- الاستاذ حسوني قدور بن موسى المحامي بهيئة وجدة
عندما يكون الفساد منتشرا في مؤسسات التعليم و خاصة في الجامعات والمجتمع نتيجة الرشاوى و التلاعب بحقوق و مصالح الطلبة و المواطنين ، و هذا ما هو قائم في المغرب منذ سنوات عديدة رغم نضال و كفاح الجمعيات الحقوقية و الاحزاب السياسيةالتقدمية المناهضة للفساد و المفسدين و التي واجهت صعوبات كثيرة في عملها النضالي ، ان أساس أستمرار النظام هو القضاء على الفساد و المفسدين ، ويتجاهل الأشخاص الفاسدين الأعمال الصادقة، ويمنحون الفرص والامتيازات لأولئك الذين يتعاملون معهم في الخفاء بصورة غير قانونية وغير أخلاقية، ولهذا يمكن أن يكون الفساد سببًا في غياب العدالة والنزاهة و هذا له تأثير سلبي على التنمية الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع، وعندما يكون هناك فساد واسع الانتشار في مجال التعليم و القضاء و البنية التحتية والصحة و غيرها من المرافق الحكومية ، فإنَّ الموارد المادية والبشرية المخصصة للإعمار تسرق من طرف المفسدين وتهدر بصورة غير قانونية ، فيؤدي الفساد إلى تضييق الفرص المتاحة للمشاريع الاعمارية وتأخير التنمية المستدامة في الدولة .
من دون شك، أن الفساد في التعليم يقود إلى خلق جيوش من الموظفين الذين لا اخلاق لهم لأنهم حصلوا على شواهد مزيفة عن طريق الرشوة و شراء الشواهد في حين ان الطلبة المتفوقين فمصيرهم الشارع، و يؤثر الفساد أيضًا على الجودة والكفاءة في مشاريع الإعمار، مما يؤدي إلى تدهور البنية التحتية وانعدام فائدتها العامة.
ولتحقيق إعمار فعال ومستدام فانه يجب على جميع أبناء الوطن الشرفاء مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية والمساءلة في جميع جوانب العملية الإعمارية، وضمان توزيع الموارد بطريقة عادلة، ومنع الفساد والاحتيال في المرافق الحكومية و خاصة التعليم الذي هو اساس استمرار الدولة ، إضافة إلى ذلك، يفضل تعزيز قيم النزاهة والأخلاق في المؤسسات الحكومية، وتعزيز مشاركة المواطنين في عملية صنع القرار اليياسي .
إنَّ تعزيز مبدأ الشفافية في جميع جوانب العملية الإعمارية والثقافية والاجتماعية والتعليمية والصحية أساس بناء دولة قوية سليمة من آفة الفساد، فالعقود والمناقصات واستخدام الموارد المالية، يجب أن يكون لدى الجمهور وسائل الوصول إلى المعلومات الضرورية لمراقبة وتقييم العمليات الإعمارية و غيرها من المشاريع.
كما يجب وضع آليات فعالة لمراقبة ومحاسبة المسؤولين في جميع القطاعات عن العمليات الإعمارية، ومن المفترض معاقبة المتورطين في الفساد وتقديمهم للعدالة، وتعزيز دور المجتمع المدني ووسائل الإعلام في مراقبة سير المؤسسات و العمليات الإعمارية والإبلاغ عن حالات الفساد و المسائلة للحفاظ على سلامة الوطن من الفساد ، ويمكن أستخدام الحلول الرقمية لتسجيل ومتابعة العقود والمدفوعات ومراقبة الأداء والتقارير.
