هل يسدل الستار قريبا على نزاع الصحراء؟

admin
كتاب واراء
admin17 أكتوبر 2024آخر تحديث : منذ شهر واحد
هل يسدل الستار قريبا على نزاع الصحراء؟

نزار بولحية

بماذا سيخرج مجلس الأمن من اجتماعاته أواخر الشهر الجاري للنظر في الملف الصحراوي؟ هل سيصدر كما فعل العام الماضي بيانا رومانسيا يكتفي فيه بدعوة الطرفين أي المغرب والبوليساريو لاستئناف المفاوضات برعاية الأمين العام، من دون شروط مسبقة وبحسن نية.. بهدف التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم ومقبول للطرفين، يكفل لشعب الصحراء الغربية حقه في تقرير المصير؟ أم أن مفاجأة مدوية ستحصل في الأثناء بظهور بيان مغاير تماما لسابقيه يقر هذه المرة وبصريح العبارة بحق المغرب في السيادة على أراضيه كافة، بما فيها الصحراوية؟
حتى الآن لا مؤشرات قوية تدل على أن مثل ذلك الاختراق يمكن أن يحدث في الأيام القليلة المقبلة، لكنّ هناك انطباعا قويا مع ذلك بأن النزاع الإقليمي الطويل الأمد بدأ يلفظ آخر أنفاسه، وأن ساعة الحقيقة في الشمال الافريقي قد اقتربت بالفعل، وبات المشكل الصحراوي قاب قوسين أو أدنى من أن ينتهي.

