متى تفك عقدة 1963 بين الجزائر والمغرب؟

admin
كتاب واراء
admin5 يناير 2023آخر تحديث : منذ سنتين
متى تفك عقدة 1963 بين الجزائر والمغرب؟

 

نزار بولحية

بدأت سنة جديدة لكن عقدة قديمة عمرها ستون عاما ما زالت تؤثر في علاقة الجزائر والمغرب لتعيدهما مرة بعد أخرى عقودا إلى الوراء، وكأن عقارب ساعاتهم تأبى أن تغادر عام 1963. والغريب في الأمر أن هناك من يحاول الآن أن يبرر تلك الوضعية بتفضيل السيئ على الأسوأ، أي تجنب حرب مقبلة، لا سمح الله، من خلال الحفاظ على القطيعة الحالية.
لقد تحدث الرئيس الجزائري الجمعة الماضية إلى صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية واستطرد ليقول في معرض حديثه عن قطع العلاقات الجزائرية مع المغرب، إن بلاده فعلت ذلك وقررت «الانفصال»، ويقصد به القطيعة حتى «لا ندخل في حرب»، قبل أن يشدد على أنه «لا يمكن لأي دولة أن تكون وسيطا بيننا». أما عن دوافع ذلك القرار، فقد لخصها عبد المجيد تبون في أنها لا تنحصر فقط في مشكل الصحراء، بل في «تراكم المشاكل منذ عام 1963 واعتداء القوات المسلحة المغربية على جزء من أراضينا في أقصى الجنوب»، على حد تعبيره، بالإضافة إلى استمرار «الأعمال العدائية الدائمة من قبل الجار» كما قال، التي لم يشرحها أو يحددها على وجه الدقة.

سنة 1963 فارقة جدا ومفصلية، وجهت ضربة قاصمة أطاحت بالأحلام الكبرى التي راودت أجيالا متتالية من المغاربيين في أن يتوحد المغرب الكبير يوما ما

