قراءة في البيان الختامي لحركة قادمون و قادرون..

admin
كتاب واراء
admin20 ديسمبر 2019آخر تحديث : منذ 5 سنوات
قراءة في البيان الختامي لحركة قادمون و قادرون..

إسماعيل علالي*

لا مراء إن قلنا: إن  المجلس الوطني الرابع لحركة قادمون و قادرون مغرب المستقبل، الذي تزامن مع الذكرى الثالثة لميلاد الحركة، و انعقد في ظروف استثنائية يعرفها القاصي و الداني، آخرها وفاة المناضلة  انتصار خوخو  عضوة الهيئة التأسيسية  الوطنية لحركة قادمون وقادرون  بعد صراعها الطويل مع المرض الخبيث، فضلا عن الغياب الاضطراري لرئيس الحركة الدكتور مصطفى لمريزق الذي ابتلي هو الآخر  بوفاة نجله خليل المريزق  الذي صاده سهم المنية  بالديار الفرنسية.

كل هذه الأحداث جعلت الإعلام الوطني و الرأي العام المتابع لحراك القادمين/ات و القادرين/ات في مختلف ربوع الوطن وخارجه، يتابع عن كثب ما سيسفر عنه المجلس الوطني الرابع من نتائج و ما سيعلنه من مواقف لها مسيس بمطالب المغاربة و انتظاراتهم، و هل ستكون  مخرجات المجلس الوطني الرابع عند مستوى تطلعات المغاربة، على غرار المجلس الوطني الثالث، الذي أعلنت فيه الحركة  عن  خطتها الإستراتيجية لتجاوز الأزمات التي تتخبط فيها البلاد في مختلف المجالات، سياسيا، و اقتصاديا، و اجتماعيا ، و ثقافيا،         و حقوقيا، و بيئيا،  و عقدت لها ندوة صحفية كبرى بمقر المنظمة المغربية لحقوق الإنسان بالرباط.

إن الناظر في البيان الختامي الذي تمت قراءته في ختام أشغال المجلس الوطني الرابع الذي حمل شعار” من أجل نموذج تنموي يراعي الحق في الثروة الوطنية،    و  العدالة المجالية، و البنيات الأساسية”،  و نقلته المنابر الإعلامية التي تابعت أشغال المجلس، و تم تعميمه، يجد أن المؤتمرين أ‘علنوها ثورة على  كل الممارسات التي لا تمت للعهد الجديد و للدستور الجديد بصلة، و طرقوا ناقوس الخطر الذي يحدق بالمغاربة إذا ما استمر الوضع على حاله، و تنامت الأزمات في مختلف القطاعات الحيوية ، حيث عبر/ت  القادرون/ات  عن استيائهم من الأوضاع المزرية التي تعرفها البلاد، و تعاني منها مختلف المجالات.

 و إذا رمنا  تفكيك مضامين  البيان الختامي  الصادر عن برلمان حركة قادمون   و قادرون، نجد أن لغته تزدوج فيها بلاغة التعرية ببلاغة  بنائية استشرافية ، يمكن إجمالها  في ما يلي:

  1. تعرية واقع الممارسة السياسية: و يتجلى من خلال تعرية المؤتمرين  للأداء الحكومي الباهت، و الإقرار بفوضوية المشهد السياسي – أغلبية و معارضة – و أزمة الأحزاب ، و  إخلالها بالأدوار الطلائعية المنوطة بها، حيث طالبت حركة قادمون و قادرون بضرورة الخروج من ضيق الممارسات السياسوية الشعبوية التي تهدد بأزمة سياسية خانقة، قد تكون عواقبها خطيرة إذا لم تعمل الإطارات الوطنية عقلها الجمعي لتجاوز  التراجعات التي تشهدها البلاد في مختلف المجالات الحيوية، و أخذ العبر و الدروس من الدول المجاورة التي تجاهلت نبض الشارع و أغمضت عيونها عن مطالبه، فكانت الكارثة على جميع الأصعدة و النهاية مأساوية، إذ نص البيان الختامي على عدم تماسك أغلبية حكومة العثماني، التي دخلت في نفق مسدود حين  أعلت من شأن الخلاف الحزبي الهدّام بدل البحث عن حلول و برامج تخرج المغاربة من مشاكلهم المعيشية ، كما نبَّه الحركيون على أن تجاوز هذه الأزمة السياسية التي تعيشها الأحزاب لن يتم تجاوزها إلا عن طريق رص الصفوف بين مختلف الإطارات الوطنية من أجل بناء جبهة اجتماعية لتحقيق التنمية و تعزيز الديموقراطية، ومحاربة الفساد السياسوي بكل أشكاله،  مع الحرص على  التنسيق  و تقليل هوّة الخلاف و إعادة الثقة في العمل السياسي بمفهومه النبيل إلى كافة المواطنين        و المواطنات، مع ضرورة مواصلة هيكلة الحقل السياسي وتنظيمه          و مراجعة المنظومة الانتخابية  لضمان مشاركة واسعة في صفوف جميع شرائح المجتمع ، و التمكين للشباب و مغاربة العالم لتحمل  المسؤولية و تقلد المناصب، بدل تكريس الوجوه نفسها التي اتسم أداؤها بالفشل، و كانت شاهدت على مرحلة عنوانها الفشل و التدبير اللامسؤول باعتراف عاهل البلاد.
  • تعرية الوضع الاقتصادي:

