أحمد عصيد
توضيح مبدئي:
إن النقاش الذي نخوضه حول أسماء الأماكن وعلامات التشوير ليس نقاشا هامشيا أو تقنيا، بل هو نقاش في جوهره يتعلق بمعنى الوطنية ومعنى القدوة التي نقدمها للأجيال القادمة، والتي نحتفي بها من خلال تخليدها في واجهات الفضاء العمومي.
انطلاقا من المبدأ أعلاه ندرس تصريحات رئيس المجلس البلدي لتمارة المنشورة بجريدة لكم الإلكترونية والتي قال فيها:
“إنَّ المغرب لديه علماء من أساتذة الفكر السلفي ويُدَرّسون الفكر السلفي للأشخاص في الخارج، وهذا يعني بالأساس المفهوم الإيجابي للفكر السلفي”، وأستدرك قائلا “هذا المفهوم نعرفه، ولكن هناك مفهوم آخر أثاره بعض الناس بهدف الفتنة ونحن لا نعرفه”. وتابعت الجريدة “واعتبر الرجدالي أنَّ الأسماء التي وضعها المجلس هي أسماء سليمة، ولها وزنها في الفقه والفكر الإسلامي، ودافع عن الأسماء التي أصبحت الكثير من أزقة المدينة تحملها، إن “بينهم رئيس جامعة وآخر خريج جامعة ميشيغان وخريج من جامعة القاهرة وخريجي جامعة الأزهر، وما أدراك ما الأزهر.. أشنو بغاو منا هادو؟”. وختم الرجدالي تصريحه قائلا: “إذا كان معارضو هذه الأسماء عندهم فكر آخر، فليتفضلوا بإيضاحه لنا، ومع ذلك، استدرك رئيس جماعة تمارة، وقال إنَّ الخطأ يُمكن أن يكونَ واردًا، ولكن هناك أداة، وليسَ بالطرق الملتوية والتدليس والتلبيس لمحاولة الإصلاح، مشيرًا إلى أن قوانين البلاد ودستور البلاد واضح، ويمكن للمواطنين التقدم بعرائض والاقتراح على المجلس ما يمكن اقتراحه”، مشيرًا إلى أن جماعته من أول الجماعات في المغرب التي فعلت مسطرة العرائض والمقترحات.
ومن بين ما ذكره الرئيس أيضا ” أنَّ المعارضة في المجلس التي كانت تتكون من حزب “الإتحاد الاشتراكي” صادقت عليه هي الأخرى إضافة إلى “الحركة الشعبية” و”الاستقلال”. وتابع قوله إن القائمة تضم أسماء مختلفة، من بينها أسماء سياسيين مغاربة ويساريين كالمهدي بن بركة وعبد الرحيم بوعبيد وعلي يعتة.
حتى نناقش الرئيس بهدوء نذكره بما يلي:
1) أن السلفية التي عرفها المغرب نوعان: السلفية الوطنية التي كانت تحررية وتجديدية في الفقه والفكر الديني، ووقفت ضد الخرافة والدجل بشكل شجاع وساهمت في إرساء الدولة الوطنية الحديثة بالمغرب، ومن رموزها المختار السوسي ومحمد بلعربي العلوي ومحمد داوود وعلال الفاسي وآخرين. والنوع الثاني جاء مع تقي الدين الهلالي وتناسلت منه مجموعات وتيارات وفرق منحرفة دخل كثير منهم السجن بتهمة الإرهاب والتنويه بالجرائم والمجرمين، ومنهم من دعا إلى تزويج بنت التسع سنوات، ومنهم من اعتبر المغرب “دار حرب” لأنه لا يطبق الشريعة، ولا داعي لذكر الأسماء لأن أصحابها لا يستحقون. فإذا كان رئيس المجلس يعتبر أن لدينا أساتذة في الفكر السلفي لماذا لم يقترح أسماءهم ليكونوا في يافطات التشوير بتمارة ؟ ولماذا اضطر إلى استيرادهم من صحراء جزيرة العرب ؟
2) من جانب آخر إذا كان هؤلاء الذين وضعهم رئيس المجلس على واجهاتنا العمومية بتمارة خريجي جامعات فهل كان ابن لادن والظواهري والبغدادي أميين ؟ ألا يعلم رئيس المجلس بأن جميع قادة الإرهابيين وعتاة المجرمين خريجو جامعات ومنهم الأطباء والمهندسون الكبار ؟
3) قال رئيس المجلس إنهم مستعدون لتلقي عرائض المواطنين ومقترحاتهم بهذا الشأن، أذكر الرئيس بأنه سبق لجمعية أن اقترحت عليه مشروعا كاملا لتسمية أزقة حي بتمارة بأسماء الأودية المغربية والنباتات، وقد شكر الرئيس المسؤولين عن الجمعية ونوه بمجهودهم ليضع بعد ذلك في الحي المذكور أسماء خليجية لا علاقة لها ببلدنا، وما زالت معلقة إلى الآن.
4) علينا أن نطرح السؤال على أصدقائنا الاتحاديين بتمارة، هل حقا وافقوا على تلك الأسماء المنكرة ؟ وهل يعرفونها، أم أنهم صادقوا عليها تحت مسمى “صحابة الرسول” كما هو مسجل في المحضر، وفي هذه الحالة سيكون رئيس المجلس هو من مارس التدليس والتزوير والغدر في حق غيره. أما إذا كان الاتحاديون قد علموا بحقيقة الأمر وسكتوا لأن أسماء المهدي بنبركة وعبد الرحيم بوعبيد مدرجة أيضا ضمن اللوائح فهذه مقايضة في غير محلها، لأن أسماء المهدي وبوعبيد لم تعد مجرد رموز للحزب اليساري بل هي شخصيات وطنية، عملت من أجل العدالة الاجتماعية والتغيير وأنجزت الكثير سواء في مواجهة الاستعمار أو في إرساء أسس الدولة الحديثة في بلادنا، ولا تجوز مقايضتهم بأسماء سعودية يخجل المرء من ذكرها ؟
معضلة حقيقية
جاء رئيس المجلس البلدي لتمارة إلى موقعه عبر صناديق الاقتراع، أي عن طريق الديمقراطية، ولكنه اختار أن يسمي أزقتنا بأسماء من يعتبرون الديمقراطية “كفرا” ولا يرون لزوما في بلدهم لوجود دستور أو أحزاب أو انتخابات، وما زالوا يعارضونها حتى الآن، وهاجموا بشراسة الحقوقيين الذين دعوا إلى ذلك في السعودية حتى أدخلوهم السجن، واعتبروهم عملاء للغرب. كيف يمكن التعاون والعمل مع من يعتبر قدوة له الإرهابيون والقتلة ومغتصبو الأطفال وشاربو بول البعير ؟ هل يمكن أن نبني وطنا ناهضا مع من لديه مشروع دولة أخرى غير التي نتواجد فيها ؟