بقلم : د. سالم الكتبي
رغم ما يراه بعض المحللين بشأن اتجاه الأزمة المحتدمة بين نظام الملالي الإيراني والولايات المتحدة إلى مزيد من التوتر، فإنني اعتقد أن الأزمة تمضي، كما ذكرت في مقالات سابقة، باتجاه التفاهم والتهدئة، ولذلك مؤشرات عدة من وجهة نظري اناقشها في هذا المقال.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قال الأسبوع الماضي أن إيران تريد عقد لقاء مع الولايات المتحدة، وذلك بعدما كان ألمح إلى إمكان تخفيف العقوبات عن طهران إفساحاً في المجال أمام عقد لقاء مع نظيره الإيراني حسن روحاني، أي أن هناك إشارات متبادلة بين الجانبين، وأن كل منهما ينقل نواياها للآخر سواء بالإشارات أو عبر وسطاء دوليين وقنوات سرية.
الرئيس ترامب لم يكن “يخمن” أو يتوقع نوايا القيادة الإيرانية، بل قال بشكل واضح “يمكنني القول أن إيران تريد عقد لقاء معنا”، وهو تأكيد لم يكن يجازف به لولا وجود دلائل على ما يقول بين يديه لاسيما أن النظام الإيراني يبدي رفضاً علنياً لدعوات الحوار التي يطلقها البيت الأبيض وبعض كبار المسؤولين الأمريكيين، بل إن الرئيس الإيراني ذاته قال في توقيت يتزامن تقريباً مع تصريح الرئيس ترامب أنه “لا معنى” لإجراء محادثات مع الولايات المتحدة ما لم ترفع العقوبات عن إيران.
من يتمعن في فحوى تصريحي ترامب وروحاني يجد أنه لا تعارض في حقيقة الأمر، فالرئيس الإيراني اشترط صراحة رفع العقوبات كي يمكن البدء بالحوار، وهو شرط وضعه روحاني استجابة لضغوط تيار الصقور الأكثر تشدداً داخل نظام الملالي، وتحديداً بعد أن اتهمه عدد من نواب مجلس الشورى الإيراني بمخالفة توجيهات المرشد الأعلى علي خامنئي، فيما تحدث أحد قادة الحرس الثوري عما وصفه برائحة خيانة تفوح من مواقف القيادة الإيرانية في ظل تلميحات القبول بالحوار مع الجانب الأمريكي.
المؤكد أن الحرس الثوري لن يقبل أو يصدر أي موافقة علنية على إجراء حوار مع الولايات المتحدة، وقد سبق له أن رفض بشدة الاتفاق النووي الموقع عام 2015 مع مجموعة “5+1” فالحرس بالإضافة إلى كونه أحد أهم المستفيدين (نعم المستفيدين وليس المتضررين) من العقوبات الاقتصادية المشددة التي تفرضها الولايات المتحدة على إيران، بما تتيح هذه العقوبات من فرص واسعة لإحكام قبضة الذراع الاقتصادي للحرس على ما تبقى من قطاعات الاقتصاد الإيراني المأزوم، بالإضافة إلى هذا السبب الخفي، فالحرس يلعب دوراً مرسوماً بدقة ضمن لعبة توزيع الأدوار التي يخطط لها ويمسك بدفتها رأس هرم السلطة في النظام علي خامنئي، فهو من يوزع الأدوار ويحدد المسؤوليات، بين متشدد وأقل تشدداً، وليس من المنطقي أبداً القول بأن الرئيس روحاني قد وقع اتفاق 2015 رغم إرادة المرشد، ولن يذهب للقاء الرئيس ترامب مطلقاً لو صدر أي مؤشر رفض حقيقي من ولي الفقيه.
في ضوء ماسبق، يمكن القول أن التحليل يجب أن يركز على مواقف روحاني وظريف وليس على مواقف الحرس الثوري المعروفة سلفاً، والواضح حتى الآن أن المسرح يعد بهدوء شديد للقاء محتمل بين روحاني وترامب على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة نهاية الشهر الجاري في نيويورك، وجزء من هذه الاستعدادات يتمثل في مواقف الرئيس ترامب الذي ألمح إلى إمكانية رفع جزئي للعقوبات المفروضة على إيران، فالرئيس ترامب قال رداً على سؤال لأحد الصحفيين حول رفع جزئي محتمل للعقوبات على إيران، أجاب الرئيس ترامب “سنرى، سنرى”، وهي إجابة تخالف مواقف الرئيس الأمريكي التي كانت تقطع سابقاً برأيه الرافض لرفع العقوبات، وعندما يقول “سنرى” فإن ذلك يعني أنه يوارب الباب صراحة أمام هذه الاحتمالية، وجزء من هذه الاستعدادات أيضاً يتعلق بإقالة مستشاره للأمن القومي الأكثر تشدداً في المواقف تجاه التفاوض مع إيران، وهو جون بولتون، الذي أقر ترامب أنه يخالف بقية مسؤولي الإدارة في كثير من المواقف، ومنها بطبيعة الحال الموقف بشأن إيران.
مؤشرات صغيرة لكنها مهمة وتشير إلى أن احتمالية التفاهم وفتح باب الحوار بين نظام الملالي والولايات المتحدة تزداد يوماً بعد آخر، وعلينا في منطقة الخليج العربي أن نتهيىء استراتيجياً للتعامل مع جميع السيناريوهات القادمة.