عبد اللطيف اللعبي*
منذ أسابيع وشهور، تُخامرني باستمرار قولة الشاعر السوري محمد الماغوط: “الفرح ليس مهنتي!». من دواعي ذلك أنّي دائم التّفكير في شاعر آخر، تحديدًا الفلسطيني أشرف فياض المحكوم بثمان سنوات سجنًا في السعودية. كان من المفروض أن يُطْلَقَ سراحه منذ ما ينيف عن شهرين، إلّا أنه ما زال معتقلًا ضدًّا على أبسط حقوقه. والحق أنّي لم آلُ جهدًا منذ سنوات لإثارة الانتباه لفضيحة حبسه وللمطالبة بإطلاق سراحه، دون جدوى مع الأسف! لا أريد هنا أن أتحامل على أي كان بخصوص ضعف التعبئة لصالحه، ما استحال إلى نوع من اللَّامبالاة خصوصًا في العالم العربي، بما في ذلك في الأوساط الفلسطينية النّافذة. أنا فقط أعبِّر ببساطة عن سُخطي وحزني الكبير وأنا أرى هذا التخلّي عن شخص لم يرتكب من دنب سوى ممارسة قول الحقيقة كما يجدر بأي شاعر كان. وأنا أشارككم القصيدة التالية (التي كُتِبَت في أواخر السنة الماضية)، فإنّي أحاول أن أتقاسم معكم هذه الأحاسيس، وأصبو إلى ما يستطيع الشعر أن يمنحه لنا أحيانًا من سَلْوى.
لي صديق في السّجن
أفكِّر فيه كلّ يوم
وأتيهُ غالبًا…
في أفكاره
هل هو بالفعل في المساء
من يتمدّدُ على فراش القش
بعد إطفاء الأضواء
أمْ أنا؟
مَنْ مِنّا نحن الاثنين
يتجَرْجَر
مُنْهَكًا
في ساحة الفُسحة
يأكل لقمته بدون شهية
يحبس دموعه
وهو يكتب رسائل
إلى حبيبته؟
***
صديقي حُكِم عليه
بتُهمة “الرِّدّة”:
كِتابٌ لم يكن فيه حذِرًا
وكأيّ شاعر يحترم نفسه
لم يُعِر اهتمامًا للرَّقابة
ولا للرَّقابة الذاتية
كلامٌ متحرر حَوْل الدّين
قاله داخل مقهى
ونَقَلَهُ
زبونٌ مُهْتَمٌّ ومُصْغٍ جِدًّا جِدًّا
***
صديقي قضى الآن سبع سنوات
في السجن
وعليه أن يقضي سنة أخرى
أصعبها حسب تجربتي
وقد كان حُكْمُه مشفوعًا
بثمانمائة جلدة
تَلَقى منها أكثر من ثُلُثَيْن
وعليه أن يتَلَقى الباقي
قبل إطلاق سراحه
***
صديقي
ليس دائمًا بمزاج رائق
لقد تجاوز طَوْر الغضب الأسود
ثم الخامد
لأنه لم يعد يدري
في أي عالم يعيش
ويشعر أنه منفي
في كنف الإنسانية
في قبضة القبح
الذي يخنق أنفاسه
كيف يمكنه أن يواصل
مداعبة الجمال
ولو كفكرة؟
عُزْلَتُهُ أكثَرُ استبدادًا
من عزلة
الصحراء المُترامِيةِ الأطراف
المُحيطَة به
***
لي صديق في السّجن
أفكِّر فيه
اليوم
كباقي الأيام
***
* شاعر وكاتب ومثقف مغربي
***
معلومات مفيدة:
اللقب: فيّاض
الاسم: أشرف
تاريخ ومكان الولادة: 1980 في غزة
الجنسية: بدون
الوضعية: لاجئ فلسطيني بالسعودية
مكان الاعتقال: سجن بِاسْمٍ يصعب نطقه، قرب مدينة جدة.