الأستاذ حسوني قدور بن موسى
المحامي بهيأة وجدة
منذ سنة 2005 يصدر عن مؤسستين أمريكيتين هما: صندوق السلام و مجلة السياسة الخارجية و الذي أعيد تسميته ليكون مقياس الدول المتخلفة الهشة يرصد حالة العجز و الفشل و التعثر التي تصاب بها أكثر الدول اخفاقا ، و مما لا شك فيه أن الحكومات والمنظمات العربية تعد مسؤولة عن نجاح أو فشل كامل للقطاعات و المجالات المهنية و الاجتماعية و الاقتصادية التي تتولى ادارتها وخلال السنوات الاخيرة تزايدت باستمرار حالات الفشل و الهشاشة في الدول العربية من بينها المغرب في مجالات عديدة يشملها المقياس، منها على الخصوص عدم توفير الأمن واحترام الحريات الفردية والجماعية و الحفاظ على التماسك الاجتماعي و الاستجابة للطغوط الاقتصادية و مكافحة الفقر و اشباع مختلف الاحتياجات السكانية، فالحكومات و المنظمات العربية مصنفة فاشلة لأن السمكة تفسد من رأسها و لهذا فلا مخرج من التخلف الا اذا صلح الرأس أي الدولة و كذلك المنظمات التي تحيط بالحكومات العربية و من بينها جامعة الدول العربية واتحاد المحامين العرب واتحاد المغرب العربي والاتحاد العربي لمعاهد الشباب والاتحاد العام للغرف العربية ، صندوق النقد العربي ، الهيأة العربية للتصنيع ، مجلس الوحدة الاقتصادية، المنظمة العربية للتنمية الزراعية ، الاتحاد العربي لكرة القدم، الجامعة العربية المفتوحة… هذه المنظمات و غيرها من المنظمات العربية الميتة لا يعرف عنها المواطن العربي أي شيء ولا تقدم أي انجاز للمواطن العربي في حين توجد في أوروبا منظمات ومجالس تساهم فعلا في التنمية الاقتصادية و الاجتماعية مثل الاتحاد الأوروبي و مجلس التعاون الاقتصادي و اتفاقية التجارة الحرة و الاتحاد من أجل المتوسط و البنك الأوروبي لاعادة البناء والتنمية و المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان لحماية المواطن الأروبي من الانتهاكات و التعسفات التي قد يتعرض لها من طرف أي دولة أوروبية و كالة الفضاء الأوروبية والجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا …
أما في الدول العربية فان المنظمات لا تقوم بأي نشاط اجتماعي أو تنموي بل تزكي عمل الحكومات حتى و لو كان فاشلا و هكذا تتمادى الحكومة في اخطائها.
الحكومة لا تخطئ الا اذا وجدت مجتمعا يسمح لها بارتكاب الخطأ ولا تقوم بعمل جيد الا عندما يتفانى المجتمع و المنظمات ليفرض عليها الصواب ، المجتمع شريك الدولة في صناعة التخلف أو انجاز التقدم و المجد لأن دور المجتمع يبقى أساسيا باعتباره هو المؤسس للدولة و مع ذلك تبقى الدولة تتحمل نصيبها الهائل من التخلف لسوء ادارتها أما المجتمع فيتحمل نصيبه من اللوم على نوعية الحكومة الفاشلة التي اختارها و سمح لها بقيادته فهو الذي أقام الدولة و هو الذي تركها تستبد و لا تؤدي ما كان يتوقعه منها ثم عاد يشكو و يبكي مما صنعه بيديه ، المجتمع هو الذي يسمح للحكومة بالتراخي و الفساد و الجبروت اذا لم يكن يقظا في مراقبة ومحاسبة المسؤولين الذين اختارهم لادارة شؤونه، فالحكومات العربية لم تكن لتقمع الحريات الا لأن المجتمع و المنظمات المدنية فشلت في جعلها قضيته الكبرى و لم تكن الدولة في أوروبا لترعى الحريات الا لأن المجتمع الأوروبي فرض ذلك عليها عن طريق النضال المرير و التضحيات الجسيمة كذلك لم تهمش الدولة في البلاد العربية المواطنين عن المشاركة السياسية الا لأن المواطنين لم يظهروا قوة عددهم و صلابة علاقاتهم في الدفاع عن حقوقهم المدنية و السياسية و الاقتصادية و فرطت المجتمعات العربية كثيرا في حقوقها، أهمها الوعي بان الحقوق لا تمنح بل تنتزع بقوة التضحية و النضال كما ان المجتمعات العربية لم تعد تعي معنى المجتمع الذي هو صاحب الحق الأصلي قبل نشوء الدولة فبدون مجتمع لا يمكن تصور دولة، مجتمعات عربية تعتقد أن ما تقدمه الدولة للأفراد هو كرم و سخاء منها و لا تعرف بأن خيرات البلاد هي ملك لها و لا تعرف بأن الدولة هي مجرد جهاز أعطيت له صلاحية ادارة شؤون المواطنين و يجب على المجتمعات في الدول العربية أن تدرك أنها فاشلة و أن عليها نقد ذاتها اولا قبل أن تتهرب من مسؤوليتها بالقاء اللوم على الدولة و لا بد أن يعترف المجتمع بأنه فاشل و أن فشله لا يقل درجة عن فشل الدولة بل أن فشله هو المسؤول عن فشل الدولة، و لهذا نلاحظ أن كل الاتحادات و المنظمات العربية بما فيها جامعة الدول العربية و اتحاد البرلمانات العربية و اتحاد المحامين العرب و اتحاد المغرب العربي منظمات فاشلة ليس لها أي دور في الدفاع عن مصالح الأمة العربية. فمنذ نحو قرن من الزمان ومشاريع الوحدة العربية تتعرض للإجهاض والانكفاء بل والمزيد من التفتيت والحروب الداخلية والتجزئة وتكريس القطرية، وتنتقل المشاريع الوحدوية بين الدول العربية من فشل إلى فشل حتى أصبح الفشل و الهزيمة هو القاسم المشترك لجميع الأفكار الوحدوية، وصار هذا المصير معروفا مسبقا عند الحديث عن أي مشروع وحدوي عربي جديد ، ليس هناك أي انجاز لهذه المجتمعات و المنظمات العربية خاصة فيما يخص القضية الفلسطينية و الدفاع عن حقوق الانسان في الوطن العربي ، لم نسمع و لم نقرأ أن هذه المنطمات اتخذت قرارات شجاعة تدين انتهاكات حقوق الانسان في الدول العربية ، انما الانجاز الذي تقدمه هذه المنظمات الفاشلة هو ارسال برقيات التهاني الى الحكام العرب في كل مناسبة و اقامة الحفلات و السهرات في الفنادق الفخمة من أجل ملء بطونهم في الوقت الذي توجد فيه البلاد العربية في حالة حروب و تمزق و فقر و مجاعة و أمراض خطيرة تهدد المواطنين العرب و لهذا فان ظاهرة الفشل ليس مبعثها فشل الحكومات بل مبعثها فشل المجتمعات العربية في مقاومة الفساد و الطغيان و كما يقول المثل: ” لولا غفلة الجماهير لما قال فرعون أنا ربكم الأعلى”.