حيث كشف المؤتمرون/ات  في ورشة النموذج التنموي، عن الاختلالات        و التراجعات الخطيرة الثاوية في قانون المالية لسنة 2020، و هجومه على أوراش الإصلاح الوطنية ، و تعميقه للأزمة،  و الرفع من حجم معاناة الشباب و النساء،    و التضييق على آمالهم و أحلامهم في العيش الكريم و المس بكرامة المواطن المغربي، حيث اعترف/ت  الحركيون/ات بفشل الحكومة في صياغة نموذج تنموي كفيل بإخراج المغاربة من واقعهم الاقتصادي المزري، حيث أعلنوا  أن تجاوز هذه  الأزمة الاقتصادية معقود –اليوم- على لجنة  النموذج التنموي الجديد التي عينها عاهل البلاد، و كفاءات المغرب القادرة على تقديم نموذج تنموي بديل بعد فشل الحكومة في صياغة نموذج تنموي خلاق لفرص الشغل،  و قادر على تقليص الفوارق الاقتصادية، و منصف في توزيع الثروة الوطنية، خاصة في أوساط سكان الجبل و السهول ، و القرى و المداشر  المهمشة المحرومة من برامج التنمية و شروط العيش الكريم جراء التدبير اللامسؤول ، كما سردت لجنة الخبراء أوجه  التقاطع    و التلاقي  الكبرى بين نموذج  الحركة  و النموذج التنموي الجديد.

3-تعرية  الواقع الاجتماعي:

أما عن موقف القادمين/ات القادرين/ات من الواقع الاجتماعي للمغاربة، فقد  تبرأوا من القرارات اللاشعبية التي اتخذتها الحكومة ، التي بموجبها يغدو  مطلب تحقيق العدالة المجالية  أمرا بعيد التحقق و المنال،  حيث  جاء في البيان الختامي أن هذه الممارسات هي  تكريس للتفاوت الاجتماعي، ينشأ عنها حرمان المغاربة من التوزيع العادل للثروة الوطنية، و تساهم  في خلق مغربين، مغرب المحظوظين        و مغرب المحرومين،  كما نصّ البيان الختامي لحركة قادمون و قادرون مغرب المستقبل، على أن رقي المجتمع المغربي لن يتحقق إلا بالمساواة ، ومحاربة التفاوت الاجتماعي، و  تحقيق العدالة المجالية، و  تمكين المغاربة من البنيات الأساسية،  حيث نص البيان إلى التفعيل الديموقراطي  العاجل لكافة مبادئ دستور 2011،       و بخاصة ما يتعلق بالجهوية المتقدمة، و ربط المسؤولية بالمحاسبة، و تطوير القطاع العمومي و حمايته من الخوصصة، و التصدي  لكل أشكال الاستبعاد الاجتماعي، و القهر و الفقر و الهشاشة في مناطق المغرب القروي و سكان الجبل و الواحات    و السهوب،  و تمكين سكانها من حقوقهم الأساسية و في طليعتها  التعليم الجيد ،   و الصحة، و السكن والشغل و الثقافة  و الرياضة ، فضلا عن الاهتمام بالتوعية البيئية و توسيع المساحات الخضراء التي في زوالها و اندثارها اندثار للإنسان.

