عبد اللطيف مجدوب
أطفال في عمر الزهور يحملون في أعين آبائهم وأمهاتهم؛ آمالا عريضة في شق الطريق إلى مستقبل واعد، لا يضنون عنهم بتلبية حاجياتهم ومستلزماتهم الدراسية، إلى درجة منحهم الأولوية أمام كل ضروريات العيش؛ تراهم كل صبيحة يوم وحدانا وزرافات متجهين صوب المدارس، ليودِعوا هناك؛ ولطاقم الإدارة والتربية والتعليم؛ فلذات أكبادهم.
بيد أن إحساسا غريبا ما، بات يسري بالكاد بين معظم هؤلاء الصغار؛ يملي عليهم بقوة؛ أول وهلة؛ الصدود ورفض الذهاب إلى المدرسة، ونظراتهم إلى جدرانها وكأنها باتت في أعينهم أشبه بأسوار سجن مظلم!
عيادات صحية عديدة أصبحت في الآونة الأخيرة؛ خير شاهد على تصاعد وتيرة هذه الظاهرة “التمارضية” “Malingering”: يصحب الأب ابنه إلى مصحة “مختصة” في أمراض الشرايين أو الأعصاب… وباعتقاده أن ارتفاع درجة جسم ابنه قد تكون إحدى أعراض إصابته بهذا المرض أو ذاك، لكن تحدث المفاجأة أو بالأحرى الصدمة حينما يختلي الطبيب بالابن “المريض” ويسائله عن علاقاته ومشاعره تجاه مواضيع معينة، ثم لا يلبث أن يصل به الحوار إلى العقدة السوداء التي يعاني منها.. ليجيبه الطفل بأنه “يكره المدرسة وكل ما يمت إليها بصلة”، حتى مجرد فتح كتاب بين يديه وتناول القلم.
صرحت طبيبة؛ في سياق هذه الظاهرة التمارضية؛ بأنها وبمجرد أن تطلب من الطفل “المريض” خلع ملابسه لربطه بمجسات وأجهزة قياسية طبية، ينهض من سرير الفحص ويجاهرها بعدم مرضه، فيتأكد حينها أن ليس هناك مرض عضوي البتة، مقابل وجود مرض سيكولوجي في مستوياته الأولى؛ شرع ينهش عقل الطفل ويصده عن إيلاء وجهته إلى المدرسة!
أمراض متخفية بين التلاميذ
هناك شبه صمت مطبق تجاه ظاهرة أمراض محتجبة بدأت؛ منذ عقود خلت؛ تنخر في صمت أجسام أبنائنا التلاميذ (المتمدرسين)، ولا يقع الكشف عنها إلا في أزمنة متأخرة، مما يشق ويصعب معه تداركها وتعهدها بالعلاج والرعاية الصحية. وفي ما يلي محاولة للإتيان على بعضها:
– الصمم: لأسباب قد تعود بالدرجة الأولى إلى تكرار سقوط الطفل في مرحلة الرضاعة من على سرير والديه؛
– ضعف البصر: لاستهلاكه (وهو ما زال رضيعا) مقاطع فيديو حاد الألوان، تلهية له مقابل “اللهاية”؛
– ضعف حاسة السمع: لحادث ما أو دوي بذبذبات عالية، تسبب له في تمزيق الغشاء الطبلي للأذن الداخلية؛
– التبول اللإرادي: قد تكون البيئة والمناخ السائدان بين الأبوين والإخوة السبب الرئيس في نشوئه عند الطفل؛
– فوبيا المدرسة: “School phobia”، ويعرف أيضا برفض المدرسة “School refusal”، حينما يرفض الطفل الذهاب إلى المدرسة في معظم الحالات، أو تكون لديه مشاكل في بقائه داخل المدرسة، غالبا ما يكون الخوف والقلق الشديدين.
غير خاف على أحد أن مثل هذه الأمراض وغيرها لها أكبر الأثر على أدائه المدرسي وتشكل له عائقا على القدرة على التركيز وتمثل التعلمات المقدمة له ما يجعله عرضة للرسوب والإخفاق المدرسيين.
واجب على السلطات التعليمية
وبتضافر جهود كل من الأسرة والإدارة التربوية وكذا جمعيات آباء وأولياء التلاميذ، وجب الكشف المبكر عن سلامة حواس التلاميذ، وإخضاعهم؛ خلال أيامهم التمدرسية الأولى؛ لفحوصات “Tests” بغرض تأمين “تعلمات سليمة” لهم دون عوائق ولا أعراض صحية مستديمة.