لماذا يتخوف غوتيريش من حرب أخرى في الصحراء؟

admin
كتاب واراء
admin15 أغسطس 2024آخر تحديث : منذ 3 أشهر
لماذا يتخوف غوتيريش من حرب أخرى في الصحراء؟

نزار بولحية

وهل خمد أوار الأولى لترتفع شرارة الثانية؟ ألم تقرر جبهة البوليساريو وقبل أكثر من ثلاث سنوات العودة إلى ساحة القتال، بعد أن أعلن زعيمها في أعقاب تدخل القوات المغربية في منطقة الكركارات لتأمين المعبر الحدودي، الذي قام منتسبون لها بغلقه، أن الجبهة «أنهت وقف إطلاق النار المستمر منذ تسعة وعشرين عاما مع المغرب، لاستئناف كفاحها المسلح»؟ كما قد يقول البعض.
ثم هل كان جديدا أن يلمح، أو يحذر الأمين العام للأمم المتحدة من حدوث حرب ما في تلك المنطقة، ويعبر مثلما فعل في آخر تقرير أعده للجمعية العامة، ونشر الاثنين قبل الماضي، عن شعوره «بقلق عميق ازاء تطور الوضع في الصحراء الغربية»؟ ألم يصرح وفي أكثر من مناسبة، لعل أبرزها كان مع بدء مشكلة الكركارات، أن لديه مثل ذلك الشعور، كما قد يضيف آخرون. لكن السؤال الذي قد يطرح الآن هو، ما الذي دعا غوتيريش وفي هذا الظرف بالذات لأن يكشف عن مثل تلك الهواجس والمخاوف، مما قد تؤول إليه الأمور في الصحراء؟
ربما سيقول البعض إن تقريره لم يكن على صلة أو علاقة مباشرة بالتطورات الأخيرة، التي حدثت في ذلك الملف، خصوصا على المستوى الدبلوماسي بعد الاختراقات التي حققتها الرباط في الشهور الماضية، في اتجاه إقناع مزيد من الدول الأوروبية والغربية بالخصوص، بالمقترح الذي عرضته قبل سبعة عشر عاما لحل ما ظلت تصفه بالنزاع المفتعل في الصحراء المغربية، وكان آخرها فنلندا، التي اعتبرت الثلاثاء قبل الماضي أن مخطط الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب يمثل «أساسا جيدا لتسوية متوافق بشأنها من قبل الأطراف»، وفرنسا التي أقرت اواخر الشهر الماضي بأن «حاضر ومستقبل الصحراء الغربية يندرج في اطار السيادة المغربية»، وأن مخطط الحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب يبقى «الأساس الوحيد للتوصل إلى حل سياسي»، لذلك النزاع .