إنَّ الفساد يؤدي إلى تراجع الثقة في قدرة المؤسسات الحكومية على توفير بيئة استثمارية نزيهة وعادلة. وبالتالي ينخفض مستوى الاستثمار المحلي والدولي وتتراجع فرص النمو الاقتصادي. إنَّ الفساد يؤدي إلى تشويه آليات المنافسة العادلة في السوق ويمنح الفساد للمؤسسات الفاسدة ميزة غير عادلة على حساب المنافسين الأكثر شفافية ونزاهة. وبذلك َ يتأثر الاستثمار والابتكار، ويقل التنافس وتتدهور جودة المنتجات والخدمات المقدمة. فالفساد يتسبب في تكبد خسائر مالية هائلة على المستوى الاقتصادي، ويتم إهدار الموارد والمال العام في صفقات فاسدة ورشاوى وتلاعب في العقود والمشاريع، وهذا التدهور المالي يؤثر على القدرة في تمويل المشروعات الاقتصادية وتحقيق النمو. فالفساد يؤثر على التوزيع العادل للموارد الاقتصادية ويزيد من حدة الفقر وعدم المساواة، ويتم تحويل الموارد العامة إلى جيوب الأفراد الفاسدين بدلاً من استخدامها في تحسين الخدمات العامة، وتوفير فرص عادلة للجميع.
فالفساد يسهم في تفشي الجريمة المنظمة وتعزيز النشاطات غير القانونية، وعندما يكون هناك تفاقم للفساد يتسبب ذلك في ضعف النظام القانوني وتسهيل الجرائم المالية وغسل الأموال وتهريبها الى الخارج بطرق عديدة ، فيؤثر ذلك على الأمن العام ويعرض أستقرار الدولة للخطر.
إنَّ تأثير الفساد على التعليم كارثيًا، يؤثر بشكل سلبي على الجودة والفرص التعليمية، و يؤدي إلى تدهور جودة التعليم وتقليل فعالية العملية التعليمية، وقد يتسبب الفساد في تعيين أو ترقية الأطر الإدارية و القضاة و المحامين بناءً على الرشاوى والمحسوبية بدلاً من الكفاءة والمؤهلات اللازمة، وهذا يؤثر على مستوى التعليم ويؤدي إلى تراجع معدلات التحصيل العلمي والمهارات لدى الطلاب، وهذا ما يحصل في بلادنا اليوم، علمًا إنه كان منارة علم وحضارة في الماضي خاصة في سنوات الستينيات و السبعينبات حيث كانت الدكتوراه لا تمنح للطالب حتى يمر من عين الابرا و لا تعطى له الدكتوراه الا عن جدارة.
إنَّ الفساد يؤدي إلى عدم توفر فرص التعليم العادلة والمتساوية للجميع، وقد يتم توجيه الموارد التعليمية والفرص التعليمية إلى المناطق أو المؤسسات، التي تتمتع بنفوذ سياسي أو مالي، مما يتسبب في تفاقم الفجوات التعليمية بين الأغنياء والفقراء وبين المدن الكبرى والبادية وهذا ما نحن عليه الآن في المغرب .
قد يتعرض الطلاب وأولياء الأمور لابتزاز واستغلال مالي وجنسي من قبل الأساتذة أو المسؤولين على قطاع التعليم للحصول على دبلومات . والفساد في التعليم يؤثر على التنمية الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع بشكل عام.
يعتبر التعليم من الأهداف الاستراتيجية للدولة، ويجب أن تكون هناك جهة متخصصة مهمتها متابعة المسيرة التربوية، تعمل على متابعة تنفيذ خطط التعليم والمستوى الذي وصل إليه الطلبة على كافة مستوياتهم، ومدى انعكاس إيجابيات تعلمهم على المجتمع والدولة من حيث الثقافة العامة والتطورالفكري والبحث العلمي ومدى انعكاس هذا التطور على مجتمعاتهم وعلى مشاركتهم في بناء الدولة وارتفاع الأداء على مستوى الإدارة العمومية.
فعندما تولى الدكتور طه حسين منصبه كوزير للتربية والتعليم في مصر عام 1950، وضع شعار: “التعليم كالماء الذي تشربه والهواء الذي تتنفسه”.
