بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
هل اقتربت الساعة وأزفت الآزفة، وآن الأوان وحلت ساعة الحقيقة، ونودي على نتنياهو أن ارحل، وانس منصبك واغرب، واترك مكتبك وتنحَ، وتخل عن حراسك وانجُ، واجمع دفاترك واطوِ ملفاتك وامض، وودع موظفيك وصافح مساعديك وامش، واستعد لمواجهة مصيرك وتهيأ، وأغلق حساباتك واطفئ هواتفك وغادر، وابك على خطيئتك واندم، فقد سقط جدارك وانكسر ظهرك، وانكشف حسابك ورحل سندك، وسبقك سيد البيت الأبيض الذي أغراك وهوَّركَ، وخدعك وضلَّلكَ، وكذبَ عليك وورطك، وكتب نهايته ونهايتك، وسلمك ضعيفاً إلى خصومك، خائر القوى في خاتمة عهدك ونهاية أيامك.
أدرك نتنياهو المطب الذي وقع فيه، والحفرة التي سقط فيها، والمأزق الذي وصل إليه، وتراءت أمامه خاتمته التي لم يكن يتوقعها، إذ كان يحلم أن يستمر ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية لأربعة سنواتٍ قادمةٍ، يواصل فيها عطاءاته السياسية له، ومنحه الاستراتيجية لكيانه، وينفذ وإياه خطته المسماة صفقة القرن، وينهي معه حلم الدولة الفلسطينية، والكيان الفلسطيني المستقل، ويتمم وإياه اتفاقيات السلام مع الأنظمة العربية ويطبع معها، بعد أن يكسب اعترافها بكيانه وقبولها بوجوده، وبذا يجعل من نفسه أعظم رئيس حكومةٍ في تاريخ كيانه، وأعلى مقاماً من أي ملكٍ يهوديٍ سابقٍ، إذ حقق الكثير مما كان يحلم به شعبه ويتمناه، ومكن لكيانه في الأرض بما كان لدى غيره صعباً أو مستحيلاً.
اليوم بدأ التحالف الجديد ضد نتنياهو ينهض ويكبر، ويعلو صوته ويصخب، بعد أن أدركوا أنه بات ضعيفاً يخاف، وقلقاً يترقب، وحذراً يفزع، وكسيحاً لا يتحرك، ووحيداً لا يستقوي، فتشكل ضده تحالفٌ من الأضداد المتشاكسين، والشركاء الغاضبين، والمنافسين الخطرين، والخصوم اللدودين، الذين يتمنون سقوطه، ويحلمون في نهايته، وينسقون لسحب الثقة من حكومته ومحاكمته، والانتقام منه ومحاسبته، فشكلوا معاً نواة كتلةٍ معارضةٍ تضمهم ومجموعة من الحاقدين على بعضهم والكارهين لغيرهم، إلا أنهم يجتمعون على نتنياهو ويتفقون ضده، وقد قرروا انتهاز الفرصة وإسقاطه، فهو الذي استفرد بهم وفرقهم، واستقوى عليهم ومزقهم، وضحك على بعضهم واستهزأ بهم، واستخف بهم وركبهم، واستنوق عليهم وحلبهم.
كان نتنياهو يهدد شركاءه في الائتلاف الحكومي قبل سقوط ترامب، بحل الكنيست والذهاب إلى انتخاباتٍ رابعةٍ مبكرةٍ، حيث كان والكتلة اليمينية التي تؤيده مطمئناً إلى أنهم سيحصلون على نسبةٍ أعلى، وسيتمكن برئاسته من تشكيل حكومةٍ يمينيةٍ نقيةٍ قويةٍ، دون الحاجة إلى يمين الوسط أو اللجوء إلى شروط ليبرمان القاسية، وبحل الكنيست سيتخلص من اتفاق الشراكة مع بيني غانتس، وسيحرمه من تولي رئاسة الحكومة الإسرائيلية عند الاستحقاق، وقد عمد فعلاً إلى ذلك عندما رفض الموافقة على إقرار ميزانية العامين 2020-2021، والاكتفاء بميزانية أربعة أشهرٍ فقط.
