عبد اللطيف مجدوب
عادات الشعوب في المصافحة
تحتفظ لنا الدراسات الأنثروبولوجية بعادات الشعوب في التحية والسلام والمصافحة، تختلف باختلاف أعراقها وثقافاتها، كما يشير علم النفس الاجتماعي (Social psychology) إلى أن لمس الإنسان الآخر هو عربون على الوفاء والأمان، وتبديد الشعور من المخاوف التي قد تصدر عنه، حتى إن بعض الاتجاهات الفلسفية الاجتماعية (Social philisophy) ذهبت بعيدا في نظرتها إلى المصافحة البشرية، معتبرة إياها الخلية الأولى التي قام عليها الصرح الحضاري الإنساني، فلولا المصافحة لما كان هناك ائتمان ولا أمان ولا تعاون، وبالتالي لانتفت ـ تبعا له ـ كل أشكال البناء والتطور.
أشكال المصافحة والسلام
هناك أشكال حركية يبديها شخص تجاه آخر، عن قرب أو بعد، تشارك فيها أعضاء جسمانية، يمكن صدورها عن جارحة اليد أو الكف أو الذراع أو انحناءة من شخص، أو وضع يد على الكتف، أو إماءة رأس أو التصادم بالأكواع أو التقبيل أو العناق والاحتضان، أو الربت بالكف على الظهر خلال الاحتضان، أو أن تجمع بين شكلين أو أكثر، بيد أن أشهرها على الإطلاق، وقد تكون القاسم المشترك بين كثير من الشعوب والثقافات، هي المصافحة باليد أو وضع كف بكف يد شخص آخر، إلا أن هناك استثناء لشعوب تتحاشى التلامس والتصافح وتكتفي، في اللقاءات العابرة التي تجمع بين شخصين، بتحايا شفاهية تخضع صيغها لأوقات ومناسبات معينة، كما هو جار في أعراف وتقاليد الشعوب الأنجلوساكسونية، كما يحرصون على مسافة محترمة بين المتقابلين، في حين يلفظون عبارة “كيف أنت؟ (?How do you do) بالنسبة للشخص المجهول في أول اللقاء به.
تحايا شعوب الشرق الأوسط
هناك تحية “السلام عليكم” تجمع بالكاد بين جميع الشعوب الناطقة بلغة الضاد، تكون مقرونة بمصافحة الأيدي وتقبيل الوجه أو الرأس أو العناق والاحتضان. كما يلاحظ وجود سلام يعبر عنه بتقبيل أرنبة الأنف، ما زال ساريا بين بعض أقوام دول الخليج، من اليمن إلى الجزيرة والعراق والشام، يٌفشى عادة بين علية القوم وكبرائهم، فضلا عن تقبيل الكتف والصدر.
المصافحة عند المغاربة وفيروس كورونا
جبل الشعب المغربي على عادات ضاربة في القدم، معظمها يتوازى مع الشعائر الدينية الإسلامية المحضة، وبعضها مستمد من تقاليد متوارثة، وقد عرف المصافحة بالأيدي وتقبيل الرأس والكتف والصدر والانحناءة الخفيفة ووضع اليد على الصدر، لكن انفتاحه على ثقافة البحر الأبيض المتوسط هيأه لاقتباس أشكال مصافحات تعد دخيلة عن تقاليده التراثية، كالتلامس بالوجه أو الجمع بين المصافحة والتقبيل والعناق بالأحضان بالنسبة لأشخاص طال غيابهم.
ولكن، وفي ظل تفشي وباء كورونا والتدابير الاحترازية التي رافقت الوقاية منه، كالحجر الصحي وارتداء الكمامات الواقية وتحاشي الاختلاط والاحتكاك، أصبحت عادة المصافحة مختزلة في صيغة شفاهية “السلام عليكم” يرافقها أحيانا تلويح بيد أو إماءة رأس، وقد لا تستغرق هذه التحية أكثر من دقيقة بعد أن كانت تتجاوز، قبل زمن كورونا، أربع إلى خمس دقائق في شد اليدين والتقبيل والعناق، وكلام عن الصحة والأولاد والأقارب…
والسؤال الآن هل سيرحل “كورونا” غدا أو بعد غد وتذهب معه عاداتنا في السلام والمصافحة أم إننا سنسترجعها إن آجلا أو عاجلا؟
الحميمية التي تجمع علاقات الأشخاص والأقارب لا يمكنها أن تندثر، كما لا يمكن البتة اختزالها في جملة باردة ومعزولة “السلام عليكم”، ولإظهار الود والكشف عن المشاعر والعواطف تأبى إلا أن تلتحم الأيدي والأوجه بالكلمات فضلا عن حركات الأعين ونظراتها التي تكشف الكثير تجاه الآخرين.