حسوني قدور بن موسى
المحامي بهيأة وجدة
إن إقامة العدل وظيفة أساسية في دولة الحق والقانون، فالقضاة يتصرفون في حقوق وحريات المواطنين والجماعات وشرفهم وأمنهم ومصالحهم، وهذا الدور يعكس مدى خطورة منصب القاضي الذي قيل عنه قديما : “من ولي منصب القاضي فقد ذبح نفسه بدون سكين ”، وقيل عن القضاء إنه “مقياس الخير في الأمم، وهو معيار العظمة فيها، وهو رأس مفاخر كل أمة حية وراشدة ”، و قيل “فساد القضاء يفضي إلى نهاية الدولة” .
يجب على القاضي أن يكون مؤهلا ومتخصصا ودارسا لمبادئ القانون الذي يحكم به، وأن يكون مثقفا باحثا وعارفا بأحوال الناس وبجميع نواحي الحياة، واسع الصدر محيطا بكافة ملابسات القضية المعروضة عليه التي يجب عليه أن يحكم فيها بالعدل، وأن يكون محمود السيرة، معروف النسب، فلا يكون ابن زنا و لا يخاف من أصحاب الجاه أوالمال أوالقوة أوالسيطرة السياسية، وأن لا يبالي بلوم الناس، وأن يقمع الظلم وينصر المظلوم ويعطي لكل ذي حق حقه، وأن لا يبيع ولا يشتري في عروض التجارة، وأن يحترم واجب التحفظ الذي يبعده عن الشبهات خاصة الجلوس مع الأشخاص المشتبه فيهم في الأسواق والشوارع والمقاهي والأماكن غير اللائقة التي تثير شكوكا بشأن استقلاليته وتجرده وحياده ، وأن يبتعد عن كل ما من شأنه المساس بسمعة القضاء ، و في المقابل
لا يطال واجب التحفظ إبداء الرأي في الأمور السياسية والاجتماعية و الثقافية والاقتصادية لأنها تهمه كمواطن، والقاضي هو حامي الحقوق والحريات، ولقد تضمن دستور 2011 العديد من المبادئ التي أوكل للقاضي فيها مهمة حمايتها المنصوص عليها في المادة 117 التي جاء فيها : “يتولى القاضي حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي وتطبيق القانون”، فالقضاء لجميع الناس والقاضي ليس لواحد من الخصوم ، “ أعطني قضاء أعطك دولة”، فبدون قضاء عادل لا يمكن تحقيق دولة الحق و القانون، ومقولة تشرشل رئيس الوزراء البريطاني “ إذا كان القضاء بخير، فإن بلدي بخير”، مقولة تتغنى بها الأمم ، قال عمر بن عبد العزيز: “إذا كان في القاضي خمس خصال فقد اكتمل : علم بما كان قبله ونزاهة عن الطمع وحلم على الخصم واقتداء بالائمة ومشاورة أهل الرأي والعلم “.
