يوم بعد يوم تتحفنا الاخبار والمواقع الدولية و المعطيات الملموسة على ان المغرب اصبح من الدول الافريقية الرائدة في عدة مجالات ، وبالفعل فقد استطاع المغرب ان يبرز في السنوات الأخيرة على الصعيد الديبلوماسي والاقتصادي وحتى العسكري و ان يحرز انتصارات كبيرة في عدة ميادين وفي اكثر من صعيد ، فمنذ تولي الملك محمد السادس مقاليد الحكم بالمغرب انتقل المغرب من منطق سياسي وديبلوماسي يغلب عليه الاحتراز و والتوافقات والاعتبارات العاطفية الى منطق سياسي جديد ينشد الفعالية والتأثير ويطمح الى ربح الرهانات الصعبة وتجاوز الاكراهات بروح الصمود والتحدي وبعقلية الشراكة المنتجة . الامر اذا يتعلق بتطور في موازين القوى في افريقيا لصالح المغرب بعدما انهارت جل الأنظمة التقليدية المعادية للمغرب و اضمحلت العقائد الايديلوجية التي تبناها أعداء المغرب وخصومه. ماهي اهم المجالات والرهانات التي ربحها المغرب مؤخرا ؟ و ما أسباب التفوق الاستراتيجي المغربي على الصعيد الافريقي ؟ تلكم بعض الأسئلة التي ساحاول الإجابة عنها باقتضاب شديد.
*التعامل مع جائحة كورونا باستباق واقتدار :
استطاع المغرب ان يكون من بين الدول القلائل في العالم التي استطاعت مجابهة جائحة كورونا بكل اقتدار وروح استباقية حيث ان المبادرة الملكية بتخصيص صندوق لدعم الفقراء والمحتاجين والمتضررين من جائحة كورونا ساهم الى حد كبير من تخفيف الاثار السلبية الخطيرة للجائحة على الجانب الاقتصادي والاجتماعي، وهي اثار سلبية هددت عيش ملايين من المغاربة، كما ان توفير الأجهزة الصحية الضرورية وأجهزة التنفس الاصطناعي والكمامات عكست نجاح الرؤية الاستباقية المغربية في المجال الصحي بدون بالطبع ان ننسى التضحيات الكبيرة التي بذلها رجال ونساء قطاع الصحة المغاربة الذين ضحوا بأرواحهم من اجل انقاذ المغرب من هذا الوباء الخطير . النجاح الكبير لحد الان في التصدي لجائحة كورونا لم يكن ليتحقق الا بالعمل المهني الكبير والوطنية الكبيرة التي ابانت عنه السلطات العمومية بمختلف أنواعها و تشكيلتها ، والوعي التضامني والتكافل الاجتماعي الذي عبر عنه المغاربة فيما بينهم . المغرب كان من أوائل الدول التي وفرت اللقاحات لشعبها متقدما على دول كبرى في العالم وهذا نجاح طبي وديبلوماسي كذلك، اذ ان الخطة المغربية الاستباقية مكنت المغرب من ابرام اتفاقات مع مختبرات ادوية في العالم اثناء التجارب السريرية الأولى التي شارك فيها بعض المغاربة وتمكن المغرب في ظرف حرج وقياسي تلقيح حولي 5 ملايين من المواطنين والمواطنات المغاربة في وقت لا تزال فيه دول كبرى لم تصل الى نصف هذا العدد من الملقحين . بفضل الجهود الرسمية المغربية و الوعي الشعبي النموذجي استطاع المغرب تقليل الخسائر البشرية و فضل المغرب التضحية بالاقتصاد على أساس حفظ صحة المواطنين . كما ان تقرير جديد لليونسكو يشيد بالجهود المغربية في مجال التعليم في ظل جائحة كورونا اذ ان المدارس استطاعت توفير الحد الأدنى من التحصيل الدراسي رغم هذه الجائحة.
