الأستاذ حسوني قدور بن موسى
المحامي بهيأة وجدة
بعد تصريحات وزير العدل لتنفيذ قرار” جواز التلقيح” لولوج المحاكم و تصريحاته الاستفزازية المتكررة ضد المحامين واتهامهم بالتهرب الضريبي ، تعالت أصوات المحامين في جميع المدن المغربية وأصوات حقوقية رافضة للاجراء التعسفي الذي يمس حق الدفاع في الصميم و يقيد حرية الأفراد، تظاهر مئات المحامين والمواطنين في مدن مختلفة احتجاجا على هذا الاجراء التعسفي الذي يحد من حرية الأشخاص.
تنص المادة 2 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان على أنه : ” لكل انسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الاعلان و دونما تمييز” كما تنص المادة 8 من نفس الاعلان على أنه : ” لكل شخص حق اللجوء الى المحاكم الوطنية المختصة لانصافه الفعلي من أية أعمال تنتهك الحقوق الأساسية التي يمنحها اياه الدستورأوالقانون” والمحاماة هي مشتقة من الحماية و تشكل الدعامة الأساسية لتحقيق العدل بين الناس فلا تنعقد المحكمة تحت طائلة البطلان الا بحضورالمحامي الذي يشارك السلطة القضائية في تأكيد سيادة القانون في الدولة، والانسان في صراعه من أجل الحياة و بنضاله في درء الأخطار في حاجة دائمة الى من يحمي حقوقه، والمحاماة وجدت لحماية أغلى ما لدى الانسان : حياته و ماله و حريته و كرامته ولهذا فان المحكمة لا يمكن لها أداء مهمتها ولا تستقيم بدون وجود المحامي الى جانب المتهم أوالمتقاضي الذي يسعى الى الدفاع عن حقوقه و مصالحه لأن مبدأ حق التقاضي هو من أهم الحقوق الطبيعية للانسان اذ عن طريق القضاء العادل النزيه يستطيع كل فرد أن يصد أي اعتداء يشكل مساسا بحقوقه و حريته ولهذا نصت جميع الدساتيرالحديثة على هذا الحق كأحد الضمانات الالزامية لتعزيز مبدأ سيادة القانون من ناحية و حماية حقوق و حريات الأفراد من ناحية أخرى و لا يمكن الحد من هذا الحق تحت غطاء مبررات و مسوغات سياسية أو ادارية واهية تمنع المحامي أو موكله من ولوج المحكمة وعلى هذا الأساس يمكن القول أن مبدأ سيادة القانون و احترام مبادئ حقوق الانسان المنصوص عليها في المواثيق الدولية والدفاع عنها من أي اعتداء هي من أهم الركائز التي تقوم عليها الدولة الحديثة الديمقراطية بخلاف الدولة الديكتاتورية التي تتميز بفرض قوانين تعسفية ضد ارادة الشعوب لأن القانون في الدولة الديمقراطية يقوم على أساس مبدأ المشروعية أو مبدأ خضوع الدولة للقانون الذي يشكل ضمانة أساسية لحماية حقوق الأفراد من التعسف ولهذا فان فرض جواز التلقيح على المحامين و و ما يترتب عنه من حرمان المحامين من حق ممارسة واجبهم المهني والدفاع عن موكليهم يعتبر مساسا خطيرا بالدستور و بمبادئ حقوق الانسان المنصوص عليها في المواثيق و الاعلانات العالمية الخاصة بحقوق الانسان لكن من الملاحظ أن غياب الرقابة القضائية الحقيقية على الدولة يعود الى مشكلة أساسية هي تداخل السلطات فيما بينها ولهذا فان اعلان فرض جوازالتلقيح من طرف جهات مختلفة في الحكومة هو مجرد بلاغ اداري لا يرقى الى درجة قانون و يعتبر من بين المعيقات التي تمس حق الدفاع أمام القضاء و هذا يشكل خرقا وانتهاكا سافرا لحقوق الانسان، و جاء قرار وزيرالعدل الرامي الى فرض جواز التلقيح مؤشرا لتراجع حقوقي و ديمقراطي خطير لا يخدم المصلحة العامة في ظروف شديدة الحساسية تعرف فيه بلادنا هجمات اعلامية خارجية لا يمكن التصدي لها الا عن طريق احترام ارادة الشعب و الابتعاد عن الاستفزازات الطائشة التي تشعل نارالاحتجاجات الشعبية.