ذ.حسوني قدور بن موسى
القاضي الفاسد المرتشي يفعل في الأمة أكثر مما يفعله ألف مدفع في الحروب الدامية ، فالقضاء مؤسسة ليست كباقي المؤسسات الأخرى لأن القضاء هوالجهة الوحيدة التي يحتمي بها المواطن المظلوم لاسترداد حقوقه و رعاية مصالحه وحفظ انسانيته و كرامته ، فهذه المؤسسة هي التي تجعله يشعر بالأمن والأمان والطمأنينة في ظل دولة الحق والقانون والقضاء كما يقال أساس الملك.
في سنة 1996 حينما كان ” جيم وولفنسون “رئيسا لمجموعة البنك الدولي أعلن أن سرطان الفساد يجب مكافحته بنفس القدر الذي نكافح به الفقر والجوع و المرض و مع أن البحوث الجديدة تظهرأن ضعف المؤسسات العامة و تشوه السياسات الاقتصادية هما حاضنة ممارسات الفساد و خاصة الفساد القضائي ويعتقد البعض أن الفساد ليس مشكلة اقتصادية بل سياسية و من الأفضل تركها للحكومات لا لخبراء التنمية ولكن حجة رئيس مجموعة البنك الدولي كانت قوية و مقنعة و بسيطة للغاية حيث أكد على مكافحة الفساد لأنه يؤدي الى تحويل الموارد من الفقراء الى الأغنياء و يزيد من تكاليف ادارة منشأت الأعمال و يشوه النفقات العامة و يطرد المستثمرين الأجانب.وقد يتساءل بعض الناس الذين لا يدركون معنى خطورة الفساد و مدى تأثيره السلبي الخطيرعلى جميع مرافق الدولة و مؤسساتها و خاصة القضاء الذي قيل عنه قديما أنه أساس الملك، إن إقامة العدل هو وظيفة أساسية في دولة الحق والقانون ، فالقضاة يتصرفون في حقوق وحريات المواطنين والجماعات وشرفهم وأمنهم ومصالحهم، وهذا الدور يعكس مدى خطورة منصب القاضي الذي قيل عنه قديما : “من ولي منصب القاضي فقد ذبح نفسه بدون سكين، وقيل عن القضاء أنه مقياس الخير في الأمم ، وهو معيارالعظمة فيها،وهو رأس مفاخر كل أمة حية وراشدة و قيل” فساد القضاء يفضي إلى نهاية الدولة ” لهذا يجب على القاضي أن يكون مؤهلا ومتخصصا ودارسا لمبادئ القانون الذي يحكم بمقتضاه وأن يكون مثقفا باحثا وعارفا بأحوال الناس وبجميع نواحي الحياة ،واسع الصدر محيطا بكافة ملابسات القضية المعروضة عليه حيث يجب عليه أن يحكم فيها بالعدل وأن يكون محمود السيرة ، معروف النسب، فلا يكون ابن زنا أوالسفلة وأن لا يخشى أصحاب الجاه أوالمال أوالقوة والنفود السياسي وأن لا يبالي بلوم الناس وأن يقمع الظلم بسيف العدالة وينصرالمظلوم و يعطي لكل ذي حق حقه، وأن لا يبيع ولا يشتري في عروض التجارة، وأن يحترم واجب التحفظ الذي يبعده عن الشبهات خاصة معاشرة المفسدين والاختلاط بالسماسرة والمشبوه فيهم في المقاهي والأسواق والشوارع والأماكن غيراللائقة التي تثير شكوكا بشأن استقلالية القاضي وتجرده وحياده وأن يبتعد عن كل ما من شأنه المساس بسمعة القضاء ، و في المقابل لا يطال واجب التحفظ إبداء الرأي في الأمورالسياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية ، والقاضي هو حامي الحقوق والحريات ، وفي هذا الصدد جاء في دستور 2011 العديد من المبادئ التي أوكل للقاضي فيها مهمة حمايتها المنصوص عليها في المادة 117 التي جاء فيها :“يتولى القاضي حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي وتطبيق القانون”، فالقضاء لجميع الناس والقاضي ليس لواحد من الخصوم ، و يقول المثل المأثور: “ أعطني قضاء عادلا أعطك دولة ”، فبدون قضاء عادل لا يمكن تحقيق دولة الحق والقانون و في هذا الصدد قال” تشرشل ” رئيس الوزراء البريطاني :”إذا كان القضاء بخير، فإن بلدي بخير”،أصبحت مقولة تتغنى بها الأمم،
و قال عمر بن الحطاب : ” فان القضاء فريضة محكمة و سنة متبعة فافهم اذا أدلي اليك فانه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له ،أس بين الناس بوجهك وعدلك ومجلسك حتى لا يطمع شريف في حيفك و لا ييأس ضعيف من عدلك البينة على من ادعى واليمين على من أنكر والصلح جائز بين المسلمين الا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا ” .
يستمد القاضي شرعيته من القانون الذي يفترض فيه أن يكون مستقلا ومحايدا ، إذ أن هذين المبدأين مفروضان على السلطتين التنفيذية والتشريعية وقد يؤدي تجاهلهما إلى المساس بثقة الجمهور.