وفي بلادنا تواجه الجامعة المغربية تحديات كبيرة في ظل ما تتخبط فيه من مشاكل خطيرة تستوجب حلولا استعجالية على المدى القريب، لا سيما ما تعلق منها بإشكالية غياب الجامعات عن تصنيف أحسن الجامعات الإفريقية والعالمية، وهي إشكالية تعكس تدني المستوى التعليمي للطالب الجامعي، وتكشف عن ضعف التأطير الجامعي وتراجع الجامعة المغربية عن دورها الأكاديمي في تشجيع حركية البحث العلمي الذي أُفرغ من مضامينه الميدانية، فأصبح تنظيرا من غير طائل أو فائدة علمية، بل اكثر من ذلك تسربت سوسة الرشوة و البيع و الشراء في الشواهد الى التعليم العالي ، ولقد غابت الجامعات المغربية عن قائمة أفضل 500 جامعة في العالم ضمن تصنيف جديد صادر عن مؤسسة “تايمز هاير إيديوكايشن” المتخصصة في مجال الدراسات والبحوث والتي تعتمد على معايير علمية، منها: سمعة الجامعة ومدى جودة البحث العلمي ونسبة الاقتباس من البحوث الأخرى، النسبة بين عدد كل من أعضاء هيئة التدريس وأعداد الطلاب بأنواعهم، نسبة المدرسين الأجانب الذين يتم انتدابهم للتدريس بالجامعة، مدى تمتع العاملين بالجامعة بسمعة طيبة وخبرة عالية، واعتمادا على هذه المعايير، لم تحصل أي جامعة مغربية، سواء عامة أو خاصة، على التموقع بالمراتب المتوسطة في التصنيف السنوي لسنة 2020، الذي يصنف أفضل 1396 جامعة من 92 دولة حول العالم، إذ حصلت جامعة الحسن الثاني بالدارالبيضاء على الرتبة 104 إفريقيا، تليها جامعة محمد الأول بوجدة في الرتبة 113، وهي مرتبة تضعها في مؤخرة تصنيف الجامعات.
فالجامعة المغربية تعاني قائمة لامتناهية من المعضلات الفكرية والمنهجية، وتفتقر إلى النوعية وإلى سياسة بيداغوجية استراتيجية ورشيدة واضحة توازن بين عاملي الكم والزمن، فبرامج التعليم الجامعي في بعض التخصصات، تتسم بالحشو المعرفي والتكرار والنقص الفادح في الثقافة والمعرفة والسرقات العلمية، إذ يسطو بعض الأساتذة على أبحاث غيرهم وينشرونها بأسمائهم، بسبب انعدام الرغبة العلمية لديهم في البحث وضعف مستوى التكوين الأكاديمي البيداغوجي، ينضاف إلى ذلك مشكل تحويل بعض الموظفين إلى مدرسين في كلية الحقوق على غير الأسس المعروفة، ينتسبون إلى إدارات مختلفة، مثل إدارة الضرائب ووزارة الداخلية والقضاء والبنوك والصحافة وإدارة السجون والمحاماة، الذين اتخذوا من الجامعة مصدرا للتباهي و التظاهر بالسلطة والسيطرة وفرض الذات على الطلبة، هذا فضلا عن التغيبات والسفريات المتكررة دون مراقبة ولا محاسبة وإغراق الطلبة بالمطبوعات المنسوخة و المسروقة ، مبتعدين عن تطوير قدراتهم العلمية حتى وبعد أن يحصل الكثير منهم على شهادة الدكتوراه، فلا يكلفون أنفسهم عناء تطوير معارفهم وتحسين قدراتهم وترقية ذواتهم أكاديميا، فيكتفون بالتباهي امام الناس بانهم “دكاترة”.. وهكذا يتم توزيع مئات شواهد الماجستير والدكتوراه على غير مستحقيها بطرق غير مسروعة أو تباع هذه الشهادات أحيانا بالملايين ليعودوا بشهاداتهم وبأبحاثهم المسروقة أو المزورة ليصبحوا أعضاء هيئة تدريس في الجامعات المغربية وهم يفتقدون إلى المعارف الأساسية والضرورية في تخصصاتهم العلمية والأكاديمية، في حين أن الدكتوراه في السبعينيات كانت لا تعطى للطالب الجامعي الباحث إلا بعد جهد ومشقة وبحث علمي قد يطول لعدة سنوات، وكان التسجيل في مرحلة الدكتوراه عسيرا لا يحظى به إلا عدد قليل جدا من الطلبة البارزين في البحث العلمي والمعرفة.