غير أن استخدام الأمين العام للأمم المتحدة لعبارات تحذيرية، قد تكون موغلة في التشاؤم، ربما يفتح الباب أمام كثير من التأويلات. فهل كان الغرض من اختيارها هو أن يظهر حرص المنتظم الأممي، على أن يستعيد دفة إدارة نزاع، ربما بدا في وقت من الأوقات وكأنه قد خرج عن سيطرته، ويذكّر الجميع بالتالي بأنه هو وحده المسؤول عن وضع خاتمة ما للنزاع، وأن الحديث عن إغلاق الملف الصحراوي بشكل نهائي قد يكون مبكرا وسابقا لأوانه؟ في نظر الجزائريين، قد لا يبدو مثل ذلك الاستنتاج بعيدا عن الواقع، بل إن الكلمات التي اختار غوتيريش أن يبدأ بها تقريره، تجعلهم مقتنعين تماما بأن ذلك التأويل يبدو صائبا ومحقا للغاية. فقد قال المسؤول الأممي في مستهل بيانه، إن «مجلس الأمن الدولي يتناول قضية الصحراء الغربية باعتبارها مسألة سلام وأمن، وإن لجنة المسائل السياسية الخاصة وإنهاء الاستعمار التابعة للجمعية العامة، واللجنة الخاصة المعنية بحالة تنفيذ إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة، تتناولان قضية الصحراء الغربية باعتبارها مسألة تتعلق بإنهاء الاستعمار». وهذا ما يعيد الأمور بنظرهم إلى نقطة الصفر، ويقلص ما تعتبره الرباط نجاحات دبلوماسية في ذلك الملف. ولأجل ذلك لم يكن من قبيل الصدفة أن تعلن الجزائر الأحد الماضي عن لقاء بين وزير خارجيتها أحمد عطاف، ومن وصفه بيان خارجيتها بوزير الشؤون الخارجية الصحراوي محمد سيداتي، كان الغرض منه هو «استعراض وتباحث تطورات قضية تصفية الاستعمار في الصحراء الغربية، على ضوء التقرير الذي قدمه مؤخرا الأمين العام للأمم المتحدة حول هذه القضية، وكذا في أفق الاستحقاقات الدبلوماسية المقبلة بهذا الخصوص، سواء على مستوى مجلس الأمن، أو على مستوى الجمعية العامة للمنظمة الأممية»، حسبما جاء في البيان.
لكن ما الذي جعل الصورة تبدو قاتمة وملبدة بنظر غوتريتش؟ لقد أشار الدبلوماسي البرتغالي وبوضوح إلى عاملين أساسين هما «استمرار الأعمال العدائية، وغياب وقف لإطلاق النار بين المغرب وجبهة البوليساريو»، باعتبارهما «يمثلان انتكاسة واضحة في البحث عن حل سياسي لهذا النزاع طويل الأمد»، على حد رأيه، ثم عدم تعامل أطراف النزاع مع «المسار السياسي بعقل متفتح ودون شروط مسبقة»، مثلما عبر عنه بشكل ضمني من خلال دعوته لهم للالتزام بذلك. لكن ما الذي فعله بالضبط؟ هل طرح مقترحات، أو عرض حلولا عملية، ربما تساعد على التوصل إلى تسوية دائمة ونهائية للمشكل؟ قطعا لا، بل إن كل ما قام به هو أنه اكتفى بالإشارة في تقريره إلى أن السياق الحالي، هو سياق صعب «يجعل التفاوض على حل سياسي لقضية الصحراء الغربية، أكثر الحاحا من أي وقت مضى، بعد مرور ما يقرب من خمسين عاما على بدء النزاع»، على حد تعبيره. والواضح أن مثل هذا الاستنتاج يبدو غارقا في العمومية، ويغفل مسألة مهمة وهي تحديد الجهة التي تقف وراء تعثر مسار المفاوضات وتوقفها. لكن هل تخلى الأمين العام الحالي للأمم المتحدة، أو حتى أسلافه وفي أي وقت من الأوقات، وكلما تعلق الأمر بالنزاع الصحراوي، عن محاولة مسك العصا من الوسط؟ ألم يفضلوا دائما وأبدا اللعب على الحبلين وإرسال إشارات مبهمة وغامضة، وربما حتى متناقضة في بعض المرات للطرفين الأساسيين في النزاع، أي الجزائر والمغرب؟ إن الحسابات والمصالح والضغوط والتوازنات الدولية، ظلت هي المتحكم الأول والأخير في توجهات الهيئة الأممية ومواقفها من النزاع الصحراوي. لكن السؤال اليوم هو كيف سيكون موقف الأمين العام للأمم المتحدة غدا من تلك القضية في صورة ما إذا خرجت بريطانيا، وهي واحدة من الدول دائمي العضوية في مجلس الأمن لتعلن عن تأييدها للمقترح المغربي بالحكم الذاتي للصحراء؟ هل سيتحدث غوتيريتش حينها أيضا عن تصفية الاستعمار في الوقت الذي تتبنى فيه ثلاث دول من أصل خمسة من الدول دائمة العضوية في مجلس الامن موقف المغرب ورؤيته لحل ذلك النزاع؟ أم أنه سيفضل التمهل والتريث إلى حين أن يصدر مجلس الأمن قرارا واضحا وصريحا بدعم خطة الحكم الذاتي، التي اقترحتها الرباط فيعلن في ذلك الوقت فقط عن موقفه الجديد من تلك القضية؟ لقد كانت دعوته الخاطفة والسريعة في تقريره الأخير إلى أطراف النزاع للتعامل مع المسار السياسي بـ»عقل متفتح» ودون «شروط مسبقة» بمثابة التحذير الأخير. ومع أن الجزائريين والمغاربة قرؤوا، وعلى حد سواء ذلك التقرير بشكل إيجابي إلا أن غوتيريتش لم يكشف أبدا عن طبيعة مخاوفه من التطورات المقبلة في ملف الصحراء، فهل أراد أن ينبه من تحول مرتقب في موقف مجلس الأمن من تلك القضية؟ أم انه أراد أن يقول للمغاربة والجزائريين، إن لم تتفقوا على حل فسيفرض عليكم من الخارج؟ في كل الأحوال فان شبح حرب في الصحراء بات يشعره على ما يبدو بـ»قلق عميق» وغامض.
كاتب وصحافي من تونس

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.