ذ.رشيد مجدوب يكتب: الرئيس ماكرون والقيم الدينية..

admin
كتاب واراء
admin21 ديسمبر 2020آخر تحديث : منذ 4 سنوات
ذ.رشيد مجدوب يكتب: الرئيس ماكرون والقيم الدينية..

في مؤتمر صحافي جمعه بنظيره الفرنسي بقصر الإليزي، صرح السيسي، عن علم أو جهل، بأن القيم الإنسانية “من صنع الإنسان” خلافا للقيم الدينية التي هي “امْتاعت ربنا”، ما أثار حفيظة ماكرون وهو يرد بلباقة دبلوماسية لا تخلو من خبث بأن “القيم الإنسانية هي التي نعتمدها في صيانة حقوق الإنسان..” .

جاءت هذه “الفذلكة” في ظرف سياسي دقيق تمر منه السياسة الفرنسية، في أعقاب موجة إرهابية تعرضت لها باريس؛ آخر فصولها ذبح أستاذ فرنسي على يد متطرف شيشاني.

وحرصا منها على تأمين مبدأ الحريات وصيانته في مواجهة التيارات الإسلامية الراديكالية، أقدمت فرنسا مؤخرا على إعادة النظر في المؤسسات ذات الصلة والتوجه الإسلاميين؛ كالمساجد والأئمة وأعمال البر والإحسان…اعتقادا منها أنها صارت تشكل تهديدا مباشرا لقيمها التحررية، واستنباتا لكل خلايا التطرف التي تسعى إلى ترسيخ رؤية للحياة ضدا على قيم فرنسا، رائدة الحداثة والعلمانية.

المسلمون بفرنسا

غني عن البيان أن التدين الإسلامي بفرنسا ليس وليد اليوم أو البارحة، فالإحصائيات الرسمية تفيد بأن مسلمي فرنسا يبلغ تعدادهم 4.5 ملايين مسلم، معظمهم هاجروا إليها مع مطلع القرن العشرين، وكان نزوحهم على مرحلتين: الهجرة والتهجير، وهذه الأخيرة كانت هي الأكثر بروزا. ويعتقد أن الديانة الإسلامية هي الأكثر انتشارا بين الساكنة الفرنسية من ذوي الأصول الشمال إفريقية، وقد امتد نفوذها إلى استقطاب ما يناهز 200 ألف من ذوي الأصول الفرنسية؛ من بينهم %4 من أفراد القوات العسكرية الفرنسية، اعتنقوا الإسلام في فترات قديمة متلاحقة.

ويلاحظ أن الدستور الفرنسي ينص في مادته الثانية على أن فرنسا جمهورية علمانية، ولا تعترف ولا تعادي أي ديانة، وتحترم جميع الأديان؛ بيد أنها نهجت مؤخرا سياسة استثنائية تجاه الديانة الإسلامية، في ظل سلسلة أحداث إرهابية، ذهب ضحيتها العديد من المواطنين الأبرياء، واهتز لها الرأي العام الفرنسي الذي أصبح يشكل ضغطا ملحوظا على القرار السياسي، تمتزج فيه عادة البروباغندا الانتخابية وجانب الأمن الداخلي.. وقد تكون لخطواتها وإجراءاتها الأخيرة، في اتجاه ضرب حصار مشدد على دور العبادة وأئمتها ومصادر تمويلها، تداعيات مفاجئة قد تدفع ببعض التيارات “الإسلامية المتطرفة” والتكفيرية منها خاصة إلى الإقدام على عمليات إرهابية نوعية أكثر خطورة من ذي قبل، للفت انتباه السلطات الفرنسية إلى إعادة النظر في تعاملها مع المسلمين ومساجدهم وكل ما له صلة بالإسلام.

الإسلام بمقاسات فرنسية

كان حريا بالساسة الفرنسيين العودة إلى مساءلة الماضي القريب للوقوف على نقاء البيئة الدينية التي عاشها الفرنسيون في تواد وحسن جوار مع المسلمين والمسيحيين واليهود وغيرهم. ولا يجب بحال محو هذا الماضي أو اعتقاله إلى حين؛ كما يجب نهج مقاربة علمية دقيقة، خالية من أي عنصرية أو تحامل ضد الديانة الإسلامية، في التعاطي مع الشأن الديني الإسلامي، ترصد فقط بوابات الولوج التي يستخدمها الإرهابيون، وتتمثل في تشديد المراقبة على الحدود الجغرافية أولا ووسائط التواصل الاجتماعي ثانيا، علاوة على تقنين بناء وتمويل دور العبادة..

جدير بالملاحظة أيضا أن المقاربة التي تنتهجها حاليا السلطات الفرنسية تجاه “الإسلاموية” ينبغي ألا تلغي دور القيم الدينية أو تمضي في مضايقتها، وفي آن عليها أن تقرّ بأنها كانت، عبر الحقب التاريخية، المرجعية الأولى التي قامت عليها القيم الإنسانية نفسها، والمصدر الأوّلي الذي اشتقت منه الحقوق والحريات الفردية والعامة، سواء في المسيحية واليهودية أو الإسلام.

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.