إن القاضي النزيه والعادل جدير بالنظر في المسائل الخاصة بممارسة الأفراد لحقوقهم المدنية والسياسية وهو ملزم أكثر من غيره بالصدق والاستقامة والأمانة، كما يجب على القاضي تطبيق القانون بفضل معرفته الواسعة وإلمامه بالنصوص وبمبادئ حقوق الإنسان المتعارف عليها عالميا، والتي يتشبت المغرب بها في ديباجة دستوره، وكذلك حرص القاضي الدائم على عدم الكف عن حماية الحريات الفردية والجماعية التي يعتبر حارسها الأمين والساهرعلى حمايتها من الاعتداءات و الانتهاكات، وعلى القاضي أن يرى بحسه السليم وبفطنته وذكائه نداء الحق، فالحق لا يتمثل في القواعد القانونية، وإنما بما تقرره هذه القواعد وتجعل من هذا الحق قوة يمكن الوصول إليها عن طريق حكم القضاء العادل النزيه، وتوجد بين القانون والحق علاقة ترابط واتصال تجعل الحق قوة عندما يقر ذلك القانون الذي يهدف إلى تحديد الحقوق وبيان مداها وكيفية اكتسابها وانقضائها ويمكن القول أن الحق ثمرة القانون والقانون هو أداة لتثبيت الحقوق وبيانها، فهناك علاقة متبادلة بينهما إذا ضاع أحدهما ضاع الآخر، والقاضي هو الساهر بعلمه وتجربته على الحفاظ على هذا التوازن بين الحق والقانون ويجب عليه الامتناع عن إقامة أية علاقة مشبوهة مع ممثلي السلطتين التشريعية والتنفيذية كما يجب عليه أن يظهر في عيون المواطنين بمظهرالانسان الوقورالمثقف العادل الذي يحترم حقوق وحريات المواطنين، ومن الملاحظ أن حركة انتقال القضاة من منطقة إلى أخرى يتيح حماية ضد إقامة علاقات وثيقة مع مختلف الجهات والشخصيات المحلية، كما يجب أن يحافظ قضاة المحاكم وأعضاء النيابة العامة على استقلال بعضهم عن البعض على الرغم من انتمائهم لهيئة واحدة،ويمثل مبدأ الحياد – وهو حق مضمون للمتقاضين بموجب الدستور ومبادئ حقوق الإنسان – واجبا مطلقا مفروضا على القاضي الذي هو عنصر أساسي من عناصر ثقة الجمهور، وينطوي الحياد عند ممارسة الوظائف القضائية على الغياب الجلي للأراء المسبقة، وأن يكون القاضي قادرا على تلقي جميع وجهات النظرالتي نوقشت أمامه وأخذها بعين الاعتبار.
في الواقع، فإن الحديث عن الفساد القضائي في بلادنا يثير انتباه منظمات حقوق الإنسان داخل المغرب وخارجه، وفي هذا الصدد أعاد التقرير الصادر عن مجلس أوروبا ، الذي أقر بتورط قضاة المغرب في قضايا الرشوة ، الحديث مرة أخرى على واقع الفساد في أوساط السلطة القضائية، و رغم الشكايات المتعددة ضد القضاة الذين ارتكبوا أخطاء قضائية خطيرة ألحقت أضرارا مادية و معنوية جسيمة بالمواطنين فانهم لا زالوا جاثمين في منصات الحكم لسنوات عديدة بل أكثر من ذلك تمدد مهماتهم لسنوات أخرى في الوقت الذي يوجد فيه أطر و شخصيات قانونية مثقفة نزيهة عاطلة عن العمل ، كل هذه الخروقات والفضائخ الواضحة تتم في غياب التفتيش وانعدام مراقبة المحاكم و بقاء القضاة المشبوه فيهم في مناصبهم دون تأديب وهكذا يوجد في محاكمنا قضاة يظلمون الناس يحبون المال حبا جما ، كان القاضي في بني اسرائيل اذا اختصم له خصمان رفع أحدهما الرشوة في كمه فأراها للقاضي فلا يسمع الا قوله فنزلت الأية :” سماعون للكذب أكالون للسحت ” و الظلم في أي مكان تهديد للأمن والسلم، و القاضي النزيه العادل لا يبطل حقا ولا يحق باطلا و لن تكون عادلا ما لم تكن انسانا ، ودولة بلا عدل مثل النهر بلا ماء، ينبغي للقاضي أن يكون يوما في القضاء و يوما في البكاء على نفسه، إن إقامة العدل وظيفة أساسية في دولة الحق والقانون، فالقضاة يتصرفون في حقوق وحريات المواطنين والجماعات وشرفهم. قضى الله سبحانه و تعالى أن يمهل الناس الظالم ولا يعجلوا لهم العقوبة لحكم كثيرة منها : استدراج الظالم ليأخذه الله تعالى على أقبح حال وأبشع صورة و في ذلك قال الله تعالى: “انما نملي لهم ليزدادوا اثما ولهم عذاب مهين”.