يعتبر المغرب من بين البلدان التي لها حضور، شبه دائم، في عدد من التقارير الحقوقية، المنجزة من قبل منظمات غير حكومية أو هيئات تابعة لجهات رسمية في هذه الدولة أو تلك وخاصة تقارير وزارات خارجيتها.
وتتفاوت طرق التعامل مع الوضع الحقوقي في المغرب من مؤسسة حقوقية إلى أخرى من حيث انحيازها أو موضوعيتها، ومن الموقع الذي تنظر منه إلى مسألة الحقوق في مختلف بلدان العالم ومنها المغرب. لكن يمكن رصد أسلوبين متناقضين، في واقع الأمر، رغم أن موضوعهما واحد هنا وهو حقوق الإنسان ووضع الحريات في المغرب.
يركز الأسلوب الأول على التزام ما يعتبره نوعا من الحياد أو الموضوعية، في تعاطيه مع المسألة، لذلك يعمد في رصده للوقائع إلى الإشارة إلى بعض الإيجابيات على مستوى القوانين المنظمة للمجال الحقوقي وبعض الممارسات التي يعتبرها إيجابية، ولا يرى سببا في التغافل عنها أو محاولة طمسها، غير أن هذا النوع ليس غير مقدمة لا بد منها، إذ يستدرك ولا ينسى تسليط الأضواء القوية والكاشفة على ما يراه سلبيات على مستوى القوانين أو الممارسة إلى درجة تبدو فيها كل الإيجابيات التي يشير إليها ثانوية بل وهامشية لا يعتد بها تماما. وكثيرا ما ينم هذا الأسلوب عن نوع من التعالي والانطلاق من أن مدبجي تلك التقارير هم مصدر القيم ومالكي المعيار النهائي لتحديد درجة القرب أو الابتعاد من فلسفة حقوق الإنسان، واحترام مقتضياتها الأساسية. أضف إلى ذلك تجاهل حقيقة تلك الأوضاع، في بلدان أخرى، لأسباب تتعلق بطبيعة الاستراتيجية المتبعة في العلاقة مع بلدان العالم، انطلاقا من المصالح الكبرى الثنائية أو الجماعية، التي تفرض غض الطرف عن كل الانتهاكات التي يمكن معاينتها بسهولة، وليس لسبب آخر.
أما الأسلوب الثاني، فيقوم على النقد المنهجي لأوضاع حقوق الإنسان في المغرب، على مستويين متكاملين: أولهما ما يعتبر انتهاكات لحقوق الإنسان أو تقييدا للحريات الفردية والجماعية، دون التطرق إلى السياق العام لما سمي انتهاكات أو تقييدا، بل وحتى دون تقديم أدلة ملموسة على ذلك أحيانا كثيرة. والمستوى الثاني، محاكمة أوضاع حقوق الإنسان والحريات الفردية والعامة على قاعدة ما ينبغي أن يكون في نظر الجهات التي تصدر عنها تلك التقارير. وهو حصرا ما تعتبره النموذج الأمثل الذي على جميع الدول حذوه حذو النعل، كما يقال، وإلا تم اعتبارها منتهكة لحقوق الإنسان ومدانة على هذا الأساس. وهذا الموقف السلبي المطلق يغلق الباب أمام أي رأي غير متطابق مع موقفها في مختلف المجالات. وبالتالي لن تتم مراجعة نظرته مهما تم تقديمه من الدلائل والبراهين القاطعة من قبل الدولة حول عدم دقة معطياتها أو حتى مجانبتها للصواب، من ألفها إلى يائها في عدد من الحالات. وهكذا نكون أمام حالة أقرب إلى حوار الطرشان منها إلى وضعية أخرى، الأمر الذي يمس في العمق من مصداقية تلك الجهات ولا يقدم أي خدمة للبلد المعني، لأن فقدان المصداقية يعني عدم أخذ تلك التقارير على محمل الجد حتى في الوقت الذي تكون فيه أقرب إلى الواقع بالنسبة لبعض القضايا التي تتناولها.
وبما أن ما يميز التقارير التي تعتمد هذا الأسلوب كونها لا تعير أدنى اهتمام لرأي مؤسسات البلاد المعنية رسميا، كما أسلفنا، بل وليست مستعدة للاستماع إلى آرائها في القضايا المطروحة، فإنها تستند إلى مصادر ليست دائما ذات مصداقية، لأنها تنطلق من موقف سلبي، مطلق هو كذلك، من السلطة القائمة. وبالتالي ترى أن من واجبها النضالي تسويد صورة النظام القائم. وهذا لن يتأتى لها دون البحث عن معطيات ومعلومات حول الشطط في استعمال السلطة هنا، أو الانتهاكات هناك، وتقديمها باعتبارها اللوحة التي ترسم حقيقة الأوضاع في البلاد.