والسؤال هنا هو، لماذا استطاعت الجزائر أن تتخلص، ولو نسبيا، من ثقل مئة وثلاثين عاما من الاستعمار الاستيطاني الفرنسي، الذي قتل ودمّر وشرد الملايين، لتقيم علاقات طبيعية، بل حتى وثيقة وهادئة في معظم الفترات مع باريس، ولم تتمكن بالمقابل حتى الآن من غلق قوس خلافاتها مع المغرب، التي لم تصل، وعلى أي حال حتى إن بلغت في وقت من الأوقات مرحلة الحرب، درجة إلحاق، ولو عشر الأذى والدمار والخراب الذي ارتكبه الاستعمار الفرنسي على مدى أكثر من قرن بحق الجزائريين؟ ولماذا نجح المغرب بدوره في نسج شبكة علاقات واسعة، والانفتاح على الشرق والغرب، وعجز مع ذلك عن تبديد مخاوف جارته الشرقية وهواجسها، وإزالة بعض شكوكها في أنه يسعى وبشكل خفي إلى إعادة إحياء إمبراطورية عظمى، قد تشكل في حال قيامها تهديدا كبيرا لها، وربما تبتلع جزءا مهما من ترابها الحالي؟ لا شك في أن سنة 1963 كانت بالفعل سنة فارقة جدا ومفصلية، لا في تاريخ البلدين فحسب، بل حتى في مسار الشمال الافريقي كله، ولعل أخطر وأهم ما تركته، أنها وجهت ضربة قاصمة وقاطعة أطاحت بالأحلام والآمال الكبرى التي راودت أجيالا متتالية من المغاربيين في أن يتوحد المغرب الكبير يوما ما، خصوصا مع اكتمال عقد الاستقلالات في المنطقة، قبل عام من ذلك التاريخ، بإعلان استقلال الجزائر، لكن المشكل لم يكن فقط في الحرب التي نشبت في تلك السنة بالذات بين الجزائريين والمغاربة، التي استمرت شهورا معدودة، بل في انصراف البلدين بعدها عن التفكير الجاد والحقيقي في البحث عن سبل تحقيق تلك الوحدة المغاربية، باستثناء ما قاما به أواخر الثمانينيات بعد اجتماع «زيرالدا» حين وقعا على إعلان مراكش، الذي أعلن عن قيام الاتحاد المغاربي. لقد ظل كل واحد منهما منكفئا على نفسه يشكك باستمرار في نوايا الآخر، ويعتقد حتى لو لم يعلن صراحة ذلك، أن بقاءه واستقراره وأمنه لن يكون ممكنا ببقاء واستقرار وأمن جاره. ولعل هذا يعد واحدا من أكبر الإنجازات التي حققها الفرنسيون في المنطقة على الإطلاق، إذ يحق لهم بعد أن غادروها رسميا ونظريا في الستينيات أن يفركوا الآن أيديهم فرحا، بعد أن حصلوا على ما أرادوه منذ 1963. فقد نجحوا في دق إسفين عميق بين أكبر بلدين مغاربيين، وفي تغذية أحقاد وصراعات حادة وعميقة عملوا على زرعها باكرا بينهما. ومن الواضح أن الخطة التي رسموها بدهاء كبير كانت تفترض، أنه في ظرف زمني قصير سيصل البلدان حد المواجهة المسلحة، وهو ما حصل بالفعل سنة فقط بعد اعلان استقلال الجزائر، في ما عرف بحرب الرمال، ثم كانت تقتضي بعدها أيضا أن يستمرا لاحقا في حشد كل القوى والموارد والإمكانات لا للتنمية، بل لغرض واحد لا غير، هو أن يجهزا نفسيهما حتى يقاتلا بعضهما بعضا بأشكال وأساليب أخرى، وأن ينهك كل واحد منهما الآخر، ويحاول استنزاف قواه بشكل دائم ومسترسل. ولنتصور فقط ما الذي كانت ستفعله بلايين الدولارات التي أنفقت في العقود الماضية من هذا الجانب، ومن ذاك لا للشعبين المغربي والجزائري فقط، بل لسائر شعوب المنطقة.
إن الحرب التي لا يتمناها ولا يرجوها ولا يدعو لها أحد، قد تبدو بمقياس ما أرحم وأهون من حالة اللاسلم واللاحرب، التي قد يكون هدوؤها الظاهر خادعا وزائفا حتى إن لم يخل من المشاحنات والملاسنات والهجومات الإعلامية، تاركا للطرفين حرية التسابق والتلاحق، بعيدا عن الأضواء، من أجل التسلح استعدادا لمواجهة عسكرية مقبلة، وهو ما يؤدي بالنهاية إلى تعمق وتوسع الحاجز النفسي بين البلدين، بما يجعل من أي حوار مفترض، أو حتى تواصل طبيعي وعادي بينهما أمرا صعبا ومستعصيا. والمثال الأخير على ذلك هو ما حصل مع الفريق المغربي لكرة القدم للمحليين، الذي لم يتمكن من المشاركة في البطولة الافريقية التي يفترض أن تقام هذا الشهر في الجزائر، لأنه لم يسمح له بالوصول إلى هناك بالطريقة التي أرادها، أي عبر رحلة جوية مباشرة من الرباط. فهل سيبقى ممكنا في تلك الحالة أن يقال إن المشكل القائم بين البلدين هو مشكل سياسي، منحصر فقط بين القيادتين، ولا علاقة له على الإطلاق بالروابط الأخوية المتينة بين الشعبين؟ إن المدة الزمنية الفاصلة بين 1963 و2023 سمحت لعدة أجيال أن تنشأ وتتربى في انفصام نفسي واجتماعي تام، قد يحار علماء النفس والاجتماع في فهمه أو تفسيره فهي تسمع من جهة أن المغربي شقيق الجزائري، وأن الجزائري أخو المغربي، لكنها ترى على الأرض عكس ذلك تماما. لكن لماذا تستحكم تلك العقدة بين الجارتين؟ وهل أن التخلص منها سيكون ممكنا؟ لقد قال العاهل المغربي في خطابه في يوليو 2021 وهو يتحدث عن غلق الحدود الجزائرية المغربية المستمر منذ 1994: «لا فخامة الرئيس الجزائري الحالي ولا حتى الرئيس السابق، ولا أنا مسؤولين على قرار الإغلاق. ولكننا مسؤولون سياسيا وأخلاقيا على استمراره أمام الله وأمام التاريخ وأمام مواطنينا». وبالمثل فلا أحد من القادة الحاليين المغاربة والجزائريين مسؤول عما جرى في 1963، لكنه سيكون مسؤولا وبلا شك عن تداعيات ما حصل في ذلك العام على العلاقة اليوم بين الجارتين. ومن الواضح أن نقص التواصل، وربما حتى انعدامه مرات بين الجزائريين والمغاربة يعطي الفرصة لتفاقم واستمرار تلك العقدة، غير أن غياب الحوار والنقاش بينهما يجعل من فكها أمرا شبه مستحيل. وهنا فإن الرفض الجزائري المتكرر لأي وساطات وإعلان الرئيس الجزائري عن أن القطيعة خير من الحرب، قد يعني أن المغاربة والجزائريين سيحتاجون لوقت أطول حتى يعدلوا عقارب ساعاتهم ويتجاوزا تماما سنة 1963.
كاتب وصحافي من تونس

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.