والمفارقة هي أن الطرفين الأساسيين في ذلك النزاع أي المغرب والجزائر يتشاركان مثل ذلك التصور، ولو أن لكل واحد منهما انتظاراته وتطلعاته المعاكسة تماما للآخر، فإن أخذنا المغاربة مثلا فإن الأمر يبدو محسوما بالنسبة لهم بعد أن قطعوا ما كان يشكل ربما أصعب الخطوات في سبيل تحقيق تلك الغاية. وهنا لم يكن من قبيل الصدفة أبدا أن يخصص العاهل المغربي جزءا كبيرا من خطابه في افتتاح دورة برلمانية جديدة يوم الجمعة الماضي، إلى ذلك الموضوع بالذات وأن يذكر بالخصوص كيف أنه قال ومنذ اعتلائه العرش «إننا سنمر في قضية وحدتنا الترابية من مرحلة التدبير إلى مرحلة التغيير داخليا وخارجيا، وفي كل أبعاد هذا الملف ودعوت كذلك للانتقال من مقاربة رد الفعل إلى أخذ المبادرة والتحلي بالحزم والاستباقية». والواضح أن الرباط تعتبر الآن، وبعد اعتراف باريس لها بالسيادة على كامل تراب الصحراء، ودعمها لمبادرة الحكم الذاتي كأساس وحيد لحل النزاع، بأنها باتت تملك ورقة إضافية لصالحها من طرف «دولة كبرى عضو دائم في مجلس الأمن وفاعل مؤثر في الساحة الدولية تعرف جيدا حقيقة وخلفيات هذا النزاع الإقليمي»، مثلما قال الملك محمد السادس في خطابه، وذلك بعد الورقة الأمريكية التي حصلت عليها في وقت سابق بعد اعتراف واشنطن بمغربية الصحراء. ومع ذلك فإن المغاربة لا يستعجلون، كما يبدو قطف الثمرة وهم لا يزالون ينتظرون منذ ما يقرب من عشرين عاما كيف ستتصرف الهيئة الأممية مع مقترحهم للحكم الذاتي للصحراء. لكن إلى متى سيستمرون على ذلك الحال؟ وهل سينفد صبرهم ويضربون على الطاولة في لحظة من اللحظات ويقولون بصوت عال وقوي لقد طال انتظارنا للمفاوضات والحلول الودية والسلمية، ولم يعد بوسعنا أن نبقي أيدينا ممدودة إلى الأبد، وآن الأوان لنا لأن نتحرك بشكل مختلف، ونتعامل مع الصحراء على أنها إقليم مثل باقي أقاليمنا التي لا تتمتع بأي حكم ذاتي؟ إن الجزائريين ومن ورائهم جبهة البوليساريو، ربما يتحينون الفرصة ليفقد جيرانهم صبرهم حتى يقيموا الحجة على أن المغرب، الذي لم يعد يجد من الواقعي أو المنطقي أن يقبل اليوم باستفتاء في الصحراء، قد نكث بوعوده وتراجع حتى عن عرضه للصحراويين بالحكم ذاتي. لكنهم لا يزالون بالمقابل يرفضون وفي الأصل أي نقاش حول تلك المسألة، لأنهم يعتقدون ومثلما قال وزير خارجيتهم، قبل أيام في كلمة ألقاها بمناسبة يوم الدبلوماسية الجزائرية، إن الحكم الذاتي «خرافة لا يمكن أن تؤسس لأي حل كونها تتنافى أصلا وحق تقرير المصير»، على حد تعبيره، ويستمرون في مطالبة الأمم المتحدة بتنظيم استفتاء سبق لها أن أقرته مطلع التسعينيات وتعذر عليها ولعدة أسباب أن تنظمه في تلك المنطقة. وهم يرون أيضا أن اليوم الذي سيغلق فيه الملف لم يعد بعيدا، بعد أن أصدر القضاء الأوروبي في الرابع من الشهر الجاري حكما قضائيا ضد سيادة المغرب على الصحراء. وقد يقول البعض، وهل سيغير مثل ذلك التعارض والتضارب في مواقف البلدين المغاربيين شيئا؟ أليس الوضع ثابتا ومستقرا على حاله منذ عدة عقود باعتبار أن «المغرب في صحرائه والصحراء في مغربها» مثلما قد يردد المغاربة دلالة على أن المنطقة باتت فعليا تحت سيطرتهم، وجزءا من ترابهم، وأنهم لا يأبهون أو يهتمون كثيرا، سواء بمن اعترف بتلك الحقيقة، أو بمن رفضها وأنكرها، ثم أليس النزاع ومن جانب آخر مطروحا إلى اليوم على طاولة لجنة تصفية الاستعمار بالمنتظم الاممي، فيما لا يزال حق الصحراويين في تقرير مصيرهم مكفولا ومحفوظا و»غير قابل للتقادم أو للتفريط» فيه، مثلما يردد الجزائريون رفضا منهم لما يعتبرونها سياسة فرض الأمر الواقع في الصحراء من جانب جارتهم المغرب؟ لكن لماذا تأخر المجتمع الدولي كل هذا الوقت في حسم واحد من أطول وأعقد النزاعات الإقليمية، التي عرفها الشمال الافريقي على مدى خمسين عاما؟ هل لأنه كان مشغولا بمشاكل أخرى ربما كانت أكثر استعجالا وأولوية؟ أم لأنه عجز عن التوصل إلى ذلك الحل الدائم والنهائي، الذي يمكن أن يحظى بقبول وموافقة كل الأطراف، ما شكل حاجزا منيعا أمام إحراز أي تقدم حقيقي في اتجاه طي صفحة ذلك النزاع؟ أم لأنه وببساطة لم يكن قادرا أو حتى راغبا أصلا ولاعتبارات مختلفة في أن يكون هناك حل دائم ونهائي لذلك المشكل؟
في كل الأحوال فإن أكثر نقطة كانت تشدد عليها تقريبا كل الدول وبلا استثناء وظلت تكررها في كل مواقفها وتصريحات زعمائها ودبلوماسييها، سواء تلك التي تدعم المغرب وتؤيد الحل الذي يقترحه للمشكل الصحراوي، أو تلك التي تعارضه وتتبنى موقف الجزائر منه، أو حتى الثالثة التي تحاول الوقوف على مسافة واحدة من الطرفين والتزام الحياد، هي أنها جميعها بقيت تساند وبلا أدنى تحفظ الجهود الأممية من أجل التوصل إلى حل نهائي ودائم ومتوافق عليه لذلك النزاع. لكن ما الذي كان يعنيه عمليا ذلك؟ إن معناه الوحيد وبلا أدنى شك هو أن تلك الدول أقرت واعترفت بشكل أو بآخر بالأمر الواقع في الصحراء، ورأت أنه لن يكون من المناسب في تلك الحالة أن تسعى إلى خلع أبواب مفتوحة، أي أن تعمل على فرض حل ليست متأكدة من أنه سيخدم مصالحها وتعرف جيدا في الوقت نفسه أن أطراف النزاع وبغض النظر عن تباين واختلاف وجهات نظرهم حوله، ربما اتفقت ضمنيا على أنه سيكون من الأفضل لها أن يتأخر الحسم الأممي فيه. لكن هل فوض المجتمع الدولي للمغاربة والجزائريين أن يسدلوا الستار النهائي على النزاع بأنفسهم؟ أم أنه سيتولى تلك المهمة بطريقة أو بأخرى؟ إصرار البلدين على مواقفهما قد يفتح المجال أمام شتى التطورات، لكنه لن يرجئ الحسم بالتأكيد أكثر مما تأخر.
كاتب وصحافي من تونس

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.