*النجاحات الديبلوماسية في ما يخص قضية الصحراء المغربية :
انتقلت الديبلوماسية المغربية من دورها التقليدي الذي يركز على إقامة علاقات ودية وترسيخ الاستقرار والحفاظ على السلام و حفظ التوافقات الدولية والناي بالنفس عن الصراعات الدولية الى ديبلوماسية فاعلة مؤثرة تبحث عن الأسواق الاقتصادية الجديدة و تخوض غمار التنافسية و استقطاب الاستثمارات المنتجة و تدافع بكل السبل من اجل تأهيل الاقتصاد الوطني ، فعلى صعيد قضية الصحراء المغربية استطاع المغرب ان يقنع كبريات الدول في العالم بالاعتراف بالسيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية للمغرب ومن بينها الإدارة الامريكية التي قررت يوم 10 دجنبر 2020 الاعتراف الرسمي بالسيادة المغربية على كل اقاليمه الجنوبية ، هذا التطور الديبلوماسي الكبير لم يكن ليتـأتى لولا الجهود الديبلوماسية الكبيرة التي بذلها جلالة الملك محمد السادس الذي يحظى باحترام وتقدير كل رؤساء وملوك العالم ، كما ان المقاربة الديبلوماسية المغربية باتت تتحدث لغة المصالح المشتركة وأصبحت تعمل على تنويع الشركاء الدوليين في اطار منطق علائقي – رابح رابح- . الاعتراف الأمريكي بالسيادة المغربية الكاملة على أراض الصحراء ، فتح المجال امام دول أخرى لفتح قنصلياتها بالاقاليم الجنوبية واصبح الموقف المغربي بخصوص قضية الصحراء الموقف المعتمد لدى غالبية دول العالم و يوم بعد يوم يقترب المغرب من حل هذه القضية المصطنعة العالقة في الاتجاه الذي يرتضيه المغرب وناضل من اجله لعقود عديدة.
*عودة العلاقات الثقافية و السياسية والاقتصادية والعسكرية مع إسرائيل:
يمكن اعتبار استئناف العلاقات المغربية الإسرائيلية منعطف هام وحاسم في تاريخ العلاقات الدولية للمغرب مع الدول الأجنبية في الزمن الراهن ، اذ ان العلاقات مع إسرائيل كانت الى زمن غير بعيد توصم من طرف السلطة واطراف من المجتمع ضمن الكبائر والمعاصي السياسية التي لا يجب اقترافها لكن هذه الأطراف المعادية لإسرائيل من منطلقات عقائدية او ايديلوجية كانت لا تكترث بالاقتصاد و لا بتحديات العولمة ونتائجها ولا تعترف بنهاية صدام الحضارات . اذ كيف يعقل لبلد بعيد جغرافيا عن إسرائيل و يتوفر على جالية مغربية كبيرة مقيمة في إسرائيل ان ينطبق عليه سياسيا وديبلوماسيا ما ينطبق على بلدان لها تاريخ صدامي وحدود تماس جغرافي مع إسرائيل؟ في نظري المغرب تأخر كثيرا في استئناف علاقاته مع إسرائيل ، واعتبر مبررات قطعها سابقا غير مبررة . لكن التاريخ –لانه لايعرف المجاملة – اثبت صحة مقولة اطراف أخرى في المجتمع كانت تعتبر ان العلاقات الاقتصادية والسياسية مع إسرائيل مفيدة واستراتيجية للمغرب وان الصراع في الشرق الأوسط لا يمكن ان يحل بشعارات لاهوتية او اسطورية تتنبأ بزوال إسرائيل وعودة المهدي المنتظر. المغرب باستئناف علاقاته مع إسرائيل يربح شريكا اقتصاديا وعسكريا كبيرا في المنطقة كما ان الربح العلمي والثقافي سيكون محققا ، اذ ان العقلية والذهنية الإسرائيلية التي صقلتها تجارب المحن والحروب و الصراعات انتجت مجتمعا إسرائيليا مثقفا متعلما ذو قدرات علمية كبيرة تشهد على ذلك مراتب الجامعات الإسرائيلية في التصنيفات الدولية . كما ان تواجد جالية مغربية كثيرة ومؤثرة في إسرائيل ستسمح للمغرب باستثمارها في قضاياه الدولية ولعل النتائج السياسية للتقارب المغربي الإسرائيلي بدات تعطي ثمارها منذ الان.
