الاثنين الماضي، في الإعلام الجزائري، ابْتهاج وانشغال بتصريحات لوزير الفلاحة، يوسف شرفة، حول وفرة إنتاج البطاطا. هو ابتهاجٌ يَشيب تبديد قلقٍ عام من احتمال حدوث خصاصٍ في تلك المادة الغذائية الأساس، ذلك الخصاص المُعتاد في الأسواق والموائد الجزائرية. الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبّون نفسه، في لقاءات صحفية له سبق وأن بشَّر بتوفير المطلوب للاستهلاك من الحليب، الطري والمُجفَّف، من خلال اتفاقيةٍ مع بلدٍ، لم يذكر اسمه، لتوفير مزارع خاصة بإنتاج الحليب. وقبل ذلك كان الرئيس هدَّد بالعقاب المُخيف، لكل مَن ثبتت مُضاربته بالعدس. وسواء الحليب أو العدس أو البطاطا أو السكر، وغيرها من المواد الغذائية الضرورية شكلت موضوعًا، على مدى السنوات الماضية، لتقارير إعلامية جزائرية، ما بيْن كاشِفة للخَصَاص من تلك المواد، أو عارضة لطوابير المواطنين الباحثين عنها أمام الدكاكين.
بلدٌ بترولي تتوفّر لخزينته من صادراته من الغاز مليارات الدولارات، ويشكو مواطنوه عُسرًا مُزمنا في تدبير حياتهم اليومية، حَريٌّ بحُكّامه أن ينصرفوا لتحقيق ما يَنفع الشعب الجزائري ويرفع عنه غُمّة الخَصاصات في حياته اليومية، المادية منها والمعنوية. لا أن يبَذٍّروا أموال الجزائر في إدمانهم على تغذية الشعب ببطولات وهمية ومختلقَة، وفي تحدّيات دولية ليسوا حِملا لها ولا على مستواها.
من ذلك هذه الضِّدِّية المُزْمنة والسّخيفة مع المغرب، والتي أوجدوا لها جماعة انفصالية، وبذلوا من أجلها “الغالي والنفيس”، المُقتَطع من حاجات المواطن الجزائري لكي تتسلل إلى جُغرافية المنطقة، على حساب، وضدّ مصالح، الشعب الجزائري. فقط ضدا في المغرب ولمعاكسته ومُنازعته فيما يَعرف جنرالات حكم الجزائر أن لا أحقية لهم ولا صِدْقية لهم في هذه المنازعة. ولكن من مَوْقع تلك الضدِّية أوجد جنرالات حكم الجزائر لهم مبررَ تحكمهم في البلد ومُسوِّغَ إدارته على هواهم ولفائدتهم وفي ما لا يُجْدي وينفع الجزائر.
تلك هي الحقيقة البسيطة، والكامنة وراء كلِّ تلفيف سياسي، دبلوماسي وإعلامي يُمارسه جنرالات حكم الجزائر. وهي الحقيقة التي انْكشفت للعالم، وما عاد يُقيم لادِّعاءات، ومَزاعم وتهويلات وتهديدات الجنرالات أيّ وزن ولا اعتبار. تحرّرت عدة دول وازنة من مُراعاة ومُجاملة “القوَّة الضَّاربة”، واتَّجهت إلى التَّعامل الجِدِّي، الواقعي والنافع مع المغرب. وليرتَع الجنرالات من مياه المتوسط ما في وُسْعِهم.. تَبيَّن لتلك الدوَل أن تلك “القوة” إنما تضرب نفسَها بأحقادها ضد المغرب وبالأوْهام التي تُدير بها بلادها.
يوما بعد يوم، تتنامى الثقة الدولية في المغرب، وتعكسها قرارات مجلس الأمن بخصوص نزاع الصحراء. مُقترح الحكم الذاتي اقتحم، بواقعيته وجدِّيته، مفاهيم التعاطي الدولي مع النزاع. الدفع بالاستفتاء كشف عن استحالة مُمارسته، فأسقط من الحُسبان الدولي. الإيجابية المغربية، الصادرة عن مشروعية الإصرار الوحدوي المغربي، أقنعت مكونات التأثير الدَّوْلي على مآل النزاع.
روسيا الفاعل الدولي، المُتحسس للجزائر من جهة تسليحها، امتنعت عن التصويت على قرار مجلس الأمن. حَجَبَت حقها في الفيتو، معنى ذلك أنها أجازت عُبور القرار إلى النفاذ. وأيضا، نفس روسيا، في الاجتماع الأخير عنْدها للشراكة الروسية – الأفريقية، أبطلت كل محاولات حكام الجزائر بتكرار تسريب بوليساريو إلى حواشي الصورة الرسمية للاجتماع. انْتزعت من بوليساريو “شَرعية” الانتماء إلى لَوْحَة الدُّوَل الأفريقية. وقبل ذلك ساهمت روسيا في إبعاد الجزائر عن منظمة بريكس؛ حيث رُفِض طلبُها بالانضمام إلى تلك المنظمة. رُفض الطلب لسبب الضعف الاقتصادي للجزائر، وأيضا لتجنيب المنظمة الشَّوْشَرَة الجزائرية ضدّ المغرب. المغرب أهمّ وأفيد من الجزائر، لروسيا، للصين، للهند، للبرازيل ولدُوَل أخرى عربية وآسيوية من أعضاء تلك المنظمة.