يستمد القاضي الذي ينتمي إلى السلطة القضائية شرعيته من القانون الذي يفترض فيه أن يكون مستقلا ومحايدا، إذ أن هذين المبدأين مفروضان على السلطتين التنفيذية والتشريعية، وقد يؤدي تجاهلهما إلى المساس بثقة الجمهور
إن القاضي النزيه والعادل جدير بالنظر في المسائل الخاصة بممارسة الأفراد لحقوقهم المدنية والسياسية وهو ملزم أكثر من غيره بالصدق و الاستقامة والأمانة، كما يجب على القاضي تطبيق القانون بفضل معرفته و إلمامه بالنصوص ومبادئ حقوق الإنسان المتعارف عليها عالميا، والتي يتشبت المغرب بها في ديباجة دستوره، وكذلك حرص القاضي الدائم على عدم الكف عن حماية الحريات الفردية والجماعية التي يعتبر حارسها والساهر على حمايتها من الانتهاكات، وعلى القاضي أن يرى بحسه السليم وفطنته وذكائه نداء الحق، فالحق لا يتمثل في القواعد القانونية، وإنما بما تقرره هذه القواعد وتجعل من هذا الحق قوة يمكن الوصول إليها، وتوجد بين القانون والحق علاقة ترابط واتصال تجعل الحق قوة عندما يقر ذلك القانون الذي يهدف إلى تحديد الحقوق وبيان مداها وكيفية اكتسابها وانقضائها، ويمكن القول أن الحق ثمرة القانون والقانون هو أداة لتثبيت الحقوق وبيانها، هناك علاقة متبادلة بينهما إذا ضاع أحدهما ضاع الآخر، والقاضي هو الساهر بعلمه وتجربته على الحفاظ على هذا التوازن بين الحق والقانون ويجب على القاضي الامتناع عن إقامة أية علاقة مشبوهة مع ممثلي السلطتين التشريعية والتنفيذية كما يجب أن يظهر القاضي في عيون المواطنين بمظهر الانسان المثقف الذي يحترم حقوقهم وحرياتهم، ومن الملاحظ أن انتقال القضاة من منطقة إلى أخرى يتيح حماية ضد إقامة علاقات وثيقة مع مختلف الشخصيات، كما يجب أن يحافظ قضاة المحاكم وأعضاء النيابة العامة على استقلال بعضهم عن البعض على الرغم من انتمائهم للهيئة نفسها، ويمثل مبدأ الحياد وهو حق مضمون للمتقاضين بموجب الدستور ومبادئ حقوق الإنسان واجبا مطلقا مفروضا على القاضي الذي هو عنصر أساسي من عناصر ثقة الجمهور، وينطوي الحياد عند ممارسة الوظائف القضائية على الغياب اللجلي للأراء المسبقة، وأن يكون قادرا على تلقي جميع وجهات النظر التي نوقشت أمامه وأخذها بعين الاعتبار.
في الواقع، فإن الحديث عن الفساد القضائي في بلادنا يثير انتباه منظمات حقوق الإنسان داخل المغرب وخارجه، وفي هذا الصدد، أعاد التقرير الصادر عن مجلس أوروبا، الذي أقر بتورط بعض قضاة المغرب في قضايا الرشوة، الحديث مرة أخرى على واقع الفساد في أوساط السلطة القضائية. يظهر أن القانون المغربي لا يمنع القضاة من تلقي الهدايا والعطايا و رغم الشكايات المتعددة ضد القضاة الذين ارتكبوا أخطاء قضائية خطيرة ألحقت أضرارا مادية و معنوية كبيرة بالمواطنين فانهم لا زالوا جاثمين في مناصبهم لسنوات عديدة بل أكثر من ذلك تمدد مهماتهم لسنوات أخرى في الوقت الذي يوجد فيه شخصيات قانونية مثقفة نزيهة عاطلة عن العمل، كل هذه الخروقات و الفضائح الواضخة تتم في غياب التفتيش و انعدام مراقبة السلطة القضائية لعمل المحاكم و بقاء القضاة امشتبه فيهم في مناصبهم دون تأديب أو نقلهم الى مناطق أخرى، و هكذا يوجد في محاكمنا قضاة يظلمون الناس يحبون المال حبا جما ، كان القاضي في بني اسرائيل اذا اختصم له خصمان رفع أحدهما الرشوة في كمه فأراها للقاضي فلا يسمع الا قوله . فأنزل الله قوله : ” سماعون للكذب أكالون للسحت” و الظلم في أي مكان تهديد للعدل و الانسان العاقل لا يبطل حقا و لا يحق باطلا و لن تكون عادلا ما لم تكن انسانا و دولة بلا عدل مثل النهر بلا ماء ، ينبغي للقاضي أن يكون يوما في القضاء و يوما في البكاء على نفسه.