قل فقال، … وإلا يقال. هو لا يفقه لا معنى النظام ولا دلالات المخزن… “النظام”، وحدهم الجنرالات من يفهمه ويتعاطى به ويتناور به… السيد الرئيس هو على هامشه… و”المخزن” هوية دولة وآلية إدارية مبتكرة لتغذية دورها الاجتماعي، خاصة في مواجهة أضرار الجفاف، منذ عهد السلطان السعدي أحمد المنصور الذهبي… وقد أدار بها إمبراطورية شاسعة الأطراف… المخزن كان عصب تلك الدولة القوية، التي استعصت على الإمبراطورية العثمانية حين زحفت جيوشها على شمال إفريقيا.
هو نطق “نظام المخزن” دفعة واحدة كمن يتخلص من حمل مبهم يخفيه ويلقيه بعديا مستعينا بالبسملة وبعض التعاويذ… وليس هذا وحسب ما هو مشين في كلام “الرئيس”، ولا يليق بموقعه الرئاسي… الفاضح أكثر، لخلو الرئيس من “فطنة” الرئاسة، هو قوله بأن كل محاولات الوقيعة بين الرئاسة والجيش وزرع الفتن والأخبار الكاذبة يقف وراءها نظام المخزن، وأن ملف الجزائر والمغرب ثم غلقه ولا يمكن أن تعود العلاقات”، ويضيف بأن العلاقات تأزمت أكثر… هكذا إذن لعن الماضي ويشتم المستقبل… لأنه لا يدري أن السياسة عامة لا تتحمل الإطلاق والمطلقات… أما خاصة، إذا لم تكن موجهة بالحقد وعمى البصيرة، مع الإخوة والجيران. فهي لا تمارس بالقطع ولا تغلق الحدود مع المستقبل كما لو أنها الحدود البرية والجوية والبحرية والأخوية، المغاربية، العربية، الإفريقية، المتوسطية والإنسانية.
ملك المغرب، جلالة محمد السادس، توقع أن يوجد في الجزائر مع من يفتحان سويا الجسور الموصلة إلى مستقبل… واقترح على الرئيس تبون أن يدير الحوار مع المغرب، موضوعا، موعدا ونوعية المشاركة فيه… ملك المغرب، لما تبين أن من توجه إليه، هناك ، ليس فيه “حياة”… صرف النظر عن تلك الجهة… ولم يشعل النار لا في السفن الواصلة مع الأخوة المغاربية ولا في الجسور المؤدية إلى الواقعية السياسية في التفاعل مع الاشتراطات الجغرافية، إذا لم تنفع الموجبات والحوافز التاريخية… ملك المغرب، ملك، حكيم، وقائد تاريخي… ولا مقارنة مع وجود فوارق، افتقارات ومفارقات..
السيد تبون طرأت عليه الرئاسة.. كانت من نصيبه، بخبطة حظ، في حمأة توزيع “المصائر” الذي أشرف عليه الجنرال قايد صالح، ما بين من ألقى بهم في السجن وبين من دفعهم إلى التواري في النسيان وبين من غرسهم في بعض مواقع النظام العسكري… وأنعم على السيد تبون بالرئاسة… الرئيس الذي سلم للجنرال وسام امتنان قبيل وفاته… ومعضلة الرئيس الذي تسلم “الحكم” أنه وضع على رأس “دولة” مرتجة الأركان ومتداعية الروافع السياسية والاجتماعية… بعد “عهدان”، من اشتداد السقم على الرئيس بوتفليقة، والذي جر الدولة معه إلى المصحات ولسنوات… والجنرالات يفيدهم وضعها الحالي… يصولون في أروقتها ويجولون وحدهم… ورئيس بتلك الدرجة المتدنية من “النباهة السياسية”، السيد تبون يسعدهم، هو يتسلى بمظاهر الرئاسة وهم يتولون جوهرها ومغانهما… وتضيع الجزائر ما بينها