أما الآن فقد بات يخشى ما كان يتمنى، ولا يريد أن يخوض ما كان يخطط له، لأنه أصبح يشعر أنه وإن كان سيكون الأوفر حظاً لجهة عدد الأصوات، لكنه لن يكون قادراً على تشكيل حكومةٍ جديدةٍ برئاسته دون الاستعانة بأحزاب يمين الوسط، أو الخضوع لشروط ليبرمان الذي يتربص به، وقاصمة الظهر الأخيرة هي انتقال نفتالي بينت إلى صفوف المعارضة، وعزمه على الانتقام من نتنياهو الذي استخف به وسخر منه، واستخدمه لفترة ثم ألقى به، إذ سيتكون التكتل المعارض الواعد من غانتس وليبرمان ولبيد، وسيكون مفتوحاً أمام نفتالي بينت وأشكنازي ويعلون وغيرهم، الأمر الذي يجعل من حل الكنيست احتمالاً مؤكداً.
رفع نتنياهو صوته عالياً، وجهر بالقول مدعياً الحكمة والرزانة، والوعي والمصلحة العامة، فخاطب شريكه الذي أهمله، وحليفه الذي أهانه وأحرجه، بيني غانتس الذي صدقه، وطالبه بالحكمة والتروي، وعدم التسرع والانجرار وراء الذين لا يهتمون بمصالح البلاد وهموم الشعب، ودعاه إلى العودة عن قراره، وعدم دعم المتهورين من شركائه، والالتفات إلى الوحدة الوطنية، والانشغال بمواجهة وباء كورونا والتصدي له، والعمل على تحسين الاقتصاد والنهوض به، وذكره بأن المرحلة خطيرة والتهديدات كبيرة، والدولة في حاجة إلى حكومةٍ قويةٍ وقراراتٍ رشيدة، وليست في حاجة إلى انتخاباتٍ مبكرةٍ رابعةٍ، لن تنقذ البلاد بل ستغرقها، ولن تحمي الشعب بل ستمزقه، إذ لن تفضي إلى تشكيل حكومةٍ قويةٍ مسؤولة.
قد لا يعنينا كثيراً من يكون رئيساً لحكومة الاحتلال، فكلهم غاصبٌ محتلٌ، وكلهم مجرمٌ قاتلٌ، لا فرق بينهم سوى في حجم الإجرام وغزارة الدم، ولا يوجد فيهم من يؤمن بالحقوق الفلسطينية، ويعترف بهم ويقبل بشروطهم، بل إنهم يتحالفون ضدنا ويتفقون عليهم، وأغلب المعارضين لنتيناهو كانوا رؤساء أركانٍ للجيش الذي فتك بشعبنا، ودمر مدننا، واجتاح مخيماتنا، وألحق بمجتمعاتنا أضراراً بالغةٍ، وأياديهم جميعاً ملطخة بدمائنا، ومسؤولة عما أصابنا، وإذا تولوا الحكم وأصبحوا مكان نتنياهو فلن يكونوا أفضل منه أو أرحم، أو أحسن منه وأكثر رأفةً، أو أقل منه قسوةً وعدواناً.
إلا أننا سعداء بسقوط الفيل وخسارة الذئب، فذهاب الأهوج المأفون المجنون مكسب، ورحيل المتطرف اليميني العنصري مكسب أيضاً، وانتهاء صفقة القرن ودفن خطة ترامب مصلحة لنا، وفضيحة نتنياهو وإهانته، وسجنه ومحاكمته، واحتقاره وعزله، وتجريده وحرمانه، يفرحنا ويسعدنا، ويرضينا ويشفي غليل قلوبنا، فهذا رجلٌ أثخن فينا، وبالغ في الإساءة إلينا، وهدد مستقبلنا، وكاد أن يشطب هويتنا، ويمحو اسمنا، لولا قدر الله الغالب، الذي اختص فلسطين بشعبها، وأكرمها برجالها، وامتن عليها بأبطالها، الذين يصمدون فيها كما الشمس والسماوات، ويشمخون في مواجهة الأعداء كما الجبال والراسيات.
بيروت في 3/12/2020