- نزار بولحية
ما الذي يجري بين العاصمتين المغاربيتين؟ وهل بات المغاربة والتونسيون بحاجة حقا إلى معجزة حتى تعود الروح مجددا إلى علاقاتهم؟ الثابت الآن ألا أحد منهم يرى أن هناك حرصا جادا وقويا من الطرفين لإنهاء الوضع الغريب الذي تعرفه تلك العلاقات منذ أكثر من سنتين، إذ في الوقت الذي لا يمكن فيه الجزم بأنها قد قطعت بشكل فعلي، لا شيء يدل بالمقابل على أنها ما زالت موصولة، كما كانت عليه في السابق.
والسؤال الذي يطرح على ضوء ذلك هو، ما الذي منع المغاربة والتونسيين من أن يتخطوا تلك المرحلة الشاذة والغريبة، ويضعوا لها حدا نهائيا وحاسما؟ ألم يكن كثير من المؤشرات يدل على أن تونس والرباط كانتا في طريقهما قبل أسابيع فقط إلى أن تغلقا وبطريقة ما، قوس أزمة صامتة، بدأت بينهما قبل عدة شهور، وطفت على السطح منذ أكثر من عامين حين استقبل الرئيس التونسي قيس سعيد في مطار قرطاج زعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي، على هامش احتضان تونس للقمة اليابانية الافريقية؟
لقد تتالت في وقت من الأوقات بعض العلامات التي دفعت كثيرين للاعتقاد بأن ما قاله الدبلوماسي التونسي نبيل عمار الذي كان مكلفا في فترة ما بحقيبة الخارجية لصحيفة «الشروق» المحلية في نوفمبر من العام الماضي من أنه «ليست هناك قطيعة مع المغرب الشقيق، وليست هناك عداوة»، وأنه «بالوقت سيعود السفيران إلى سفارتيهما»، كان يعني أن المشهد سيكون وفي غضون أسابيع أو أشهر قليلة فقط مختلفا تماما عن ذلك الذي وجد في أغسطس سنة 2022 بعد سحب المغرب لسفيره في تونس، ورد الأخيرة بالمثل بسحب سفيرها في الرباط، وكان أبرز تلك العلامات هو المصافحة التي حدثت في فرنسا بين الوزير الأول المغربي عزيز أخنوش، ونبيل عمار على هامش حضورهما ذكرى إنزال بروفانس في أغسطس الماضي، والتي انعشت الآمال باتجاه البلدين نحو المصالحة، خصوصا حين تحدثت بعض المصادر الإعلامية عن أن ذلك اللقاء الخاطف قد سمح للطرفين بـ»تبادل الآراء حول سبل تعزيز التعاون الثنائي بين تونس والمغرب»، ومثّل «فرصة لتأكيد الرغبة المشتركة في تطوير العلاقات الاقتصادية والسياسية، بين البلدين الشقيقين وإنهاء الأوضاع الحالية بين البلدين». غير أنه وبعد مرور أكثر من عام على تلك التصريحات لم يسجل أي تقدم في العلاقات بين العاصمتين المغربية والتونسية، وبقي السفيران المغربي والتونسي بالتالي مقيمين خارج بلدي اعتمادهما للتشاور لمدة جاوزت العامين، بل إن الرئيس التونسي بادر في أبريل من العام الماضي إلى تعيين سفيره في الرباط مديرا عاما في الخارجية التونسية، من دون أن يعلن عن تعيين خلف له على رأس السفارة التونسية في المغرب، ومع أن اعلان الخارجية التونسية في أغسطس الماضي عن تهنئة ناصر بوريطة وزير الخارجية المغربي، لمحمد علي النفطي بتعيينه من طرف الرئيس التونسي وزيرا للخارجية، وتأكيدها في بيان نشرته في ذلك الوقت وكالة الأنباء الرسمية التونسية على أنه تم خلال الاتصال الهاتفي الذي جرى بين المسؤولين المغربي والتونسي «التأكيد على عمق ومتانة الروابط الأخوية التي تجمع بين الشعبين الشقيقين، والحرص المشترك على مزيد دعم أواصر التعاون بين الجمهورية التونسية والمملكة المغربية الشقيقة في مختلف المجالات»، ثم لقاء الرجلين في سبتمبر الماضي في الصين على هامش مشاركتهما في أشغال المؤتمر الوزاري لمنتدى التعاون الصيني الافريقي ضمن لقاءات أجراها النفطي، حسب بيان آخر للخارجية التونسية مع نظرائه في عدة دول للحديث حول «علاقات الأخوة والتعاون القائمة بين تونس وتلك الدول وسبل تعزيزها»، عزز التفاؤل لدى كثيرين، إلا أن الوضع بين البلدين ظل ثابتا على حاله دون أن يعرف في الاثناء ما الذي جرى بعد تلك الاتصالات؟ فهل ضاعت الفرصة وباءت المحاولات القليلة التي قد يكون الطرفان أقدما عليها لإعادة المياه إلى مجاريها بين بلديهما بالفشل الذريع، واصطدمت بحاجز من الحواجز الذاتية، أي تلك التي تتعلق برؤية وتصور كل واحد منهما لطبيعة علاقاته بالاخر في المرحلة المقبلة؟ أم أن هناك عوامل خارجية دخلت على الخط، وكانت هي المتسبب الأكبر والعائق الحقيقي أمام عدم ذوبان الجليد إلى الان بين العاصمتين التونسية والمغربية؟
لا شك أن الوجه الوحيد الظاهر حاليا للخلاف المغربي التونسي هو البوليساريو. فالمغاربة لا يزالون يشعرون بنوع من خيبة الأمل من مسألة استقبال قيس سعيد لزعيم الجبهة الانفصالية في مراسم رئاسية. والتونسيون لا يزالون عاجزين عن إيجاد الطريقة المناسبة ربما لتجاوز الأثر السلبي الذي تركه ذلك الاستقبال على علاقاتهم بدولة لطالما اعتبروها، رغم البعد الجغرافي النسبي أقرب الدول المغاربية إليهم، لكن أليس هناك وجه آخر وراء الوجه المعلن لذلك الخلاف؟ أليست الأمور أكبر وأعمق من أن تختصر فقط في الموقف من البوليساريو؟ لقد ظلت تونس، رغم كل شيء حريصة على عدم الاعتراف بالتنظيم المسلح الذي تحتضنه الجزائر. ومنذ استقبال سعيد لغالي لم يقم التونسيون، رغم حضور بعض العناصر المنتسبة للجبهة في بعض المناسبات لأنشطة، أو تظاهرات ثقافية نظموها، من خلال الاندساس في الغالب ضمن الوفود الجزائرية التي حضرتها بأي خطوة، ربما توحي أو تدل على أنهم قد بدؤوا بالفعل بأخذ موقف سياسي من الملف الصحراوي مغاير، أو مخالف لما كان معروفا عنهم في العقود الماضية. وهنا لم يكن نبيل عمار مخطئا بالمرة حين قال، وفي التصريح نفسه لصحيفة «الشروق» المحلية «أطمئن الجميع كلانا أي- التونسيين والمغاربة- لا نلتفت إلى الوراء وتونس لم تغير موقفها منذ عشرات السنين ـ أي الموقف من قضية الصحراء»، اذ أنه لم يصدر عن السلطات التونسية ما يمكن أن يدل على العكس. وربما ركز المغاربة كثيرا على النصف الفارغ من الكأس، وهو استقبال الرئيس التونسي في ظرف ما لزعيم البوليساريو، لكن نصفها الملآن هو أن الأمر انتهى وتوقف عند ذلك الحد، ولم يصل لتغيير التونسيين لموقفهم الرسمي من النزاع الصحراوي. ولعل الطرفين يعرفان جيدا أنه سيكون من الصعب جدا الآن أن تستجيب تونس لما قد يراه المغرب طلبا مناسبا ومشروعا لإنهاء الأزمة وهو الاعتذار المباشر عن استقبال غالي، وإعلان الحياد في الحد الأدنى، على الأقل، إن لم يكن إعلان تبني الحل الذي تطرحه الرباط لمشكل الصحراء، لكن حتى إن أصدر التونسيون بيانا ما فهل سيكون ذلك كافيا؟ إن اللقاءات والاتصالات العلنية القليلة التي جرت بينهم وبين المغاربة مؤخرا حصلت كلها على هامش اجتماعات دولية عقدت إما في فرنسا أو في الصين. وهو ما يدل على أن هناك مشكلا بروتوكوليا بينهم. فقد قطعت العلاقات التونسية المغربية في وقت ما في الستينيات وكانت مقابلة وفد تونسي للملك الراحل الحسن الثاني في ذلك الحين كافية لتذيب الجليد تماما بين البلدين. وهذا ما يبدو مستعصيا الان وحتى إشعار آخر.
كاتب وصحافي من تونس