ذ.عبد اللطيف مجدوب يكتب:عيش المواطن بين فكي السمسرة واللامراقبة!..

admin
كتاب واراء
admin26 مارس 2022آخر تحديث : منذ 3 سنوات
ذ.عبد اللطيف مجدوب يكتب:عيش المواطن بين فكي السمسرة واللامراقبة!..

عبد اللطيف مجدوب

إذا ألقينا بنظرة فاحصة على ما تختزنه منظومة التشريعات والقوانين التي يزخر بها الأرشيف المغربي، ألفينا أنفسنا أمام كم هائل، بعدد نجوم السماء، من المساطر والقوانين والرسوم المنظمة والضابطة لقواعد الأسواق الاقتصادية؛ ومنها بصفة خاصة “حماية المستهلك”، التي تعني، كما تنص عليها ديباجاتها، الحيلولة دون وضع المواطن المستهلك تحت رحمة الاحتكار والتدليس والغش والمضاربة.. ومنحه حق المتابعة القضائية في حالات تعرضه لشكل من أشكال الغبن.

بيد أن الواقع يأبى إلا أن ينأى بنفسه عن هذه الترسانة من القوانين والتشريعات التي لها ممثلون في هيئة جمعيات ووداديات، تكاد كل مدينة حضرية تستقل بواحدة منها، لها مقراتها وآليات التواصل معها، لكن أنشطتها تظل باهتة وغارقة في سيول من الشكايات والتظلمات التي تنهال عليها من طرف المتضررين، إلى درجة أنها لم تعد قادرة على “منح” هذه الحماية وفك المواطنين من مخالب السماسرة والمضاربين والمحتكرين والمدلسين.. الذين يتكاثرون تكاثر الفطر وبصورة لا تطاق، فقط يتحسبون لكل “حملة” تروم السلطات تنظيمها بشكل موسمي، كلما اقتربت مناسبات رمضان والعيدين.

عينات من الوساطة المتوحشة

يتساءل العديد من الملاحظين: كيف للمستهلك المغربي المقيم في بلد بواجهتين بحريتين تربوان عن ألفي كلمتر أن يقتني سمك السردين- على سبيل المثال- بـ 20 درهما /كلغ بعد أن مكث في أجهزة التبريد قرابة الشهرين؟! علما أنه موجود في الأسواق الأوروبية طازجا (طريا) فقط بأقل من 1يورو/كلغ. ودون أن نخمن كثيراً أمام هذا الغبن والحيف، تكفي الإشارة إلى أن سمكنا لا يصل إلى المستهلك إلا بعد أن يكون قد عبر من محطات وسطاء (سماسرة)، يزيد عددها عن 15 محطة. وبمعنى آخر يباع في الموانئ والمراسي 2.5 درهم/كلغ، ليصل إلى المستهلك بعد شهرين من اصطياده بـ 20 درهما /كلغ، إثر تعرضه لوباء السمسرة أكثر من 14 مرة!.
وكذلك الشأن بالنسبة للحوم، إذ لا يتلقاها المواطن المستهلك في الأسواق إلا بعد عبورها من أكثر من وسيطين؛ يتواجدون عادة في المذابح والمسالخ أو تنوب عنهم هواتفهم. وقد لا نغالي إذا أكدنا أن هذه “السوسة”، أو بالأحرى الوساطة الاقتصادية اللامشروعة، منبثة في كل القطاعات الاستهلاكية، ومنها قطاع السكنى والتعمير الذي احتكره الوسطاء. مع بداية اللبنة الأولى في بناء العمارة السكنية يتدخل الوسطاء لشراء الشقق وهي غير مجهزة بعد، لتعبر إلى وسطاء آخرين بأثمان بخسة، قبل أن يشعلوها في وجه المواطن الراغب في اقتناء شقة بأسعار خيالية.

وإلى هذا، نجد أن أطرافا متدخلة في احتكار السلع وتخزينها لخلق مضاربات واضطرابات في الأسواق الاستهلاكية، كما في قطاع الخضروات والفواكه والحوامض، فقد تصل زيادة التسعيرة إلى مستويات قياسية في أوقات اختفاء السلع أو ندرتها في الأسواق، كمادة الطماطم التي امتدت إليها أيادي السماسرة، بدءا من أحواضها ثم جنيها وتسويقها.

سبورة الأسعار الرقمية

تنظيم الأسواق والتوافق على أسعار عروضها من المنتجات أصبح أمرا حيويا وذا أولوية قصوى أمام اضطرابات أسعار البترول العالمية من جهة، وانحباس الأمطار من جهة ثانية. بالأمس القريب كانت الأسواق الاستهلاكية، وخاصة البلدية منها، تؤطر أسعار منتجاتها سبورة رقمية في مداخلها لإرشاد الزبائن والمستهلكين إلى مستويات الجودة مع تسعيراتها المحددة، رفعا لكل أوجه النصب والتدليس التي قد يتعرض لها المتبضع، وفي آن حمايته من أن يقع فريسة بين مخالب سمسار أو مدلس أو محتكر.

أما في قطاعات أخرى فحري بالمشرع المغربي توسيع نطاق تدخل الجماعات المحلية بإيجاد مكتب دائم يعهد إليه بتنظيم كل القطاعات الحيوية المتواجدة في مجالاتها الترابية، والتنصيص على الأسعار ومستوياتها، ترشيدا للقوة الشرائية لدى المستهلك الذي يتوجب عليه أن يكون مستوعبا لظرفيات الأسواق قبل إقدامه على أي عملية بيع أو شراء.

ليت زمان “المُحْتسب/المحتّب” يعود

فيما مضى، وبالأخص فترة الستينيات إلى السبعينيات من القرن الماضي، كانت كل حرفة مستقلة بمعلمها (لمعلّم)؛ يفصل عادة في القضايا الخلافية ذات الصلة بالحرفة دون الحاجة إلى اللجوء إلى المحاكم. كما أن الأسواق الاستهلاكية آنئذ كانت أسعارها منتظمة وتدخل ضمن “اختصاصات” “لمعلم” أو “المحتب”. وإلى عهد قريب، اتخذت هذه الآلية في تنظيم الأسواق وحماية المستهلك شكلا آخر، فظهرت مهنة “المُحتسب” كمراقب لجودة المواد وضبط أسعارها؛ لكنها سرعان ما اختفت من المشهد الاقتصادي، أو لنقل همّش دورها ظهور الوسطاء والاحتكاريين والمضاربين والمدلسين الذين عاثوا في الأسواق فسادا وأضرموا النيران في جيوب المستهلك، خاصة في ضوء غياب وبالكاد ضمور دور أجهزة الرقابة والضرب على أيدي هذه “الفيروسات” الاقتصادية.

 (*) باحث

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.