4-تعرية الواقع الثقافي:

نص البيان الختامي لمجلس حركة قادمون و قادرون مغرب المستقبل،  أنه لا سبيل لبناء مغرب المستقبل إلا بالاستثمار في الثقافة البانية بمختلف ألوانها، و تكوين الناشئة على الإبداع و محبة العلوم، و نشر التربية الجمالية الكفيلة  بنشر محبة الجمال  من أجل اخضرار معرفي و محاربة كل أشكال العنف و التطرف   و التعصب و الميز العنصري،  و كل الهويات الصماء المؤدلجة التي لا تنصت سوى لنفسها، و المستغنية عن  غيرها ، و المنغلقة على نفسها،  حيث دعا البيان الختامي للحركة إلى تشجيع الاستثمار في الصناعات الثقافية، وتثمين  الإنتاج الثقافي المحلي و الإقليمي و الوطني      و تسويقه باعتباره رافعة أساسية لأي عمل تنموي،و تجويد منظومة  التربية و التكوين ، و دمقرطتها باعتبارها مشتلا لكفاءات الغد ، إناثا و ذكورا، و إعادة الاعتبار لمكانة المعلم الرمزية في المجتمع، و دعم الجمعيات الثقافية الجادة ، و ضرورة حماية التعدد و التنوع الثقافي الذي يزخر به المغرب و التعريف به، و كذا تثمين  المكتسبات التي حققها المغرب في مجال القضية الأمازيغية لغة و هوية،  مع ضرورة التمكين لها مؤسساتيا و حقوقيا ، و التصدي لثقافة الإقصاء و خطاب العدمية الذي يستثمر فيه المتطرفون.

5- تعرية الواقع الحقوقي:

دعا  أعضاء حركة قادمون و قادرون في البيان الختامي الذي تلوه عقب انتهاء أشغال المجلس الوطني الرابع المنعقد تحت شعار” من أجل نموذج تنموي يراعي الحق في الثروة الوطنية، و العدالة المجالية ، و البنيات الأساسية” بمقر المنظمة المغربية لحقوق الإنسان بالرباط، يوم 14 دجنبر 2020، إلى  إطلاق  سراح كافة المعتقلين على خلفية الحركات الاجتماعية و الاحتجاجية و الأحداث الطلابية، كما نبهت إلى ضرورة تحصين المكتسبات الحقوقية التي بذل في سبيل تحصيلها الغالي و النفيس، حيث أدان/ت القادمون/ات القادرون/ات تراجع الحماية الحقوقية  في العديد من القضايا المتعلقة بالحق  في الإضراب و الاحتجاج في الهامش و المركز، و التضييق على حرية التعبير و الصحافة و الحريات الفردية، و حقوق الشباب و النساء، و حقوق الفئات الهشة من متعاقدين و معطلين      و  عاطلين، و العمال و الطلبة، حيث نصُّوا على أن  الأصل في المسألة الحقوقية بالمغرب أن ترتفع إلى الأ‘على عبر ترسيخ الحقوق و توسيع المكتسبات عرفانا بتضحيات المغاربة في سبيلها ، بدل جعل حقوق الإنسان ترتفع نحو الأسفل ، لتدخلنا مرحلة أخرى  عفا عنها الزمان و  ثار عليها  المغاربة و دستور 2011.

كما  ثمن المجلس الوطني الرابع في بيانه الختامي، مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان بخصوص تعديل القانوني الجنائي و عبر عن دعمه لها، و كذا لمقترح الحكم الذاتي  و سيادته على الأقاليم الصحراوية المغربية، باعتباره الحل الأمثل  لتحصين حقوق المغاربة  الصحراويين،وحماية الوحدة الترابية للمملكة المغربية.

و على الإجمال ، فإن الناظر في البيان الختامي للمجلس الوطني  لحركة قادمون     و قادرون مغرب المستقبل، يجد أن مخرجاته كتبت بمداد الوطنية الصادقة المنتصرة لمصلحة الوطن و المواطنين، و البعيدة عن كل المزايدات السياسوية الآنية و الدنيئة، إنه بيان ختامي انتصر فيه القادمون/ات و القادرون/ات للعدالة المجالية، و حق المغاربة في البنيات الأساسية، و الثروة الوطنية.

إن بيان المجلس الوطني الرابع لحركة قادمون و قادرون ، بشهادة كل من حضر أشغال المجلس ، أو حَاضَرَ ضمن ورشاته، بيان يزدوج فيه خطاب التعرية بخطاب الاستشراف، فهو  بيان تعرية لأنه عرى الممارسات التدبيرية اللامسؤولة، التي تزيد من تعميق أزمة المغاربة،  و بيان بناءو استشراف لأنه رسم لنا صورة حقيقية عن ملامح مغرب المستقبل الذي يسعى إليه المغاربة       و يليق بهم، و قدم حلول عملية لانبعاث مغرب جديد .

*ناقد و باحث، عضو لجنة الخبراء بحركة قادمون و قادرون

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.