بالعلاقة مع أفريقيا، منظمة الشرطة الدوَلية، الأنتربول، تُقدِّر المغرب إلى حد أنها ستعقد مؤتمرها للسنة المُقبلة في مراكش، والاجتماع السنوي الأخير لنفس المنظمة حصل فيه المغرب على 96 صوتا (الصوت يساوي شرطة دولة)، للتمكن من مَوْقع نائب الرئيس لأفريقيا. 96 نعم لصالح المغرب في مَجمّع دولي أمني، يُراعي الجاهزية والفاعلية للأعضاء دون المجاملات الدبلوماسية.
هي مجرد عيِّنات، من بين العشرات، من مَظاهر الثقة الدولية التي اكتسبها المغرب. مقابل تواصل عِناد حكام الجزائر، في جَرِّ بَلدهم إلى التوَغُّل في عُزلة دولية، لا تستحقها. العينات الأخرى على التجاوب الدولي مع المغرب، دبلوماسيا واقتصاديا، وعلى مَوقعه المُمَيِّز في التفاعل الجيواستراتيجي الدولي، كثيرة وواضحة. والأقرَب، زَمَنِيا مِنّا إليها، زيارة السفير الفرنسي إلى مدينة العيون بالصّحراء المغربية، مصحوبا بوفدٍ هام، نوْعا وكمًّا، حاليا، لملء مُخرجات زيارة الرئيس ماكرون إلى المغرب بالتحقق الواقعي. زيارة الرئيس الفرنسي نفسها كانت باذِخة بالحفاوة الملكية الأصيلة وزاخرةً بالدلالات والمُخرجات السياسية والاقتصادية والثقافية المنتِجة في علاقات الندية والتفاهم والتعاون المغربية – الفرنسية.
حكام الجزائر أغلقوا أمامهم نوافذ الأمَل. وعوَض أن يضعوا سياساتهم موْضِع السؤال، لتفحُّصها وتلمُّس مَواطن الخلل فيها، بلغوا درجة عُليا من الحنَق وبدأوا في تحسُّس السلاح، كما قد يفعل رجال العصابات حالة وقوعهم في مأزق. والحال أن الحرب، التي يُوحون إعلاميا بأنهم يُحضِّرون لها، ليست لُعبة ولا رَقصة على إيقاع الدّفِّ والطّبْل لتفجير مكبوتات الأنفس والتخفيف من ضغْطها على الأعصاب.. هي حرب تُشعل النيران في البشر وتدُكُّ الحجر وتنْسِف جسور السياسة ومعها تجرح المستقبل.
المغرب لا تُخيفُه الحرب، جاهزٌ لها بالمعنويات، والآليات ووضوح الإستراتيجيات والمشروعية الوطنية. المغرب لا يُريد الحرب، يتجنَّبها ولا يستفزُّها. المغرب يخاف على الجزائر من الحرب.. دمارها سيفاقم من خصاصاتها ويعمِّق اختلالاتها ويُشعل موَاقد الفتن داخلها. وقد يوجد بين الجنرالات من يُدرك جيِّدا العواقب. لا بد وأن يوجد.. لكي يقول لزملائه بأن الأمر على درجة عُليا من الجدية والمسؤولية، وبأن الحرب لن يسمح بها ولا يتفهّمُها المناخ الدولي الحالي، المتحسس للحروب المشتعلة وبالأحرى لحرب ضد المغرب. حرب أخرى، إذا غامر جنرالات حكم الجزائر بإشعالها، ستشغل العالم عن تتبع الحروب القوية الجارية، ولا إضافة لها عليها، ولا مبرر لها، ولا فائدة منها للعالم، وخاصة إذا كان المستهدف فيها هو المغرب، البلد الواعد بمقوماته كافة في الحركية الجيواستراتيجية العالمية.
الأمل أن ينتصح الجنرالات لزميلهم المفترض. ويصيخوا السمع لنداءات السلم والتعاوُن التي لم يكَل ولم يمَل الملك محمد السادس من توجيهها إلى حكام الجزائر. عبر الحكم الذاتي الذي يتيح لهم حسن التخلص من مأزق لهم نصبوه حولهم، وعبر النفاذ إلى المحيط الأطلسي، بشرف وبأخوّة وبثمار تنموية مشتركة، ستصبح معها الخصاصات والمعاناة الحالية في الحياة الجزائرية، من البطاطا والحليب إلى السيارات وإلى الحريات، مُجرد ذكريات لمَشاق حياتية وَلَّتْ.
طالع السعود الأطلسي
كاتب مغربي