والواقع أن لسان حال هذه المصادر المزعومة يكاد يعلن أنه ما دام النظام السياسي يعمل من خلال إبراز الجوانب الإيجابية من ممارساته، في المجال الحقوقي، على تلميع صوته أمام المجتمع الدولي، فإن الأسلوب الأنجع لحرمانه من تسويق تلك الصورة يكمن في رصد كل ما يمكن رصده من ممارسات أو مواقف تساهم في تقويض أسس ومقومات منهجية تلميع الصورة. أي اعتماد المنهجية المعاكسة ولو أدى ذلك إلى ليّ عنق الحقائق الموضوعية واختلاق الأخبار وفبركة الوقائع التي تخدم هذه الغاية. فما هو الواقع الحقيقي بالنسبة لمنظمات حقوق الإنسان في المغرب حاليا؟
قبل الإجابة على هذا السؤال، يمكن التأكيد على بعض المعطيات الهامة في هذا المجال. كلما تعددت المنظمات الحقوقية غير الحكومية في بلد من البلدان، كلما كان هذا دليلا لا يخطئ على أن الحريات العامة والفردية في البلد المعني تعيش حياة حقيقية وأن المجتمع في حركة دائبة، من أجل تعميق المكتسبات على مستوى الحريات ووضع الأصابع العشرة على مكامن النقص، وتحديد أشكال الانتهاكات الممكنة لتلك الحريات والحقوق الأساسية للإنسان.
وعلى هذا المستوى العام يمكن القول إن المغرب يعد من بين هذه الدول التي تعرف حركة دائبة في مجال العمل الحقوقي في مختلف المجالات. إذ يمكن النظر إلى الأنشطة المختلفة التي تقوم بها منظمات حقوق الإنسان في البلاد باعتبارها الترجمة الملموسة لالتزام تلك المنظمات بالدفاع الدائم عن حقوق الإنسان المغربي، بغض النظر عن نوعه وجنسه وتصوراته السياسية والأيديولوجية، خاصة وأن الدستور يكفل هذا الحق بشكل واضح وصريح، بل ويفترض أن يتم العمل على الدفع بممارسة هذا الحق إلى أقصى الحدود، ليشكل أرضية صلبة للبناء الديمقراطي الحداثي الذي أصبح من بين أعمدة التفكير السياسي في البلاد.
وبطبيعة الحال، فإن رصد واقع حقوق الإنسان في البلاد، باعتباره الوظيفة المركزية للمنظمات التي تحمل هذا الاسم، والتي تأسست وفق مقتضيات محددات الدستور وقانون الحريات وغيرهما من القوانين والأعراف، يستهدف أساسا ومن حيث المبدأ، التعرف على هذا الواقع بمختلف أبعاده، واستخلاص الدروس من معطياته، بهدف إرساء تنمية حقوقية متواصلة الحلقات، تراكم المكتسبات وتعالج مواضع الخلل في الممارسات، أيا كان مصدرها سواء من قبل السلطات السياسية، أو من قبل أي مؤسسة من المؤسسات الاقتصادية كالمعامل ومختلف مؤسسات الإنتاج، أو الاجتماعية أو السياسية من منظمات حزبية أو نقابية وغيرها.
لكن يبدو أن هناك مؤسسات حقوقية لا تهتم بكل تلك القضايا إلا بقدر ما تخدم أجندتها التمويلية المحضة تارة، والسياسية الحزبية في علاقاتها مع الخارج تارة أخرى. لذلك تراها انتقائية في رصدها للوقائع، أحادية الجانب في محاكمتها. وعندما تجتمع في منظمة حقوقية كل هذه السلبيات، فإنها تخرج من دائرة الحقوق لتدخل في دوائر أخرى، أبعد ما تكون عن العنوان الحقوقي الذي يتحول إلى عنوان زائف جراء تلك الممارسات، إذا لم يكن اختيار العنوان في الأصل بغاية تزييف الحقائق لخدمة أجندة حزبية سياسية بعينها يصعب التعاطي معها بشكل مباشر، فيتم اللجوء إلى الأساليب المواربة التي تنكشف أمام الرأي العام في نهاية المطاف جراء تواتر ممارساتها.
هذه المنظمات الحقوقية أو التي تنتمي إلى ما يسمى المجتمع المدني وهي في الواقع، ذات أبعاد سياسية وربما استراتيجية، لا علاقة لها بالحقوق وقضايا المجتمع المدني المتعارف عليه، هي التي أصبحت المصدر الأساسي للمعلومات حول المغرب، بالنسبة لعدد من المنظمات والجهات التي لم تنظر، قط، بعين موضوعية إلى ما يجري في المغرب من إصلاحات سياسية وتطور في مختلف المجالات، وإنما كانت وظلت، تناصبه العداء ولا تفوت فرصة دون استغلالها للتعبير عنه. ولعل ما يدفع إلى إثارة الشبهات حول عدد من تلك المنظمات كونها تتلقى مكافآت مادية نقدية ومعنوية من الجهات الخارجية التي تعتمد في تقاريرها على ما تمدها به من معلومات أغلبها غير دقيق أو زائف ومفبرك.
وهذا يعني أنها قد تجاوزت أو على وشك تجاوز عتبة حقوق الإنسان، بمعناها النبيل، لتنخرط في ميادين الارتزاق على حساب مصلحة الوطن والشعب الذي تزعم الانتصار لقضاياه الأساسية.
ابو غفرانمنذ 6 سنوات
الارتزاق سيد الموقف. .لا سيما المنظمات الحقوقية الغير حكومية حيث الابتزاز والرشاوى هي السيد والفيصل الذي يميل الكفة من وإلى. …
وكم فضيحة سجلت و دوت.
..وتبقى الدول التي تتبنى مراقبة ذاتية وجادة وجدية صائبة.