*صلاح الوديع
تفاعلا مع السجال الدائر مجددا حول حذف الفصل 490 من القانون الجنائي المغربي، نرى أن الحكومة مطالبة بأن تتفاعل مع نقاش مجتمعي قائم منذ سنوات، أي منذ اعتماد الدستور الجديد في 2011. مضمون النقاش هو ملاءمة القوانين القائمة -ومنها القانون الجنائي- مع روح ومنطوق الدستور الجديد.
وطبيعي أن يشارك فيه الأفراد بالطرق التي يرتضونها، وفي المقام الأول المؤسسات التمثيلية (البرلمان) وقبل ذلك الأحزاب والجمعيات وعلماء الاجتماع والبحث الجامعي والمتخصصون في البحث في المتن الديني وغيرهم.
فالجميع يعلم أن أهم قانون بعد الدستور هو بالضبط القانون الجنائي. والقانون الجنائي القائم اليوم، يعود إلى سنوات الستينات، فكيف يمكن أن نفسر هذا التأخر في المراجعة، لاسيما بعد دستور 2011، أي منذ عقد من الزمن؟ وكيف نفهم الإبقاء على قوانين تعود إلى 60 سنة خلت؟ إنها مشية السلحفاة، فيما العالم حولنا يتطور بسرعة الضوء.
وحتى لو امتنعنا عن أخذ العالم كمثال، فإن العقل لا يستوعب أن تظل القوانين جامدة خلال أكثر من نصف قرن، تغيرت فيها أنماط العيش وأنماط السلوك ومستويات وطرق التواصل ومتطلبات تأسيس الأسر والأوضاع الاجتماعية للشباب وللنساء والرجال على السواء.
فقد سبق أن تقدمنا في حركة ضمير، بآراء ومواقف في عدة مناسبات، تهم ضرورة مراجعة القانون الجنائي واعتماد قانون جنائي جديد، وليس فقط إدخال تعديلات على القانون القائم. قانون يكون منطقه تنظيم الحريات في المجتمع لا تنظيم الرقابة عليه. وبالطبع يشكل موضوع الحريات الفردية إحدى أهم ملفاته. ومن بينها العلاقات الجنسية الرضائية، في الحدود التي لا يتأذى منها طرف ثالث.
وتقدمت حركة ضمير من خلال مذكرة “المغرب الذي نريد”، التي شاركتُ بها في النقاش حول النموذج التنموي بمقترحات دقيقة في هذا الباب. وما يجب أن يُفهم في النقاش الدائر، هو أن المجتمع وأفراده قطعوا أشواطا دالة في ممارسة حرياتهم الفردية على هذا المستوى. وأن القانون يوم تتم مراجعته طبقا لهذه الروح، لن يكون إلا عملية انسجام مع واقع قائم وممارسات سارية، حتى من لدن العديد ممن يمكن أن يعارضوه علانية، علما أن القانون – ما دام قائما – لا نفع منه عمليا إلا أن يظل سيفا مسلطا على رقاب الناس لا أقل ولا أكثر.
أضف إلى ذلك، أن اعتماد قانون كهذا، ليس مطلوبا منه أن يُفرضَ على أحد. فلكل فرد الحق – بموجب نفس القانون – في أن ينظم حياته باعتماد الممارسات والسلوك والمقاربات التي يرضاها لنفسه وللوسط الذي يعيش فيه. وعليهِ في المقابل أن يتقبل أن هناك مغاربة يمكن أن يعيشوا بطريقة تخالف طريقته على مستوى العلاقات الشخصية.
على المجتمع أن يقبل تجاوز الازدواجية في هذا المستوى، في العلاقة بين الخطاب والسلوك. فالكل يعلم والكل يتصرف كأنه لا يعلم، ويفضل أن يلعب دور من لا يعلم. وفي انتظار ذلك، على النقاش العمومي أن يلتزم بالاحترام للآراء المتعارضة، سواء بشأن هذا الموضوع أو فيما يتعلق بأي موضوع مجتمعي آخر يطرح الآن أو لاحقا.
*منسق حركة ضمير