*العودة القوية و المؤثرة للمغرب على الصعيد الافريقي :
ان اتخاذ المغرب لقرار شجاع وذكي للعودة الى الاتحاد الافريقي كان بادرة مهمة واستراتيجية استطاعت تجاوز خطأ الانسحاب من منظمة الوحدة الافريقية وترك المقعد شاغرا مما استغله خصوم المغرب لمدة طويلة . لكن بهذه العودة استطاع المغرب ان يعيد الحيوية لعلاقاته الافريقية مع عدد كبير من الدول الافريقية والتي كان بعضها معارضا له ، فالاتفاق المغربي النيجيري الذي هو اليوم في مراحلة الأخيرة المتعلق بنقل أنابيب الغاز الى أوروبا و التقارب المغربي مع جنوب افريقيا على الصعيد الفلاحي والمبادرة المغربية في اتجاه التعامل الانساني والقانوني مع عدد من المهاجرين الافارقة الوافدين على المغرب الذي بات منطقة عبور نحو أوروبا و الاستثمارات الاقتصادية والتجارية التي ينجزها المغرب في عدد كبير من الدول الافريقية خاصة في مجالات التعدين والمال والاعمال والابناك والتامينات و مجالات التقنيات الجديدة للاتصال والبناء والعمران والصيد البحري والزراعة وتدبير الموارد المائية كلها مؤشرات قوية بارقام ملموسة على استعادة المغرب لموقعه الافريقي و دوره التاريخي في بناء اقتصاد افريقي قادر على التنافسية الدولية و منفتح على كل مبادرات التعاون الافريقي الافريقي. ، اذ ان المغرب يعتبر اليوم ثالث مستثمر من داخل القارة في القارة الافريقية وقيمة المبادلات المغربية مع الدول الافريقية في اضطراد و ارتفاع مستمر ، كما ان الدور الأمني المغربي في محاربة الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء والادوار الكبيرة التي يقوم بها المغرب في تجمع مجموعة دول الساحل والصحراء “سين صاد” يبين ان المغرب اضحى دولة استراتيجية لا محيد عنها في بناء السلم الافريقي .
يرجع الفضل في النجاحات الديبلوماسية والاقتصادية والسياسية المغربية على الصعيد الافريقي في نظري المتواضع الى ثلاث عناصر قوة يملكها صانع القرار السياسي والسيادي المغربي :
–الحكمة والرزانة والتبصر الذي تتميز به الديبلوماسية الملكية حيث ان شخصية الملك محمد السادس المنفتحة والمنسجمة مع روح العصر والمتعالية على سفاسف الأمور في القضايا الاستراتيجية منحت للمغرب موقعا رياديا على الصعيد الدولي واعطت المواقف الملكية للمغرب موقع استراتيجي هام في المنظومة الدولية عموما و الافريقية خصوصا.
–الاستقرار السياسي الذي يعيشه المغرب والذي يجعل مقدرات الدولة ومواردها مخصصة لبناء اقتصاد وطني تنافسي رغم كل ما يمكن تسجيله من ملاحظات ومؤاخذات و نقائص لكن مجهودات وطنية كبيرة قام بها المغرب لتطوير الاقتصاد المغربي و تامين الامن الغذائي والطاقي والحفاظ على السلم الاجتماعي .
–تزايد الاهتمام بالديبلوماسية الاقتصادية كركيزة للعلاقات الخارجية في سياق ملائمة التحولات التي افرزتها العولمة و تطور موازين القوى العالمي ، لذلك اصبح المغرب ناجح بالاستثمار في افريقيا وتنويع شركائه الاقتصاديين و العمل وفق شراكة اقتصادية متعددة الأطراف .
انغيربوبكر
باحث في قضايا التنمية والديموقراطية حقوق الانسان
المنسق الوطني للعصبة الامازيغية لحقوق الانسان